يحكى أن "كريستوفر كولومبوس" أحبّ مداعبة الحضور على مأدبة طعام بحضور ملك البرتغال، فتناول بيضةً مسلوقة وتحدّى من يتمكّن من إيقافها بشكلٍ عمودي، ففشل الجميع، بينما هو عمد إلى تقشير إحدى طرفي البيضة وتم اسندها أفقياً عليه، فأجاب الجميع نستطيع كلّنا أن نفعل ذلك، فقال لهم ولم لم تفعلوا...؟!
هذا يدعونا للتفكير ملياً بالتخلّي عن لوم الآخر، والتنظير البعيد عن التنفيذ على أرض الواقع، وتحميل المسؤولية للغير، والانتقال لمرحلة البدء بالذات، وتفعيل التفكير الجدي بتحمّل المسؤولية والبحث عن كل ما هو ممكن ما دام ضمن الإطار العام واحترام قدسية وتراب الوطن، باستكمال الخبرات والمهارات اللازمة لموضوعٍ ما، ومن ثم إن تبقى لدينا الوقت نعمد إلى النقد البناء واقتراح الحلول ضمن كل الاحتمالات.
هذا ليس نشاطاً فردياً بل تنشئة مجتمعية تتحمّل مسؤولياتها بالدرجة الأولى وسائل الإعلام، أنّى كان نوعها أو المصطلح الذي يطلق عليها ... التنموي ... الاستقصائي وغيرها، بعيداً عن خلق تفاصيل تبعثر الفكرة الرئيسية وتتهرّب من المسؤولية الحقيقية، ونسب سير الحياة الطبيعي كنجاحٍ شخصيٍ، مما يضيع الوقت بهدف تحقيق مصلحةٍ آنية وشهرةٍ زائلة،
وإذا استذكرنا عبارة وردت في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتبرت 24 تشرين الأول من كل عام يوماً للإعلام الإنمائي، بهدف نشر المعلومات وتعبئة الرأي العام والوعي بمشاكل التنمية، "يمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات توفير حلول جديدة للتحديّات في مجال التنمية، وبخاصةٍ في سياق العولمة، وتعزيز النموّ الاقتصادي، والقدرة على المنافسة والحصول على المعلومات والمعارف، والقضاء على الفقر وكفالة الإدماج الاجتماعي".
بكل تأكيد ليست مسألة سهلة لكنّها ليست صعبة، فالإعلام ليس غايةً بحدّ ذاته، إنّما وسيلة توعوية تهدف لإيصال المعلومة بهدف تحقيق ما تطمح إليه المؤسسات الوطنية بالنهوض وتحقيق المشاركة الفاعلة، وتعزيز التعاون والتعاضد بين جميع أبناء الوطن، ليكون كل عنصرٍ معبّر وداعمٍ لهذه المؤسسات وقادر على تلبية متطلّباتها، لأن المفترض أن تكون لدى المؤسسات الإعلامية الوطنية، القدرة والخبرة والمعرفة والإمكانية لبث المعلومة الحقيقية والصادقة، انطلاقاً من رغبات المجتمع وصناعة الرأي العام، فالاستخدام الممنهج لوسائل الإعلام الوطنية، يساهم بشكلٍ فاعلٍ وجدي بالنهوض بتنمية المجتمع ومعالجة قضايا التنمية والمساهمة الفاعلة في عملية التطوير والتحديث وإعادة البناء وصناعة رأي عام واعٍ يساهم بعملية تنموية حقيقية في كافّة المجالات الاقتصادية والصناعية ... إلخ دون استثناء، يسهّل للمؤسسات الوطنية القيام بدورها، ومن المفترض أن تكون دائرة العلاقات العامة هي العنصر الأساس للوصول لذلك، لأنّها صلة الوصل بين المؤسسات الوطنية وجمهوريها الداخلي والخارجي بآنٍ معاً، وخلق بيئة متكاملة تحقق التنمية والوعي المجتمعي ليكون كل فردٍ جزءاً فاعلاً في أداء المهام الموكلة إليه.
وتبرز أهمية المؤسسات الإعلامية باعتبارها وسيلة لتحقيق الهدف، وكلّما كانت الوسيلة أقدر على توضيح ذاتها والهدف المنشود منها كلّما حقّقت التفوّق، وهذا يتطلّب تخصص الإعلامي كلٌ في مجاله، لأنّ اقتناعه بالعمل ضمن تخصصه يمكّنه من إقناع الآخر، وقدرته على وضع الأسئلة بحرفية واختيار الإجابة يساهم باستقطاب الجمهور، لأنه يستطيع تمييز المعلومة الصحيحة ولديه الخبرة والمعرفة بكامل المعطيات ويستطيع قياس أي موضوع انطلاقاً من خبراته ومعارفه، وإيمانه بالمؤسسات الوطنية وقيامها بالدور المنوط بها رغم كل ما تمرّ به من الظروف والإمكانيات، بعيداً عن الإطراء أو الشتم، وبالتالي النجاح الحقيقي للمؤسسة الإعلامية يكون بوضع خطط وقواعد أساسية ولقاءات دورية ومستمرة بين الإعلاميين كلٌ في تخصصه مع أصحاب الاختصاص في المؤسسات الوطنية، والجامعات والخبراء والمحللين ومراكز الأبحاث والدراسات لتشمل كل قطّاع منتشر على كامل مساحة الجمهورية العربية السورية، لأنّنا بقليل من الجهد والوقت واللقاءات الفاعلة نستطيع تحقيق توعية تنموية حقيقية ويكون المواطن إلى جانب مؤسساته الوطنية وعوناً لها ويشعر كل فردٍ أنّ دوره مهما كان بسيطاً يصب في مصلحة الجميع، وأن المؤسسات الحكومية تعمل لأجله ضمن الإمكانيات والقدرات المتاحة والظروف وليست ضدّه، وقد يقول قائل لكنك لن تستطيع استقطاب الجميع، ليكون الجواب بأنّه صحيح لن تستطيع استقطاب مائة بالمائة، لكن تستطيع استنهاض جهود الوطنيين ليكونوا جزءاً أساسياً من نهوض المجتمع الذي سينعكس على جميع أبناء الوطن، وبالتالي تلقائياً سينضم كل أبناء الوطن ويتم القضاء على كل ثغرةٍ أو فجوةٍ يحاول البعض التسلّل منها لتدمير وطننا أو محاولة غرس بذورٍ فاسدةٍ في ثناياه، وتطهير وتنظيف البذار التي أصابها القليل من العفن وجعلها قابلةً للزراعة لتنبت ثماراً طيّبة.
الإعلام أداة تنموية بيدٍ المؤسسات الوطنية، لأنّه على احتكاك مع كل طبقات المجتمع، وقادرٌ على خلق الرؤى والأفكار التي تستطيع من خلالها مضاعفة إنتاج أبنائها، وإبراز الجهود التي تقوم بها، ومناقشة العقبات والثغرات التي تعترض عملها، والحلول القابلة للتطبيق على أرض الواقع، وإبراز دور كل منا في علاج المشكلات التي نعاني منها، لتحقيق نهوضٍ سريع للمجتمع والمؤسسات الوطنية التي كل موظّف بها يجب أن يدرك أنّ عمله سيصبّ لمصلحة الوطن ككل لأنّ صاحب العمل هو الوطن بكامل مؤسساته التي سينعكس نتاجها على المجتمع ككل، بعكس العامل في القطّاع الخاص، الذي ستكون الفائدة الأساسية والكبرى لصاحب العمل.
إن العملية التنموية ومشاركة أبناء الوطن فيها تحتاج لنقاش وحوارٍ بناء وجدّي ضمن الوسائل الإعلامية من أجل قدرتها على التعبير عنه وإقناع الجمهور، فبدلاً من النداء لضرورة الحفاظ على المياه وموارد الطاقة وغيرها، يكون الإعلام جزءاً أساسياً في تحقيق الوعي باستثمار كل قطرة ماء والحفاظ عليها، وكذلك كل موارد الطاقة وإمكانيات البلد واستثمارها الوجه الصحيح، بأسلوب مقنعٌ ومحبّب قريبٌ من فكر ورؤية هذا المواطن، بعيداً عن التنظير الجاف والخطاب الجامد، وبالتالي نستطيع غرس فكرة دوره بعملية الإنتاج وترشيد الاستهلاك وضغط النفقات والهدر والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة.
إّننا أحوج ما نكون إلى دورات تأهيل وتدريب تخصصية، كلٌ في مجاله، فكما الجيش العربي السوري مبدعٌ في الوقوف بوجه أعداء الوطن وتطهير ثراه المقدّس، والقيادة السياسية تعمل من أجل سد كل ثغرةٍ يحاول أعداء الوطن فتحها لاستغلال سوريتنا التي ترفض أن تكون إلا الند للند لكل دول العالم، وتحافظ على كرامة أبنائها وقدسية ترابها، فكلٌ منا يجب أن يبدع بتخصّصه من أجل تحقيق التكامل بين الشعب والجيش والقائد، لتكون الجمهورية العربية السورية كما هي دائماً امتداداً لتاريخٍ عريقٍ وشعب حيوي.