إذا أراد المراقب أن يستقرئ الواقع من خلال المعطيات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية و... في البيئة الإقليمية المرتبطة بالنزاع بين الجمهورية الاسلامية وأمريكا فإنه يخلص الى أمور منها:
١- ليس من مصلحة ترامب القيام بأي عمل ، مهما كانت طبيعته، مباشرة أو بالوكالة، يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط لأنه في خضم عملية تنمية اقتصادية لبلاده وتنتظره *انتخابات رئاسية*، لذلك هو ضغط على السعودية لتعويض النقص الحاصل في سوق النفط جراء العقوبات على الجمهورية الاسلامية في إيران وفنزويلا.
٢- إن استخدام القوة العسكرية بالخصوص لا يخدم سيد البيت الأبيض لأنه يضطره إلى استنزاف المال وتأخير عجلة التنمية الاقتصادية والقاعدة الاقتصادية تقول:
Guns versus Butter
أي إن من ينفق ويستثمر في نفقات الدفاع والحرب لا يستطيع أن ينفق لتطوير المستوى المعيشي لشعبه.
وما يؤيد ذلك هو ما جرى مؤخراً، في الأيام الماضية، من تصريح للرئيس الأمريكي متهماً فيه وزير الخارجية السابق كيري أنه يحرض الإيرانيين على عدم التفاوض معه، معلناً أنه لا يريد الحرب مع إيران، وأنه يتمنى لها اقتصاداً مزدهراً، وأنه يرغب بالتفاوض معها، وقد مرّر الى السويسريين رقم هاتفه لكي يتواصل معه المسؤولون في ايران من خلاله.
٣- إن ما يميز الرئيس الأمريكي هو صدقه فيما قطعه لشعبه من وعود والتزامه بتنفيذها.
ومن يقرأ مواقفه وسلوكاته منذ توليه الرئاسة يلحظ ذلك الصدق والالتزام بتنفيذ الوعود، حتى ولو أوصله ذلك إلى الوقاحة والحمق، حينما يتجاوز مبدأ المداراة في التعامل مع الآخر، حليفاً كان أو عدواً، وحين اتخاذه لخطوات سياسية وعسكرية وتجارية و...، متسرعة غير مدروسة، لكنها منسجمة مع ما وعد ناخبيه بتنفيذه.
كما شاهدنا ذلك في قراره بالغاء الاتفاق النووي مع إيران، وبضمّ القدس إلى الكيان الغاصب مع الجولان، وبالانسحاب المفاجئ لقوات بلاده من سوريا، وشواهد أخرى عديدة.
وهو قد أعلن في خطاب القسم أنه لا يريد حروباً تقوم بها أمريكا بالأصالة عن نفسها ولا إنفاقاً من موازنة بلاده لحماية الآخرين من الحلفاء أوروبيين كانوا أو عرباً أو غيرهم.
٤- إن من يرصد المناخ الاعلامي الذي رافق التهويل الأخير بإرسال بعض السفن الحربية الأمريكية، يدرك ذلك التوجه، إذ أن الأمريكي برر إرسالها لمواجهة أي عمل أحمق قد يقدم عليه الإيراني وصرح أنه لا يريد الحرب.
إن ترامب وفريقه يحبون اللعب على حافة الهاوية ويعتقدون أن الحرب النفسية تخيف الشعب الإيراني وبعض الساسة الذين يستلمون مواقع مفصلية في إيران، عسى أن يوجد ذلك اختلافاً بين الشعب وبعض المسؤولين مع القيادة.
ويؤدي بالتالي إلى زيادة حال التشويش والإرباك لدى خصمهم الايراني، مما يجبره بعد فترة على القبول بالتفاوض.
لكنهم قد غفلوا في المقابل عن القراءة المتأنية لشخصية هذا الخصم الإيراني التي تتصف ب:
أ- الذكاء وبعد النظر والحكمة والصبر والعزيمة والثبات إذ أنها تنتمي إلى مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل، الذي يؤكد على عزة المجتمع الإسلامي
"ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين"
ولا يسمح أبداً بالمساومة على حساب منظومته الاعتقادية والقيمية.
ب- القدرة على مواجهة الحرب النفسية مع تقديمها لنموذج معياري تقتدي به الشعوب الأخرى في هذا الميدان.
ج- الحنكة والمهارة في مواجهة الحصار الاقتصادي عبر تحويلها التهديدات الناشئة منه إلى فرص تعزز مبدأ الاكتفاء الذاتي.
د- القدرة على تحمل أعباء الحرب العسكرية المعنوية والبشرية والمادية بنتها وعززتها تجربة الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران من قبل النظام العراقي السابق.
بناء لما تقدم واستفادة من تجارب ترامب وفريقه الأخيرة مع كل من كوريا الشمالية وفنزويلا، يتضح لدى المراقب أن احتمال الحرب ضئيل جداً وكذلك هو إقدام الإيراني على التفاوض.
موقف أكده قائد الجمهورية الاسلامية في كلمتين عندما قال:
لن يكون هناك حرب ولن نتفاوض