تطورات الحرب السورية التي شهدت انتصارات عظيمة بمساندة الحليفين الروسي والإيراني قضّت مضاجع الاعداء، لترسم واشنطن استراتيجية بديلة لهذه التغيرات التي لم تكن لصالحها، فبدأت عملية التفاف سياسي لعلها تخفف من وطأة الصدمات التي منيت بها وخصوصا في منطقة الجنوب السوري، فكان القرار الامريكي بعقد مؤتمر وارسو 14/2/2019 و الذي توسلت منه اقامة تحالف عربي خليجي تستطيع به لملمة خسائرها عبر تقديم الدعم لإسرائيل، والإجماع مع ادواتها من العرب المطبعين مع اسرائيل، لإقامة حلف ضد محور المقاومة المتمثل بإيران، فمسألة الشبح الإيراني الذي سوقت له امريكا لم يكن غير مدروس، بل جاء نتيجة القوة الكبيرة التي باتت تتمتع بها إيران خلال عقود ومنذ انتصار الثورة الإيرانية الإسلامية، فكانت الضربة الكبرى من حلفائها الاوربيين بتخفيض مستوى المشاركة في المؤتمر، فالمصالح تتشابك وتتعقد بالملف الإيراني، و الأوربيون يعارضون انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، لذلك كان اجتماعا اخذ عنوان مناهضة إيران وانتهى باجتماع التطبيع مع اسرائيل.
الواضح تماما أن اميركا جل ما يهمها هو دعم اسرائيل في المنطقة، وخصوصا بعد النكسات الكثيرة التي حصلت لها خلال الحرب السورية، واهمها اسقاطها لطائرة روسية إيل-20 وتوتر العلاقات مع روسيا سيجعل امر اخراج الإيراني او الحد من خطواته على الأرض السورية غير مقبول من روسيا، وكذلك التوتر الحاصل بين تركيا وامريكا نتيجة الدعم الذي تقدمه امريكا للأكراد السوريين، وعلى راسهم قوات سورية الديمقراطية، فالخلاف بين هذه القوى سينعكس سلبا على التطورات العسكرية والسياسية التي تأملها اسرائيل للاستفادة من الحرب السورية.
مشكلات القرار الامريكي بالانسحاب من الاراضي السورية شكل قلقا لإسرائيل، لذلك كان على الام واشنطن التفكير مليا وإعادة الاستراتيجية بما يتوافق والأمن الاسرائيلي، لذلك عمدت أميركا على تمديد الانسحاب وبقاء قوات امريكية في سوريا من ناحية لإرضاء الحليف الكردي الضائع في غياهب المسرحية الأمريكية، ومن ناحية أخرى لتقديم الدعم بالمؤازرة لإسرائيل وادواتها الارهابية بما يتناسب ومراقبة التحرك الإيراني على الارض السورية، فلكل مصالحه إلا ان المصلحة الوحيدة لأميركا هي تامين اسرائيل والتقدم بتنفيذ مشروعها الاستيطاني عبر صفقة القرن.
استغلال ملفات الازمة السورية من المخيمات إلى اللاجئين والنازحين وتشكيل الدستور كلها ملفات تجد فيها واشنطن اسباباً للضغط على القيادة السورية وإطالة امد الحرب لعلها تستطيع ترتيب اوراقها من جديد بما يخدم المشروع الصهيو اميركي الموعود، ففي دراسة لمعهد ابحاث الامن القومي الإسرائيلي "آي إن إن إس" يوصي مدير المعهد عوديد عيران بتوطين اللاجئين السوريين في لبنان وعدم عودتهم إلى وطنهم وتوطين اللاجئين الآخرين السوريين في الأردن أيضا.
الواضح ان الهدف قد خُطط له بعناية فائقة، و رُسم له جميع الاحتمالات لمنع فكرة فشله فـ صفقة القرن لابد من تنفيذها ولكن في البداية لابد من تصفية محور المقاومة الذي يشكل العائق الأكبر في المنطقة والذي أثبت تفوقه رغم كم التحديات التي يواجهها، وعليه ستبقى اميركا تماطل في الانسحاب من سوريا، وستعمد إلى إعادة انعاش مؤتمر وارسو عبر الزيارة التي يقوم بها بومبيو إلى الاردن والكويت واسرائيل ولبنان، لعله يستطيع إشعال الموقف من جديد بما يناسب الحلم الاسرائيلي رغم الانتكاسات التي تصيب الداخل الاسرائيلي عبر المقاومين من الشعب الفلسطيني، والذي كان ابرزهم الشهيد عمر ابو ليلى الذي استطاع ان يقض مضاجعهم فلا يستطيعون ممارسة حياتهم المعتادة، و من هنا يمكننا أن نقول، بأن ما تريده أمريكا سيصطدم بجدار صلب قواه سوريا و ايران و العراق و حزب الله، و كأبطال مقاومين كـ عمر أو ليلى و غيره من الشهداء.