بقلم: العميد د أمين محمد حطيط ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 27-03-2019 - 1584 عندما شُنَّت الحرب الكونية على سورية كنا نرى وبكل يقين أن هذه الحرب جاءت خدمة لإسرائيل من أجل تحقيق غرضين اثنين:
اجتثاث الأخطار التي يمكن أن تهددها والتي تتمثل بالمقاومة ومحورها والذي تشكل سورية فيه القلعة الوسطى، والثاني تمكين إسرائيل من التوسع الجغرافي بضم أرض جديدة من أرض سورية بعد تفتيتها وتجزئتها وتخصيص إسرائيل بجزء منها. لكن سورية وباقتدار ذاتي وبدعم قوي من حلفائها تمكنت من التصدي للعدوان الذين استمر لثماني سنوات عرفت من الوحشية في الإجرام الإرهابي وانتهاك كل الأعراف والمقدسات والقواعد التي تراعى النزاعات العسكرية ما لم يعرفه أحد، وتمكنت سورية رغم ذلك من الصمود والمواجهة وإسقاط أهداف العدوان ووصلت بالأمور الى حد التسليم الضمني من قبل المعتدي بأن العدوان فقد أوراقه الاستراتيجية الأساسية التي يستطيع أن يلعبها لاستنقاذ أهدفه. و كان منطقياً في ظل هذه الهزيمة أن تسلم قوى العدوان بقيادة أميركا بالنتائج التي تمخض عنها عدوانها، وأن تنكفئ وتبحث عن مخرجٍ يحفظ لها ماء وجهها، لكن أميركا اعتمدت سياسة المكابرة والتعنت وتزوير الحقائق سياسة بفرعين الأول /إطالة أمد الصراع/ لمنع سورية من العودة إلى وضعها الطبيعي عبر وقف النار بعد استكمال التحرير، و عودة النأزحين من بيوتهم، وانطلاق عملية إعادة الاعمار، أما الثاني فجاء بشكل كيدي فاجرٍ وقحٍ عبر قرار أميركي فحواه /الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية/ على الجولان السوري المحتل منذ العام 1967، اعترافاً يشكل جائزة ترضية للعدو الصهيوني الذي خسر مع الخاسرين في سورية، قرار يذكّر أيضاً بمسار إنشاء اسرائيل ذاتها على أرضِ الغير المغتصبه. لقد قامت إسرائيل وشرع اغتصابها لفلسطين بقرار دولي تم تنفيذه بالسلاح الارهابي الصهيوني فكان قرار التقسيم ذي الرقم 181 الذي لم تكتف إسرائيل بما نالته فيه من مساحة تعادل 55% من ارض فلسطين التاريخية بل زادت عليها مساحة إضافية حتى بلغ مجموع ما ادخل تحت سيطرتها 73 % من ارض فلسطين التي لم يتبق منها بيد أهلها الأصليين الا منطقة الضفة لغربية وقطاع غزة. التي عادت واحتلتها اسرائيل في العام 1967، وانتهجت بعد الاحتلال سياسة ضمهما اليها لكنها فشلت في غزة بسبب المقاومة اما في الضفة فأنها تستمر بالقضم متوخية الوصول الى الضم النهائي عندما تنضج الظروف. و لم تقتصر سياسة الضم و القضم الإسرائيلي للأرض العربية على فلسطين وحدها بل انها تشمل اليوم ارضا أخرى فكان الجولان السوري الذي احتل في العام 1967 هو القفزة التالية، ورغم القرارات الدولية المتتالية من القرار 242 الى القرار 338 وصولا الى القرار 497 و هو الأهم والأشد تأكيدا على هوية الجولان بانه عربي سوري ورفض أي تدبير إسرائيلي لضمه، فقد اعتمدت إسرائيل قرارا لضمه و أعلنته في العام 1981 / والأخطر و الادهى اليوم هو اعتراف أميركي ب"السيادة الإسرائيلية على الجولان" ، في موقف اتخذه ترامب خلافا لكل شيء يسمى شرعية دولية. ان قرار ترامب هذا يشكل عدوانا ثالثا على الجولان بعد العدوان الأول الذي ارتكبته إسرائيل بالاحتلال العسكري، والعدوان الثاني الذي نفذته إسرائيل المتمثل بقرار ضم الجولان، ان قرار ترامب عدوان ينتهك الشرعية الدولية بمبادئها العامة وبالقرارات الخاصة بالجولان بذاته. فهو يشكل انتهاكا لمبدأ أكد على ميثاق الأمم المتحدة "عدم جواز اللجوء الى القوة لحل النزاعات"، وينتهك مبدأ "عدم جواز تعديل الحدود بالقوة بين الدول " و "عدم جواز ضم ارض الغير بالقوة “، وينتهك القرارات الصادرة عن مجلس الامن والتي تؤكد على ان الجولان ارض عربيه سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي. وهي قرارات صوتت عليها وايدتها اميركا وصدرت بأجماع أعضاء مجلس الامن وهي تشكل ترجمة للموقف الدولي الجامع الرافض لسياسة اعتماد القوة بين الدول والرافض لسياسة ضم ارض الغير بالقوة. ورغم ذلك يقدم ترامب على اتخاذ قرار العدوان على ارض الغير في تصرف يذكر بوعد بلفور الذي منح ارض فلسطين دون وجه حق لليهود ليقيموا عليها وطنا قوميا لهم فما هي تداعيات هذا القرار وما هي سبل الرد عليه؟ قبل الاجابة لا بد من الإشارة بانه لا يمكن التعويل على موقف عربي مؤثر في الموضوع فالعرب وللأسف يتخبطون في حالة من الوهن والضياع افقدتهم أي وزن استراتيجي او قوة تأثير دولية، وباتو مائدة يتقاسمها الأقوياء، ولوكان العرب غير ذلك لما تجرأ أحد عليهم ولما كإنو ميدانا وأداة لحروب شنت عليهم فقتلت منهم وشردت الملايين وافقدتهم مئات مليارات الدولارات. ولن نقول ان قرارا اميركا بهذا الحجم كان يستوجب موقفا عربيا مزلزل ضد اميركا وإسرائيل لان العرب لو امتلكوا هذه القدرة على المواقف لما حل بهم ما نراه. ولنعد الى الموضوع ونبحث في تداعيات القرار الأميركي على الوضع الدولي عامة وفي منطقتنا خاصة ونذكر ان القرار تسبب في: 1. فقدان اميركا أي دور في الوساطة في حل المسالة لفلسطينية، ولن تكون اميركا من الان وصاعدا في عين أحد الا الحمقى وسيطا نزيها تسعى لحل القضية بل باتت بمظهر المتبني كليا لكل ما تريد إسرائيل بل تتقدم عليها في انها صهيونية أكثر من إسرائيل ذاتها. 2. لن يكون هناك حديث جدي عن حل سياسي لازمة الأرض العربية المحتلة، وبالتالي تعطيل العمل بال قرارين242 و338 الذين يدعوان الى حل سلمي وإعادة الارض بالتفاوض. 3. الإطاحة بمبادئ أساسية عامة في القانون الدولي ارسيت بعد الحرب الثانية وتتمثل في رفض الاعتراف بالقوة سبيلا لاحتلال ارض الغير او تعديل حدود الدول او فرض الإرادة على الشعوب. 4. حصر خيارات الشعوب لحماية نفسها بالخيار الميداني وخيار القوة الدفاعية التي تواجه القوة العدوانية، وفي ذلك انهيار للمنظومة التي قامت من اجلها الأمم لمتحدة والمتمثلة بمبدأ " حل النزاعات بالوسائل السلمية". 5. اما الانعكاس المباشر على سوري لبنان فان القرار يؤدي في حالة السكوت عنه الى خسارة الجولان السوري بقضمه، وخسارة مزارع شبعا التي تعتبرها الأمم المتحدة خاضعة لمهام "الاندوف" المنتدبة الى الجولان، وان سيادة إسرائيل على الأخيرة تعني ضمنا سيادة على مزارع شبعا، اما عن فلسطين فبعد القرار لا يحلمن أحد ان تعمل اميركا لإعادة حق لأهله كليا او جزئيا. وفي الخلاصة تكون اميركا بقرارها قد انتهكت أسس النظام الدولي العام والمبادئ التي تقوم عليها الأمم المتحدة، ودفعت المنطقة الى الميدان للعمل بخيار القوة وهو الوحيد المتبقي لاستنقاذ الحق بالأرض، وشرعت في عملية تفتيت سورية وتقسيمها في خطوة أولى تقطع منها ارضا وتحضر لخطوة أخرى تليها تتمثل بإقامة الكيان الكردي الانفصالي في شرقي الفرات التي تحتله اميركا اليوم وتتكئ على الاكراد ومقولة حمايتهم لتبرير احتلالها. وهنا يطرح السؤال هل من سبل للمواجهة وكيف؟ اننا ندرك في البداية ان اميركا دولة عظمى وهي الأولى في العالم من حيث القدرات العسكرية وغير العسكرية، لكننا نوقن أيضا بان اميركا ليست قدرا يجب التسليم والاستلام له، وان التاريخ الحديث يقدم أكثر من مثل على ذلك فأميركا رغم كل جبروتها تختزن في ذاتها من بذور الوهن ما يجعلها هزيمتها ممكنة، اولم يحدث ذلك في فيتنام وفي افغانستان وفي العرق؟ وأخيرا في سورية نفسها عندما خسرت اميركا في مشروعها الأساسي فجاءت بهذه الخطة التعويضية البديلة. ما يعني في استنتاج قاطع ان المواجهة ممكنة والانتصار فيها مرجح وهنا تكمن الإجابة عن السؤال حول السبل فنقول انهما سبيلان: الأول سياسي دبلوماسي اعلامي وفيه تحشيد متعدد الأبواب والسقوف ضد القرار الأميركي المنتهك لكل قواعد القانون الدولي العام والمنقلب حتى على المواقف الأميركية من الجولان منذ 52 عاما، عمل يجب ان يشارك فيه الى سورية كل حلفائها واصدقائها، وكل مسؤول حريص على الامن والسلم العالمين لان مرور هذا القرار سيشكل سابقة تطيح بالاستقرار والامن الدوليين القائمين على رفض اللجوء الى القوة ورفض الإقرار بمفاعيلها. الثاني ميداني مركب يتخذ من الرفض السوري للقرار قاعدة انطلاق ، الرفض المعبر عنه بالمقاومة المدنية التي يمارسها السوريون من اهل الجولان باقتدار واضح ، و يتوسع ليشمل التحضير و الاستعداد للمواجهة الميدانية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عندما تهيئ البيئة المناسبة له و هي مواجهة لن تقتصر على سورية وحدها بل ستشمل مكونات محور المقاومة ، خاصة و ان توحيد الجبهة في شمالي فلسطين بات حقيقة واقعة و لن يكون ممكنا فصل جبهة الجنوب اللبناني عن جبهة الجولان السوري بعد المتغيرات الأخيرة و التي جاء ضم مزارع شبعا اللبنانية ليؤكد عليه .
لا يوجد صور مرفقة
|