بقلم: د. محمد عمر غرس الله
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 10-12-2018 - 1542 تعتبر التصورات الفردية والجماعية – حول ما يجري في ليبيا – مهمة لمعرفة حقيقة فهم الواقع وما يجري فيه من أحداث ماذا تعني كيف تسير وكيف تدار وعلى ماذا تدل؟، وفي هذا الأمر – من خلال ما نرى – نلاحظ أن هذه التصورات (الشكل) الذي يعتقده كل مرة الكثير من الليبيين يعبر إلى حد كبير عن حالة “باريدوليا” واضحة في رؤيتهم (لشكل) ومعنى وطبيعة المأزق الليبي، وفي رؤيتهم (لشكل) ومعنى التدخل الخارجي واللهث ورائه، كيف ذلك؟ دعونا نرى.
يقع الإنسان – بصرياً – في حالة “الباريدوليا” تحت ظرف نفسي فردي او جماعي فينحرف التصور عنده دون وعي في تفسير ما يرى – بصرياً – من أنماط عشوائية على أن لها شكل ومعنى، (كأن يرى السحاب على هيئة جمل أو شجرة أو يرى كلمة أو جملة معينة في تراكيب شعيرات ثمرة ما ..الخ) بمعنى قيام العقل بتفسير بعض الأشكال غير المنتظمة على أنها أشكال معروفة ومعبرة ويتحفز لها، وهذا الأمر – في العمق – يعد وهم في التصور بتفسير أنماط عشوائية على أنها شكل له معنى، فهي حالة تصور ينسجه العقل ويصدقه ويراه حقيقة، هذا في الصورة والشكل ومتعلق بالفعل البصري، لكنه هنا في موضوعنا – كتشبيه – لتصورات المتاهة الليبية ربما يفيد كوصف لحالات الوهم التي تصنع تصور (شكل) له معنى يتم اللهث ورائه، الأمر الذي دعانا لإستعارة هذا المصطلح لشرح الموضوع، بعد الإذن من متخصصي علم النفس. إنه لدى – الأفراد والجماعات – أشبه ما يكون في حقيقته بتصور وتفسير على التمني للأشياء، وهو ليس ناتجاً عن حقيقة الموقف او التصرف او الشكل الذي ترأى لهم، بقدر ما هو عملية يخضعها العقل أحياناً في الشأن السياسي لشيء يبرره ـ سياسياً دون أن يعي ـ يكون تعويضاً عن عجز أو هروباً من ثقل الواقع او صعوبة المهمة.. الخ، ولربما أيضا ثمة من يعمل بشكل مقصود ومنظم على حدوث هذه التصورات (الأشكال) – الموهومة – لدى الأفراد والجماعات، عبر إدارته للعبة الاعلام والمنظمات الدولية والسفراء وقدرته على تحريك والتأثير على الأدوات المحلية وتحكمه في المبادرات الإقليمية والدولية. ولذا يبدو أن الرأي العام الليبي وكأنه وقع في حالة “باريدوليا” سياسية في شكل تصوراته، وعلاقة التدخل الأجنبي ودوره فيما جرى ويجري في ليبيا، هذا الأمر يبدو واضحاً في التعاطي مع المتاهة التي يساق فيها – حتى الأن – دون أن يعي او ينتبه بشكل فارق، كما أن الجماعات السياسية الليبية – بأنواعها – يبدو أنها تعاني من نفس الحالة في تصوراتها الواضحة من خلال اللهث وراء هذا العامل الخارجي وصنع تصور (شكل) بصري عقلي ساذج حول معناه وإيجابيته، الأمر الذي يعد خطأ “تصوري” موهم “باريدولياً”، وهو يدل على المرض السياسي وعدم الإدراك، وبالتالي – كنتيجة – عدم القدرة على الفعل بالطريقة الصحيحة وفي الإتجاه الصحيح، ومن ناحية أخرى لربما هذه الحالة التصورية – دون وعي – تعني الهروب من الإستحقاق الوطني (الغريق يتعلق بقشة) وبالتالي محاولة تعويض هذا العجز عبر صنع أشكال باريدولية في التصورات والفرح بها وصنع شكل – ذو معنى موهوم – لها. أن حالة الباريدوليا – المفترض هذه – توفر تعويض وتصور نفسي أكثر منها تعبير عن عمل له (شكل) مدرك وفاعل بما يتناسب مع مستوى التحدي الذي وقعت فيه ليبيا، هذا التصرف والتصور التعويضي ربما في شيء منه يعبر عن إنعدام الوعي الفارق بالواقع وطرق التعامل معه، وهو يعبر عن حالة العجز الواضحة وعدم القدرة التناسبية لمواجهة التحديات. أنه يشبه “مرض بصري عقلي” بين وواضح في مسألة الادراك، ربما لأنه يُريح ويُعطي نشوى وتلذذ يعوض العجز عن الفعل في الإتجاه الصحيح والمطلوب، وهذا – مع الإستمرار فيه – يتحول إلى متاهة مرضية، فما يجري ويتم وما يرى من شكل وتصور ليس له معنى وطني في الحقيقة، ولا يُنقذ البلاد ولا يساهم في ذلك، بل يزيد في تمديد المأساة وإطالتها وتعميقها، فالإجراءات اليومية ورؤية شكلها التصوري والفرح حيال تنظيم لقاءات العواصم وجولات سفراء الدول الأجنبية يعتبر مجرد مسكنات وأوهام لا معنى لشكلها التصوري الموهوم، وهي مع الزمن تعبر عن أضرار أكبر وأعمق من فوائدها الموهومة. أن التصورات السياسية – كشكل – حيال ما تعاني منه ليبيا ـ والتي تُطرح كل مرة، ثبتت عدم صوابيتها، حيث نرى العقل الجمعي شعبياً يبني – باريدولياً – تصورات (شكل موهوم) حول أي لقاء في أي عاصمة ويتصوره ذو معنى، ويتصور علاقات تفاصيله على إنه سيجلب الحل، ونرى أيضاً السياسي الليبي – بتنوعاته – يسير في ذلك متلهفاً لا يتوقف عن اللهث وراء العواصم والسفراء والمبعوثين الأجانب من الصخيرات ودكار حتى باليرمو مروراً بجنيف وباريس وعواصم أخرى، بمبرر البحث عن حل بين الليبيين في قاعات تلك المدن وفنادقها، البعض من تلك اللقاءات بمبرر التفاؤل وأخرى بمبرر الحوار وهكذا ..الخ، يسبقها تسخين إعلامي وتجاذبات حول الحضور والدعوات. والليبيون يغوصون يومياً أكثر وأكثر في متاهة طوابير المصارف ومحطات الوقود وضنك العلاج والأمراض، والخطف والقتل والإختفاء القسري والاعتداءات شبه اليومية، والتضخم وإنعدام مصادر الدخل، والبلاد تعاني من إنتهاك السيادة الوطنية برياً وجوياً وبحرياً، وتتعرض لحالة نهب حادة وعميقة لمواردها المالية، ويتم سحق الطبقة المتوسطة وتجريف مدخراتها، بالتوازي مع ضنك وفقر وبؤس وإنعدام أمن وتضخم سحق مدخرات الأُسر البسيطة التي تحولت إلى طبقة من الفقراء المسحوقين، وبالمقابل صعدت طبقة من طفيليات الناهبين المحليين الذين يلتهمون الأموال بمئات الألاف والملايين عبر السيطرة على مركز المال في البلاد والإعتمادات والتسهيلات المالية وأيضا عبر النهب المسلح المقنع، وهكذا تأكل متاهة الأزمات المتوالدة من جسد الإقتصاد الوطني الضعيف ومن الإقتصاد الأُسري المسحوق. أن مقاربة “الباريدوليا السياسية الليبية – يمكن تعريفها بأنها حالة وهم برؤية “شكل تصوري” بالثقة في اللعبة الدولية والتسليم لها في كل شيء، وهي تصنع شكل لتبرير الهث وراء المتاهة التي يتم القيام بها كل ستة أشهر، وهي تجعل الليبيون ينتظرون إجتماعات و لقاءات العواصم متوهمينه تصوراً وشكلاً “باريدولياً” يحمل معنى يمكن رؤيته وقرأته كتصوراً وشكل لحل سحري سيتم شحنه (Delivery) في صناديق لقرى ومدن الليبيين، ويستنشقونه كالاُكسجين مع إستيقاظهم صباحاً، وتتحول حينها ليبيا إلى واحة أمن وأمان ويتمكن حينها الناس من السيطرة على مواردهم وأجوائهم ومياههم الإقليمية وحدودهم. أن ذلك كله في الحقيقة مجرد وهم وحالة نفسية “باريدوليا” وقعت فيها الجماعات السياسية الليبية – قصداً او عن غير قصد – بما فيها الأفراد والقبائل التي يبدو إنها مصابة بحالة التفاؤل المرضي (من المرض) الغريب، وتعاني من حالة التصديق الساذج والثقة الغريبة في الدول الغربية وسفرائها ومبعوثيها. أن العقل السياسي الليبي نخبوياً وشعبياً مدعو للبحث عن طرق أخرى للإنقاذ غير ما يتم منذ مدة طويلة، وهذه الطرق أخرى أبداً ليست عبر طاولات العواصم ولا عبر السفراء الأجانب ولا حتى عبر المبعوث الأُمم، أن الليبيون مدعوون للإستيقاظ من حالة وهم “الباريدوليا السياسية” التي تصنع وهم وشكل وصورة ذات معنى موهوم لتلك البيانات واللقاءات والإجتماعات التي تعقد كل مرة من عاصمة، والتي توحي – وهماً – بصورة وشكل يعتقد بأنه الطريق إنقاذ البلاد من خلال طاولات وصالات إجتماعات الدول الأخرى وعواصمها، وتحت تنسيق سفراء الدول الأجنبية وأجهزة مخابراتها، أن وعي الناس السياسي لابد أن يتطور كي لا ينسج الرأي العام مزيداً من أشكال وصور الباردوليا السياسية – الموهومة – ويصدق متاهتها ويراها شكلاً وحلاً ذو معنى ينقذ البلاد مما هي فيه، فالعناصر المحلية والعربية والدولية التي كانت وراء المأساة الليبية ووراء إستمرارها، لا يمكنها أن تحقق لنا إنقاذ بلادنا وأنفسنا، وأمامنا المثال الأقرب “العراق” الذي يئن تحت حالة النهب والفقر والفاقة وتعيش على دمائه طبقة من الناهبين المحليين المستظلين بالناهبين الدوليين الكبار الذين كانوا ومازالوا وراء مأساة العراق والذين ساقوه عبر مراحل أوهام تصورات “الباريدوليا السياسية” إلى ثقب الوهم الأسود وإلى المأزق التاريخي، وهؤلاء أنفسهم أيضاً وراء المأساة الليبية وإستمرارها. أن الإنقاذ وطريق العمل المتناسب مع الواقع الليبي اليوم ليس مجرد توقيع أوراق ونقاش في فندق ما في عاصمة ما، والاعتقاد باريدولياً بأن له شكل ذو معنى إيجابي في الحالة الليبية، وهو أبداً ليس تعويم العملة المحلية وضخ العملة الصعبة وليس مزيداً من قرارات التعيينات الوظيفية وزيادة المرتبات من هنا وهناك، ولا هو اللعب على ما تبقى من فتات الأرصدة الليبية التي نهبها القاصي والداني، بل هو منظومة متكاملة وعمل شامل عام، حزمة كاملة من الفعل الداخلي المدرك والذكي والمنظم، والذي يجب أن يتم بعيداً جداً عن أعين وأيادي مخابرات الدول الأجنبية وسفرائها ومبعوثيها، بعيداً عن أيادي اللاعبين الكبار الذين سببوا المأساة، بل وبعيداً أيضاً عن الأدوات المحلية التي تحقق لهؤلاء اللاعبين الدوليين – الذين دمروا ليبيا – ما يريدونه مجاناً من إستمرار نهب بلادنا وإستباحة سيادتنا الوطنية. والله من وراء القصد …
لا يوجد صور مرفقة
|