بقلم: فرح مرقة
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 10-12-2018 - 1630 طلقة ثم قذيفة تصيب معدة أحد شبان المظاهرات بسترته الصفراء فيتراجع الشابّ من الألم ويحمله رفاقه الى مكانٍ أكثر أمناً، فيجد نفسه برفقة صحفي ظنّ أن الشرطة الفرنسية ستقدّر كلمة “Press” المطبوعة على كل قطعة من ملابسه وإذا به يتحول لمصاب في إحدى زوايا الاعتصامات والاحتجاجات الضخمة القريبة من شارع الشانزيليزيه. نعم هذا المشهد باريسي، ولم تفلح فيه كل عطور المدينة ورومنسيتها في التأليف بين قوات الأمن والمحتجين.
بالمقابل، كانت حبات المطر التي تتحوّل لبردٍ ومرضٍ وغضب في العادة، تؤلّف بين قلوب المحتجين في شوارع العاصمة الأردنية عمان وقوات الأمن والدرك لتُخرج مشاهد أكثر حضارية بمراحل من تلك التي شاهدتها على القنوات الفرنسية ووسائل التواصل الاجتماعي في الحالة الباريسية. عملياً، نظرة واحدة لوسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس الماضي كانت تكفي ليشعر الأردنيون بالغضب والحزن والفرح والفخر والاعتزاز معاً. نظرة واحدةٌ لمشهد المعتصمين تحت المطر، مع تجنّب كل الشاشات الأردنية التي أخفقت في العدّ، يرى فيها المتابع أن عمان لازالت تنبض بالحياة. نظرة واحدة فقط ثم تبتسم لكل من هاجموا جملة “جاء من الشارع” التي قالها الدكتور ممدوح العبادي عن وزير الاتصالات مثنى الغرايبة، ببساطة لأن من لا زالت في ذهنه كلمة “الشارع” مذمّة فهو لم يفهم ما يجري في الأردن منذ ستة أشهر بعد. نظرةٌ واحدةٌ للشارع ولأمًّ عجوز وشيوخ تحت المطر وشبّان يهتفون باسم بلادهم وتنتبه إلى أن الأردن “حالة خاصةٌ جداً” لا يمكن مشاهدتها إلا فيه ومنه وإليه، رغم كل شيء. من يشاهد المحتجين في الأردن يشعرهم يقولون: نعم نحب الأردن، نحبه لأننا أبناء شوارعه وزقاقه وحواريه، نحب الأردن لا لأجل تاريخ العشيرة ولا لأجل سياسييه الفشلة، لكننا نحب الأردن تحديداً لذلك المزيج العجيب الذي يمكن أن يقلب المطر لحبّات تهدهد أكتافنا حين تشعُرنا منكسرين ومتعبين، نحبه لتلك الكبيرة في السن والقدر التي تصل متأخرةً قليلاً عن بدء الاعتصام فتتعذّر وتقف قبل الرجال، لتلك الفتيات اللائي أسمين أنفسهن “خوات الرجال” وهنّ من تتبارك الرجولة بخصل شعرهنّ ولفّات حجابهنّ. يحبون الأردن ويحلفون أن يحفروا صخر العمل السياسي العتيق المتكلّس بالحناجر إلى أن ينفجر ينابيع عذبةً طاهرة.. فهم أبناء الشوارع كلّها وهم أبناء الميادين. ** دونالد ترامب.. فريال العصر الحديث! بالمناسبة، باتت متابعة العالم بصورة أوسع من العالم العربي واحدةً من اهتماماتي أكثر بكثير من ذي قبل، فبأمانة وليس فقط على نطاق “باريس وعمان” يمكنك أن تعقد المقارنات، فالمقارنات “الأنغش والأعمق” تستمر لتصل مثلاً لتقارن ما جرى في جنازة جورج بوش الأب ومسلسلات الاستعمار الفرنسي السورية حين يبدأ “كيد النسا” بين نساء الحارة. الجنازة كانت مكاناً خصباً لذلك وقناة سي ان ان فتحت هواءها وماءها (فعلاً شرب الضيوف الكثير من الماء في التغطية) لمتابعة ما يقوم به الرؤساء السابقون منذ دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يمكن منحه لقب “حماة” تقليدية، بجدارة وهو يتصرف مع الرؤساء السابقين وزوجاتهم، فيسلّم على أوباما وزوجته ويتجاهل بيل كلينتون وهيلاري، ثم يتجاهله جورج بوش الابن على المنصّة وهكذا. بذات التوقيت كان رئيس البيت الأبيض قد “تحاذق” و”شبك العالم ببعض” عبر تويتر تارة بحديثه عن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بخصوص الاحتجاجات الفرنسية وأخرى على السعودية بخصوص خفض أسعار النفط وعلى غيرها من القضايا الداخلية في بلاده. النتيجة بالنسبة لي واضحة: ترامب عقله أصغر من الصورة النمطية التي ورّدتها لنا المسلسلات السورية خلال الأعوام الماضية عن امرأة مثل “فريال” التي جسدتها القديرة “وفاء موصللي” في مسلسل باب الحارة مثلاً!. ** مسلسل الإخوة الأعداء في القمة الخليجية.. ليس ترامب وحده، فمصور القناة السعودية الرسمية بالأمس وأثناء تغطية القمة الخليجية بدا مؤامراتياً أكثر من “الإخوة الأعداء” في الخليج أنفسهم، ومن الواضح انه قد يكون مرشّحاً لتصوير حلقات “كيد النساء” المذكورة في المسلسلات إياها. فالرجل اجتهد حتى ملّ منه الاجتهاد وهو يصوّر لنا ممثل دولة قطر كلّما وردت كلمة “تحريض أو حرب” في الخطابات أو حتى “تنافر” بينما كان الملك سلمان بن عبد العزيز أيقونة المصوّر بالنسبة لكلماتٍ كالعمل المشترك والتعاون، وكأن الرجل- تماماً كمصوّري بعض المسلسلات- “حافظ ومش فاهم”. المضحك أني أيضاً أمسكت نفسي متلبّسة وأنا كلّما قرأت كلمة “قطر” على لوحة مندوبها مع سماعي لكلمة تحريض أو حرب، أجد نفسي أتذكر الأغنية السعودية سيئة الذّكر “علّم قطر” والتي آذنت عملياً بالحرب الاعلامية، وكلما استمعت لكلمات “العمل المشترك” لا أتذكر إلا الكويت وهي “تقطّع نفسها” لمحاولة الإصلاح بينما ترفض ذلك السعودية وأصدقاؤها. ولكن ماذا نفعل حُكم المصوّر على الضعفاء من المشاهدين دوماً أقوى!. ** ميركل “العقيد” وميلانيا “أبو عصام”.. هنا عليّ أن أنبّه من لم ينتبه، أن كل من صلحوا ويصلحوا لأن يمثلوا الأدوار “الخبيثة” لنساء المسلسلات المعلّبة إياها في عصرنا هم من الرجال، بينما امرأة مثل انجيلا ميركل مثلاً فكانت لتأخذ دور “العقيد” أو “المختار”. حتى ان “ميلانيا ترامب” سلّمت على كلينتون قبل ان ينتبه زوجها الهائج في الجنازة ذاتها، وكانت ممكن أن تكون ببساطة “أبو عصام”. نعم مسلسلاتنا تنمّط المرأة وتصرّ أن تضع في كثيرٍ من الرجال ما ليس فيهم، أما أنا فمنحازة للنساء اللاتي لسن أخوات الرجال فقط.. هنّ أمهاتهم صانعات الرجولة وسيبقين!
لا يوجد صور مرفقة
|