في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الوضع في ليبيا يخال الإنسان نفسه في سوق عكاظ، حيث يلقي كل بما تجود به قريحته! (في حالتنا ادواته الفتاكة)، ويذهب تاركاً للآخرين إبداء الرأي، غالبية المتحدثين يدينون ويستنكرون الاقتتال بين الاطراف المتصارعة على السلطة التي طال امدها، المؤسف حقاً أن يتحدث هؤلاء عن الوضع في ليبيا ويذرفون دموع التماسيح على من سقط من المدنيين مؤخراً، ويتناسون عن سبق إصرار وترصد أنهم (الدول العظمى) السبب الرئيس في كل ما يحدث من أعمالٍ إجرامية بكل أصنافها من قتل وتهجير وتدمير.
ما ارتكبته العصابات الاجرامية بعيد إعلان نتائج انتخابات 2014 من خلال عملية (فجر ليبيا) التي استهدفت العاصمة وجوارها يفوق كل تصور، لكن هذه الدول حينها لم تنبس ببنت شفه، وكأنما الذين سقطوا وقتها ليسوا من صنف البشر، بل أفسحوا المجال للمجرمين لارتكاب المزيد من الإجرام فقاموا بترحيل رعاياهم، فعن أي حقوق للإنسان يتحدثون؟.
الحديث عن أن الجنوب الليبي مليء بالدواعش، يوحي بأن الأمر وليد اللحظة، والحقيقة أن هؤلاء (المجرمون) دخلوا ضمن حملة الناتو على البلد(2011)، وكانت احدى أدواته لإسقاط النظام ومن ثم تدمير البلد، فالعالم يدرك تماماً أن النظام السابق كان يحارب الإرهاب بدول الجوار ولم تكن ليبيا يوماً ممراً او مقراً للدواعش، الامر لا يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والعناء لمعرفة الاسباب التي جعلت الغرب ومن والاهم من العرب فعل ذلك، انهم ارادوا اسقاط النظام وتدمير مقدرات البلد،وتنصيب ازلامهم الذين تربّوا في احضانهم وقد كان لهم ذلك،فالأمور تسير من سيء الى اسوأ في كافة مناحي الحياة، اما عن حقوق الانسان فإنها لا تكاد توجد.
الملفت للنظر ان المندوب السامي لدى ليبيا غسان سلامه الذي كان في غرفة الانعاش على وشك ان تسحب منه الوصلات الحياتية،يبدو انه اخذ جرعة منشطة فالقى سلسلة من التهديدات بحق المتقاتلين وبان المرتكبين (الجدد)لجرائم القتل سيقدمون الى المحاكمة الدولية!،لكنه لم يخبرنا عن مصير المجرمين السابقين (بعضهم لا يزال يعمل في نفس المجال)، وإن تراخي المجتمع الدولي وغض طرفه عن اولئك هو الذي أدى إلى ظهور جيل جديد من المجرمين في أكبر عملية تفريخ،كما أنه سعى كعادته إلى بث الكثير من التطمينات للجمهور العريض المتأذي الذي فقد ثقته بالهيئة الأممية وكل مندوبيها حيث اتضح أنهم يعملون لصالح انفسهم وكتابة بضعة اسطر في سيرهم الذاتية ولكنها وللأسف بدماء الأبرياء التي ستظل تطوق اعناقهم مدى حياتهم،السيد سلامة يعتبر نفسه الحاكم الفعلي لليبيا بينما هو وللأسف مجرد بيدق جيء به كونه يتحدث لغة الضاد ليكون عينا لأسياده الذين نصبوه لا عوناً للشعب في تجاوز أزماته المتفاقمة.
إن ما دار مؤخراً بمجلس الأمن لا يعبر عن صحوة ضمير للدول الكبرى كما يعتقد البعض، فهؤلاء لا ضمير انساني لهم بل يتلذذون بمآسي الشعوب،وإنما هي عملية تدوير زوايا (تكتيك جديد-ارتقاء في الأسلوب) للإبقاء على عملاء الغرب وفي مقدمته مجلس الوصاية والمليشيات التي تقاسمه المنفعة والمصالح المشتركة،فالوقت لم يحن بعد للتخلي عن هؤلاء،والى ان يحين ذاك الوقت (ما لم تحدث استفاقة شعبية ترمي بكل هؤلاء العملاء على قارعة الطريق) تظل حالة عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي هي السائدة. ويظل الأمل في التغيير نحو الأفضل لا يرقى اليه أي شك.