ضياع استراتيجي هو الذي تعاني منه واشنطن في سياستها تجاه سورية خاصة والمنطقة عموماً، فالتطورات المستجدة على صعيد الحرب المفروضة على سورية خاصة بعد قمة هلسنكي، تشي بأن واشنطن لا تزال تسعى إلى إعادة خلط الأوراق السياسية والميدانية، و ذلك ضمن الحد الأدنى لجهة ما تملكه من أوراق ميدانية في الجغرافية السورية /داعش و الأكراد/، فالمعطيات والوقائع التي فرضتها الدولة السورية وجيشها لم تسحب البساط من تحت واشنطن فحسب، بل قوضت أي توجه أمريكي للعبث بمفاعيل الانتصار السوري، لذلك تأتي محاولات واشنطن في إطار تأخير الحل السياسي في سورية من جهة، ومنع روسيا من تحقيق أي تقدم يساهم في ترجمة الانتصار العسكري واقعاً سياسياً من جهةٍ أخرى، و عليه يتضح أن ترامب لن يقبل بحل سوري وسيحاول منع الدولة السورية من تأخير إحكام سيطرتها على ما تبقى من مناطق خاضعة لسيطرة الفصائل الإرهابية، و في جانب أخر يحاول ترامب ورغم التسليم بأن روسيا باتت تسيطر على مفاصل الحل السياسي في سورية، إلا أنه لا ضَير من تأخير أي حلول مستقبلية برعاية روسية لأنها ستكون تمهيداً لنفوذً روسياً يقاسم واشنطن الشراكات الاستراتيجية في المنطقة.
/ واشنطن لن تتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء /
صدمات كثيرة تعرضت لها واشنطن في سورية، نستذكر منها تصريحات الإدارة الأمريكية السابقة والحالية حول حتمية سقوط الدولة السورية بعد مسرحيات الربيع الأمريكي، و التي دفعت ترامب وسلفه إلى الاعتقاد بأنهم في موقع الإملاء على الدولة السورية، حينها كان طلبهم الوحيد والغير قابل للتفاوض تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، تمهيداً لتسلم الإخوان المسلمين بيادق واشنطن في الشرق الأوسط الدولة السورية ومؤسساتها، لكن الذكاء الاستراتيجي الذي يتميز به الرئيس الأسد وقيادته لسير المعارك السياسية والميدانية، جعل من واشنطن تتجرع كأس الهزيمة عبر كسر خططها والقضاء على إرهابها، يضاف إلى ذلك دخول روسيا بقوة في تفاصيل الحرب المفروضة على سورية، فكانت مواقفهم تتصاعد بشكل تدريجي من دعم سياسي ودبلوماسي إلى عسكري تسليحي، حتى جاءت اللحظة التاريخية التي لم يكن يتوقعها الأمريكي، حيث أعلن الرئيس بوتين بأنه وبطلب من الحكومة السورية، قرر دخول القوات الجوية الفضائية الروسية إلى سورية لتدافع إلى جانب الجيش السوري عن الدولة السورية والشعب السوري ضد الحرب الإرهابية المدعومة من قبل أميركا وحلفائها وأدواتها في المنطقة، لتدخل الحرب على سوريا منعطفا جديدا ، حيث تمكن الجيش السوري و حلفاؤه من قلب الموازين في الحرب التي تقودها واشنطن ، لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط حسب متطلبات مصالحها في المنطقة وتنفيذاً لاستراتيجيتها العميقة في تثبيت هيمنتها على العالم ، و بذلك كانت الصدمة الكبرى لواشنطن لجهة فشل مشروعها للشرق الأوسط .
/ واشنطن ترفع الراية البيضاء في سورية /
مؤشرات عديدة تشير إلى أن واشنطن رفعت الراية البيضاء وسلمت بانتصار الدولة السورية، من بينها تحرير الجنوب السوري بالتزامن مع انهيار كامل للتنظيمات الإرهابية هناك ، و لا يظنن أحد بأن انهيار الفصائل الارهابية جاء نتيجة رفع الغطاء الأمريكي عنها، فهذا اعتقاد لا صحة له ، لأن الوقائع التي فرضتها الدولة السورية و الرسائل التي تلقفتها واشنطن كانت واضحة لجهة تصميم الدولة السورية القضاء على الارهاب الأمريكي و عدم التوقف حتى لو تم الاصطدام بالأمريكي مباشرة، و عليه كان الانتصار السوري في الجنوب ، يضاف إلى ذلك من مؤشرات ، التعاون الروسي الفرنسي في إرسال مساعدات انسانية للسوريين في مناطق متعددة، و الواضح أن الخطوة الفرنسية جاءت خارج السرب الأمريكي وقراره، بدليل رفض واشنطن و أممها المتحدة للخطوة الفرنسية.
الاسفين الأقوى و الذي تمكنت الدولة السورية من دقه في علاقة الأكراد بواشنطن ، جاء عبر زيارة مجلس سورية الديمقراطية إلى دمشق و إجراء حوار مع الحكومة السورية ، حيث أبدت قوات سورية الديمقراطية استعدادها لإعادة مناطق سيطرتها وهي مناطق سيطرة القوات الأميركية إلى الدولة السورية ، و بغض النظر عن الخطوة الكردية سواء أخذ الموافقة من الأمريكي أو من تلقاء نفسها، ففي الحالتين هو تسليم بانتصار دمشق يقابله رفع للراية البيضاء من قبل واشنطن وأدواتها.
/ خلاصة /
واشنطن لن تتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في سورية، و من المفيد أن نذكر ما صرح به الرئيس الأسد في إحدى لقاءاته التلفزيونية حين قال : /بالنسبة للأمريكي هناك مبدأ عام في أي مشكلة في العالم هناك ثمن وحيد يطلبه هو الهيمنة المطلقة، بغض النظر عن القضية والمكان، طبعا هذا الثمن لن يقدم من قبلنا وإلا لماذا نخوض كل هذه الحرب منذ سنوات، نخوضها مقابل استقلالية القرار السوري والوطن السوري ووحدة الأراضي السورية/.