يلعب الاقتصاد دوراً هاماً في بناء الدول والمجتمعات حيث يشكل قلباً للسياسة والسياسة تعتبر عقل الاقتصاد فعلاقتهما الجدلية هذه تؤثر وتنتج الاجتماع الذي يتفرع عنه الثقافة بمنتجاتها المختلفة من ادب وفن ومسرح وسلوك اجتماعي ورياضة وغيرها من النشاطات التي لا تدخل في الحياة السياسية أو الاقتصادية.
إن الغزوات والحروب التاريخية بين الامم وحالات الاستعمار المتعددة والمتنوع الذي مارسته البشرية ضد بعضها البعض كانت جذورها ومبرراتها اقتصادية، من هنا كان للفكر الاقتصادي مكانة هامة في الفكر الانساني الذي شغل الانسان منذ نشأته مما شكل وعاء للسياسة ومادته العلمية في ذات الوقت، هادفاً خلق حياة حرة كريمة لهذا الانسان.
فيما يلي تعريف للاقتصاد واستراض انواعه وانظمته والسياسات المالية والنقدية التي تحكمه ويليها استعراض للاقتصاديات الوطنية العربية، مكون الاقتصاد العربي موضع هذا البحث.
أولا : الاقتصاد كعلم ونظرية:
علم الاقتصاد فرع من العلوم الاجتماعية وتعريفاته متعددة والتعريف الشائع هو ما كتبه (ليونيل روبنز) سنة 1932 عن الاقتصاد بانه ((علم يهتم بدراسة السلوك الانساني كعلاقة بين الغايات والموارد النادرة ذات الاستعمالات المتعددة)) ويصنفه أو يقسمه إلى إقتصاد كلي أو اقتصاد جزئي أو اقتصاد ايجابي (وصفي) أو اقتصاد معياري .
اخذ الاقتصاد وصفه الحالي منذ وضع ادم سميث كتابه الشهير ثروة الامم عام 1776 حيث عرض في كتابه الاقتصاد السياسي كاحد فروع السياسة والتشريع والهدف منه تزويد الافراد بكمية كافية ومستمرة من المنتجات والعمل على جعلهم (الافراد) قادرين على توفير هذه المنتجات بشكل متواصل لاثراء الحكومات والافراد.
الاقتصاد الكلي:
يهتم الاقتصاد الكلي بدراسة الاقتصاد كاملاً ودراسة تأثير العوامل المختلفة فيه كالدخل القومي ومعدلات التشغيل (العمل)/التنظيم/مؤشر الاستهلاك/الانفاق الجاري والرأسمالي/المديونية/وتأثير السياسات المالية والنقدية فيه.
الاقتصاد الجزئي:
يبحث الاقتصاد الجزئي في نشاط الافراد والشركات وكيفية تفاعلهم مع الأسواق والقدرة على التعامل مع ندرة الموارد وانعكاس السياسات المالية والنقدية الحكومية على السوق الذي يعتمد على العرض من قبل المنتجين والطلب من قبل المستهلكين وتحليل هذه العلاقة للوصول إلى حالة من التوازن الاقتصادي للسعر والكمية والاستجابة لمتغيرات السوق عبر الزمن.
الانظمة الاقتصادية:
تبلور عبر القرون الماضية من عمر البشرية ثلاثة من الأنظمة الاقتصادية وكانت على الوجه الآتي:
1. الاقتصاد الكلاسيكي الذي تعود جذوره الى مؤسسة ادم سميث وكتابه ثروة الامم حيث حدد عوامل الانتاج في الارض، قوة العمل، رأس المال واعتبر هذه العوامل الثلاث هي التي تشكل جوهر الثروة التي تمتلكها الامة، وهو نظام يعتمد على السوق وذاتي التنظيم من حيث اشباع حاجات الافراد الاقتصادية تلقائياً ووصف سميث الية عمل السوق (باليد الخفية) التي تحث الافراد على العمل لاشباع حاجاتهم الشخصية وبالتالي تحقيق اكبر منفعة ممكنة للمجتمع ككل .
2. الاقتصاد الماركسي الذي اسسه كارل ماركس حيث نادى بضرورة القضاء على مظاهر الملكية الفردية (الخاصة بدل الفردية) من خلال ثورة الطبقة العاملة واقامتها لدولة (ديكتاتورية البروليتاريا) التي تعير من خلالها الى المجتمع الشيوعي الذي يحقق المساواة والعدل في توزيع موارد الدولة على الناس كافة والقائمة على من (كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته)
((استندت نظرية ماركس على ان الرأسمالية تحمل في طياتها بذور أزماتها، وهي تتعرض لازمات دورية ومتعاقبة. وان النتائج تصبح بدورها أسبابا، ومراحل العملية المتعاقبة تجدد شروطها الخاصة وتأخذ شكلا دوريا. وتعتبر ازمة فيض الانتاج من أخطر مراحل الدورة الاقتصادية، والتي تتميز بزيادة العرض على الطلب، والهبوط المفاجئ للأسعار، وما يتبعه من افلاسات على نطاق واسع، وارتفاع معدلات البطالة، واستنادا الى رؤيته هذه حول أسلوب الإنتاج الرأسمالي والتناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج طرح موضوع الثورة .))
3. الاقتصاد الكنزي (النظرية الكنزية) الذي اسسه جون كينز والمستند الى الاقتصاد المختلط ما بين الخاص والعام حيث يعتبر تدخل الدولة في بعض المجالات ضرورة، وكينز يعتقد أن الاقتصاد الكلي يحدد الى حد يعيد سلوك الافراد على مستوى الاقتصاد الجزئي، فهو يعتقد ان الطلب الكلي على السلع تستطيع الحكومة من خلاله محاربة الكساد والبطالة والتضخم. ((برزت الفلســفة الاقتصادية الكنزية كتطوير للرأسمالية، وشكلت انقلابا جوهريا في بعض مسلمات الفكر الاقتصادي الرأسمالي والمتمثلة في تدخل الدولة في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، متخلية عن محرمات الفكر الرأسمالي الكلاسيكي ومن ابرز خطواتها إنشاء اقتصاد مختلط من القطاعين العام والخاص وتأميم قطاعات اقتصادية رئيسية، وزيادة الإنفاق الحكومي لتخفيض معدلات البطالة، وإنشاء منظومة من التشريعات والمؤسسات في مجــال التأمينات الاجتماعية والصحية للعمال))
ويمكن تقسيم الاقتصاد الى اقتصاد دولي، واقتصاديات العمل، اقتصاديات رفاهية اقتصاديات عصبيه..... الخ
ثانياً : السياسات المالية والنقدية :
أ. السياسات المالية: إدارة الدولة لنفقاتها وفق ايراداتها التي تحددها كل عام وهي ما يعبر عنها بالموازنة حيث تحدد السياسات التي تتبعها الدولة هويتها فيما إذا كانت قادرة على خلق توازن بين الطبقات وفق الادوات المالية والادوات النقدية التي تتبعها خلال عام.
ادوات السياسات المالية:
تستند السياسات المالية الى ثلاثة ادوات هي:
1.النفقات الجارية والرأسمالية :
المبالغ التي ستقوم بصرفها الحكومة خلال عام وفق ما تحصله من ايرادات أومنح أوقروض وبما يتفق مع طموحاتها، وقدرتها على توزيع هذا الانفاق على القطاعات أو المناطق الجغرافية التي تتكون منها الدولة وعادة ما يتم الانفاق على قطاعات وفق نسب معينة من اجمالي الانفاق للتأثير في هذا القطاع إذا كا بحاجة الى ذلك وتخفيض الانفاق على قطاع (نشاط) إذا كان هناك مبالغ زائدة في السنة التي يتم فيها الانفاق فعلياً، والنفقات نوعان جارية وهي المتعلقة بالرواتب والمنافع والاثاث ومشتريات المستلزمات والعدد والادوات المتعلقة بعمل الحكومة بشكل عام واخرى رأسمالية وهي المتعلقة بالمشاريع الكبرى كالمدارس والمستشفيات والطرق والجامعات وغيرها من النفقات التي تنشئ فرصاُ للعمل والمنتجة للسلع والخدمات التي يتعذر على القطاع الخاص الاستثمار فيه وتعتبر ضرورية وحاجة ملحه للمجتمع، كالمياه وخدمات السكك والموانئ والمطارات .
2.الضرائب :
تحدد الدولة وسلطاتها خاصة التشريعية والتنفيذية منها كيفية تحصيل الضرائب من خلال التشريعات الضريبية (القوانين والأنظمة) وفيما إذا كانت هذه القوانين قادرة على تقليص الفجوة في الدخول بين المواطنين من جهة وإعادة توزيع الثروة بما يتفق مع مزيد من الاستثمار من عوائد دخول الافراد والمنشأت من جهة أخرى بحيث تستطيع السياسات الضريبية المتبعة من تحصيل حاجات الخزينة من أرباح الأغنياء سواء كانوا من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين وبنسب وفئات تصاعدية تراعي مقدرة المكلفين على الدفع من جهة وحاجات الخزينة للمال من جهة أخرى استناداً إلى مبادئ العقد الاجتماعي الذي نظم العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم والمتمثل في أن الأرض ملك للدولة ومن واجب سلطتها التنفيذية حماية من هم فوق الأرض من بشر ومشاريع اقتصادية تحقق أرباحاً وبالتالي فإن خزينة الدولة من حقها الحصول على حاجتها من المال من جهة، ومن واجبها خلق حالة من التوازن في ملكية الأفراد والمنشآت من هذه الثروة المنتجة من جهة أخرى .
3.الدين العام:
يستخدم الدين العام لتحقيق غايتين الاولى إقامة مشاريع ذات علاقة بالبنية التحتية للدولة لخلق فرص عمل وتعظيم الناتج المحلي الإجمالي للدولة والثانية لسد عجز الموازنة نظراً لزيادة النفقات عن الإيرادات خلال سنة من عمر الدولة، فالحكومة الناجحة هي التي تستخدم المديونية في الوظيفة الاولى حيث تنتج مشاريع قادرة على تلبية حاجات المجتمع من السلع والخدمات وبنفس الوقت خلق فرصاً للعمل، تلبية لحاجات طالبي العمل من مختلف الفئات.
أ.السياسات النقدية
للبنوك المركزية دوراً هاماً على صعيد العالم قي تحقيق الاسقرار الاقتصادي من خلال التدابير والاجراءات والقرارات التي تتخذها بشأن التحكم في حجم النقد المعروض للتداول في كل بلد والمحافظة على اسقرار اسعار الصرف للعملة المحلية مع العملات الاجنبية والتحكم باسعار الفوائد على الودائع والتسهيلات الممنوحة للافراد والمنشآت للحيلولة دون الدخول في حالة انكماش اقتصادي أو ارتفاع نسب التضخم، بهدف مكافحة البطالة والفقر.
هناك نوعان من السياسات النقدية :
الاولى توسعيه: تتبعها البنوك المركزية في حالات الانكماش أو الركود الاقتصادي وإجراءاتها قيام البنك المركزي بتخفيض كلفة الاقتراض (الفائدة) لتشجيع الاقتراض بهدف زيادة السيولة في السوق والتشجيع على الاستثمار مما يؤدي إلى رفع الطلب على السلع والخدمات وهذا يؤدي إلى النمو الاقتصادي.
الثانية انكماشية: تتبعها البنوك المركزية في حالة ارتفاع مستوى الاسعار (التضخم) من خلال تخفيض المعروض من النقد برفع نسبة الفائدة للحد من المعروض النقدي وخفض الطلب على السلع والخدمات، مما يؤدي إلى خفض أسعارها، والهدف الوصول الى استقرار اقتصادي.
- ادوات السياسة النقدية:
الاولى : الادوات الكمية وتتعلق بسعر الفائدة (الخصم)، مقايضة النقد الأجنبي، الاحتياطي القانوني، احتياطي السيولة وعمليات السوق المفتوح.
الثانية: الادوات النوعية كتنظيم الائتمان من خلال التحكم بسقف التسهيلات مثلاً أو توجيهها نحو قطاعات بحاجة إليها المجتمع، الانتقائية بمعنى تحديد فترة سداد للقروض الممنوحة، ووقفها في قطاعات معينة وتشجيعها في قطاعات أخرى.
ثالثا ً : التنمية المستقلة
تعرف التنمية المستقلة بأنها نتاج قرارات اقتصادية تتخذها قيادة سياسية مستقلة بخصوص موارد الدولة من خلال سياسات مالية ونقدية تهدف إلى رفع كفاءة الإنتاج الوطني بما يحقق حياة حرة كريمة للمواطنين
للتنمية المستقلة محددان:
الأول: الإمكانيات الطبيعية والبشرية والتقنية المتوفرة في الدولة
الثاني: السياسات المالية والنقدية المتبعة من قبل الحكومة والبرلمان ومدى توافقها مع طموحات مواطني الدولة .
للتنمية المستقلة ثلاث مجموعات من المؤشرات:
الاول: الامكانيات المتاحة وتشمل الموارد الطبيعية، الموقع الجغرافي، حجم السكان وتجانسهم، والتعليم.
الثاني: التأهيل ويشمل اتجاه نمو السكان والقوى العاملة، التطور في نوعية الحياة مدى العدالة في توزيع الثروة والتغيرات في هيكل الانتاج ونمط الاستهلاك والتقنية والبحث العلمي.
الثالث: الاستقلال ويشمل مؤشرات العجز في الموازنة، الميزان التجاري، الدين الخارجي، الأمن الغذائي، التبعية الصناعية، الاعتماد على المشاريع الجاهزة ورأس المال الأجنبي، مؤشر العلاقات الخارجية مع المنظمات الدولية، الأمن القومي، والاستقلال الثقافي والفكري بما في ذلك الطباعة والنشر .
وبتفاعل هذه المجموعات من المؤشرات وبتداخلها مع بعضها البعض وبتقاطعها مع عناصر الإنتاج المتمثلة في الأرض، رأس المال، العمل، التنظيم فإننا نصل فيما إذا كانت الدولة عبر مؤسساتها المختلفة وسلطاتها الثلاثة ومخرجاتها المتعلقة بالتشريعات، مستقلة في قرارها السياسي والاقتصادي وفيما إذا كانت السلطة السياسية ناتجة عن مشاركة شعبية وتعبر عن طموحات وحاجات وآمال المواطنين وتترجم توجهاتهم وتحمي حقوقهم وتوزع الثروة فيما بينهم بعدالة وضامنة للتعليم والطبابة بالإضافة إلى حرية التنقل وحرية التعبير والتنظيم والمشاركة في المسألة والمحاسبة للسلطة التنفيذية والتشريعية على أدائها بشكل عام .
رابعاً : الاقتصاديات العربية
من المفيد تقسيم الدول العربية الى قسمين دول ريعية تعتمد على عائدات النفط والغاز، وأخرى فقيرة ومتخلفة اقتصاديا، والاشارة الى عدم الاستفادة من عائدات الثروة النفطية في بناء قاعدة اقتصادية إنتاجية... واستنزاف عوائد النفط في النفقات الاستهلاكية والنفقات العسكرية ويعتبر نسبة الانفاق العسكري في هذه البلدان من اعلى بلدان العالم ... اما الدول الفقيرة فقد جرى اغراقها بالمديونية .....
تعرضت الأمة العربية في بدايات القرن الماضي وبعد الحرب العالمية الأولى على وجه التحديد إلى تحديان اثنان الأول تمثل في التجزأه الجيوسياسية حيث تنازعت عليها الدول الأوروبية المنتصرة في هذه الحرب من جهة والتي كانت تحتل بعض أجزائها قبل الحرب العالمية الأولى وخاصة الشمال الإفريقي العربي الممتد من حدود فلسطين شرقاً إلى المغرب وموريتانيا غرباً من جهة أخرى .
التحدي الثاني كان اكتشاف النفط في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي وليبيا والجزائر واستخدام هذا الاكتشاف كأداة عززت من هذه التجزأه من خلال استخدامها لتخريب أي محاولات وحدوية يقوم بها أي بلد أو أي زعيم كما حصل لعبد الناصر وصدام حسين، أو كانت وسيلة لتعزيز الدولة القطرية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث نجحت الدول النفطية في فرض شروط التبعية لها على الدول غير النفطية مستهدفة قرارها وتوجهها القومي الوحدوي ومعززة في ذات الوقت من الشخصية (الوطنية) المتناقضة مع شخصية الأمة الواحدة التي بوحدتها تستطيع أن تزيل الفروقات في التنمية والدخل لأبناء الأمة الواحدة .
إن الاقتصاديات العربية كجزء من الاقتصاد العالمي، خضعت أثناء الاحتلال إلى سلطة المحتل التي جاءت من اجل ثروات الوطن العربي وبعد عهد الاستقلالات للأقطار العربية كانت تبعية هذه الاقتصاديات لاقتصاديات الدول المستعمرة مكبلة باتفاقيات غير متكافئة من حيث التجارة الخارجية أو من خلال تلقي المعونة الفنية والمادية أو من حيث التعليم وما يشكله من استثمار بالانسان العربي لتحقيق سياسات هذه الدول .
لقد كان الفيصل الأكثر وضوحاً للتبعية، هو ما تمخضت عنه اتفاقية (بريتون وودز) التي وضعت أسس النظام الاقتصادي العالمي الجديد والذي ما زال معمول به حتى تاريخه، ((رغم اقدام إدارة الرئيس نيكسون في شهر أغسطس 1971، على فك الارتباط بين الدولار والذهب بالغاء البند المتعلق باتفاقية "بريتون وودز". بسبب مطالبة عدد من الدول الرأسمالية باستبدال الكميات الضخمة من الدولارات التي بحوزتها بذهب مما هدد بأزمة خطيرة في النظام الرأسمالي بسبب طباعة الولايات المتحدة بأوراق نقدية من الدولار اكثر من احتياطي الذهب الذي لديها، خلافاً للاتفاقية)). لقد سار هذا النظام ببطء شديد خاصة في ركنه الثالث المتعلق بمنظمة التجارة العالمية التي شكلت مع الركنين الآخرين، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير أركان هذا النظام.
لقد كان لظهور الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبح الاتحاد السوفيتي قطباً دولياً وعائقاً لتفرد الدول الغربية وخاصة أمريكا في إدارة العالم، سبباً في التأخير في اكتمال هذا النظام أي الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، حيث عقدت هذه المنظمة (12) دورة (مؤتمر) لضم البلدان العربية وبعض بلدان العالم الثالث دون نجاح إلا في دورة رقم (13) التي عقدت في (الاراجوي) حيث انضمت غالبية البلدان العربية إلى عضوية المنظمة وأصبح تحرير تجارة السلع والخدمات وحرية انتقال العمالة مُشرعاً باصدار قوانيين صادقت عليها المؤسسات التشريعية للدول العربية ((لتسهيل انسياب السلع من المراكز الرأسمالية الى البلدان النامية وتسهيل انتقال العمالة الرخيصة الى الأسواق الرأسمالية لتشكل فائضاً من القوى العاملة مما يؤدي الى مزيد من الاستغلال بالاضافة الى تهديد قطاع الصناعة والزراعة والطبقة العاملة وخاصة منها المهنيين، معمقة من تعظيم دور قطاع الخدمات على حساب قطاع الصناعة والزراعة وكما هو سائد في الاقتصاد العربي)) .
(( برزت مفاعيل الليبرالية الجديدة في البلدان العربية، بالجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية، بدءا من تحميل الفئات الشعبية أثار ونتائج ألازمات الاقتصادية، برفع الدعم عن مختلف الخدمات الأساسية من التعليم والصحة وزيادة العبء الضريبي وانتهاء بفــرض سياسة التخاصية، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية وتحرير اسواق المال، وما تعنيه هذه السياسات من نتائج مؤلمة على الفئات الشعبية. والتي أدت إلى تجويع وإفقار ملايين البشر، كما أدت إلى قتل وتشريد الملايين في الحروب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض سياساتها.))
في سنة 1995 انضم إلى المنظمة كل من البحرين/مصر/الكويت/موريتانيا/المغرب/تونس، وفي سنة 1996 انضمت قطر وفي سنة 2000 انضمت كل من الأردن/عُمان، وفي سنة 2005 انضمت السعودية واليمن، وفي سنة 2014 وبصفة مراقب انضمت السودان/الجزائر/لبنان/العراق/ليبيا.
لقد كان للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي دوراً هاماً في رسم اقتصاديات البلدان العربية من خلال التمويل والتدخل في السياسات المالية والنقدية عبر السنوات الماضية من عمر هذه البلدان وكان لمنظمة التجارة العالمية دوراً هاماً أيضاً في إضعاف الاقتصاد التحتي (الصناعة والزراعة) وتقليص حصتيهما في الناتج المحلي الإجمالي إذ عملت هذه الأدوات الثلاث على ضمانة التبعية السياسية والاقتصادية للدول العربية للغرب على وجه العموم وللولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، حيث أكد الدكتور جون بيركنز في كتابه اعترافات قاتل اقتصادي على أن الهدف من النظام الاقتصادي الجديد الذي وضعت أركانه ومنطلقاته بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبما عرف باتفاقية (بريتون وودز) هو بناء الإمبراطورية الأمريكية لضمان وقوف هذه الدول إلى جانب السياسة الأمريكية في المحافل الدولية في كافة المجالات من جهة ولفتح أبواب هذه الدول أمام الاستثمارات ورؤوس الأموال الغربية والأمريكية من جهة ثانية ولفتح أجواء هذه الدول أمام الغزو الثقافي من جهة ثالثة .
يمتاز الوطن العربي بامتلاكه موقعاً جغرافياً يربط ما بين أوروبا غرباً واسيا شرقاً ويمتلك من الثروات الطبيعية والمواقع الأثرية التي تشكل ثروة أغرت الغزاة والطامعين من استهدافه بشكل دائم ومستمر عبر التاريخ .
كان طموح الأمة العربية كبيراً وأمال أبنائها وأحلامهم واسعة في بناء دولة الوحدة التي تستطيع بما تملكه جغرافية الوطن العربي من إمكانيات أن تكون من الدول الكبرى في الملعب الدولي وان تحقق بناءً اقتصادياً قادراً على تلبية حاجات الوطن العربي من مسكن وملبس وتعليم وصحة ونقل ورفاه يضاهي ما وصلت إليه الدول الأخرى دولة مدنية تستند إلى حكم المؤسسة والقانون الضامنان الحقيقيان للحرية السياسية وللعدالة الاجتماعية التي تحافظ فيها على المساواة والأمن والحقوق والواجبات لكل أبنائها .
تعرض الوطن العربي إلى كثير من الغزوات والاحتلال وكان آخرها الحكم العثماني الذي زاد عن أربعمائة عام، وبعد أن هرمت الدولة العثمانية وانهزمت في معارك متعددة كان الاحتلال الغربي في المرصاد حيث تقاسم ورثة الدولة فاحتل أجزاء منها في شمال إفريقيا وأكمل على الأجزاء الأخرى بعد الحرب العالمية الأولى في آسيا وقسم المقسم وولد دول وحكومات ربطها باتفاقيات غير متكافئة، جعلها تابعة له سياسياً واقتصادياً وفي كثير من الأحيان ساهم في منع تطور امتنا اجتماعياً.
في هذه الدراسة تم الاستناد إلى أهم المؤشرات المتوفرة والمعبرة عن الوضع الاقتصادي العربي في ظل المعلومات المتوفرة لدى المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات والمعلومات المتوفرة لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمؤشرات تشمل مجموعتين:
الأولى: مؤشرات الأداء الداخلي للدول العربية والمستندة إلى الناتج المحلي الإجمالي، نسبة نموه، انعكاسه على المواطن العربي، ارتباطه بعدد السكان، معدلات التضخم.
الثاني: مؤشرات الأداء الخارجي وتتضمن أداء الحسابات الجارية والموازين التجارية للسلع والخدمات والمديونية الخارجية والاحتياطات الدولية والعلاقة الرابطة بين هذه المؤشرات.
أولاً : مؤشرات الأداء الداخلي
1)النمو الاقتصادي
شهد الاقتصاد العربي خلال عام 2015 ارتفاعاً عن العام 2014 بنسبة 0.4% مع توقعات بأن يرتفع في عام 2016 إلى 3.7% إلا أنها انخفضت إلى 1.8%، لأن هذا التوقع لم يكن في محله بسبب استمرار حالة النزاعات في المنطقة العربية مصحوباً بانخفاض على أسعار النفط بالنسبة للدول النفطية التي عادة ما تساهم في رفع نسبة النمو كمتوسط لنسبة النمو لباقي الدول العربية غير النفطية، فالأردن مثلاً كان المتوقع أن ترتفع نسبة النمو سنة 2016 إلى 3.7% إلا أنها وصلت إلى 2% فقط، فرغم أن الدول العربية التي وصل النمو لديها نسبة 4% للعام 2015 ومن المتوقع أنها قد تصل إلى 4.5% في عام 2016 والى 5.2% في عام 2017 إلا أن الحال يشير إلى غير ذلك، فارتفاع الضرائب كوسيلة لسد عجز الموازنة أدى إلى حالات انكماش واسعة على كافة القطاعات الإنتاجية مما أدى إلى انخفاض الإنتاجية بشكل عام بحيث أصبحت الكميات المعروضة كبيرة وأدت بالنتيجة إلى إغلاق الكثير من الصناعات أو مراكز تقديم الخدمة مما رفع من نسبة البطالة وبالنتيجة وسع جيوب الفقر الذي أدى إلى العنف الاجتماعي الذي يعيشه الوطن العربي في أكثر من قطر .
لقد بلغت نسبة النمو العالمي لسنة 2015 ما نسبته 3.1% والمتوقع لسنة 2016 أن تصل إلى نسبة 3.6% في حيت أنها بلغت في الدول المتقدمة 2% لسنة 2015 والمتوقع لسنة 2016 أن تصل إلى نسبة 2.2% أما مجموعة الدول الناشئة والنامية حسب تصنيف البنك الدولي فقد بلغت لعام 2015 نسبة 4% والمتوقع لسنة 2016 أن تصل إلى نسبة 4.5% .
2)الناتج المحلي الإجمالي العربي
تراجع الناتج المحلي الإجمالي لـ (19) دولة عربية في عام 2015 مبلغ (363) مليار دولار الذي بلغ (2,424) مليار دولار عن العام 2011 الذي بلغ (2,787) مليون دولار مع توقع بارتفاعه لسنة 2016 بمقدار (90) مليار دولار ليبلغ (2514) مليار دولار، وخلال السنوات 2000 إلى 2011 بلغت حصة الوطن العربي من الناتج المحلي بواقع 2.8% كمتوسط في حين أنها بلغت للعام 2015 ما نسبته 3.3% مع توقع باستقرارها عن هذه النسبة لعام 2016، إلا أن حصتها من إجمالي ناتج الدول الناشئة والنامية فقد تراجعت في 2015 التي بلغت 8.3% عن معدل السنوات 2000 – 2011 التي بلغت 10.2% مع ملاحظة وجود تركز جغرافي واضح للناتج في 7 دول غالبيتها نفطية (السعودية، الإمارات، مصر، العراق، الجزائر، قطر، الكويت) حيث بلغ ناتج هذه الدول (1,925) مليار ونسبته 79% من إجمالي ناتج الوطن العربي المحلي لعام 2015.
3)عدد السكان
بلغ متوسط عدد سكان الوطن العربي للأعوام 2000 – 2011 بواقع (306) ملايين نسمة في حين ارتفع في سنة 2015 إلى (350) مليون نسمة ومتوقع أن يصبح في سنة 2016 بواقع (358) مليون نسمة حيث يتركز هذا العدد في (7) دول هي (مصر، الجزائر، العراق، السودان، المغرب، السعودية، اليمن) ويستحوذون على 84% من إجمالي عدد السكان، علماً أن عدد سكان الوطن العربي يعادل ما نسبته 5% من سكان العالم والبالغ (7,3) مليار نسمة في نهاية عام 2015.
4)دخل المواطن العربي
شهد متوسط دخل المواطن العربي للسنوات الخمس عشر الماضية نمواً في الدخل من معدل (4600) دولار للفترة 2000 – 2011 إلى (8134) دولار للسنة 2014 بسبب زيادة معدل الناتج المحلي الإجمالي عن معدل نمو السكان في حين انه تراجع في عام 2015 إلى (6924) دولار،((علما ان هذا المؤشر غير كاف للتعرف على الدخل دون استخدام مؤشر جيني في قياس عدالة توزيع الدخل القومي، وتعتمد فكرته على منحنى لورنز وبين خط المساواة والذي يكشف عن تفاوت خطير قي مستويات الدخل بين الطبقات والشرائح الاجتماعية في الوطن العربي)) لكن هناك تباين كبير بين دخل المواطنين العرب حسب دولهم ويمكن تصنيف المواطنين العرب إلى أربع مجموعات:
- ذات الدخل المرتفع جداً ومن (89) ألف دولار إلى (29) ألف دولار وتضم دول : قطر، الإمارات الكويت .
- ذات الدخل المرتفع والذين دخل مواطنيهم من (23) ألف دولار إلى (11) ألف دولار سنوياً وتضم دول: السعودية، البحرين، تونس، مصر، المغرب .
- ذات الدخل المتدني والتي يقل دخل مواطنيها عن ألفي دولار وتضم دول : السودان، جيبوتي، موريتانيا، اليمن .
5)معدل التضخم
بلغ المتوسط السنوي المرجح لمعدل التضخم في الدول العربية للسنوات 2000 – 2011 ما نسبته (4.9)% وتراجع هذا المتوسط في سنة 2015 إلى (4,5)% أما سنة 2016 فكل الدلائل تشير إلى انه سيرتفع إلى حد 5% (مما يسهم في حالة الانكماش خاصة)بسبب حالات الانكماش التي تسود اقتصاديات الدول العربية مع ارتفاع كلفة المعيشة من جهة وارتفاع معدلات الضرائب التي تجيبها الحكومات العربية من جهة ثانية وانخفاض معدلات الدخول للمواطنين في الغالبية العظمى من أقطار الوطن العربي من جهة ثالثة ومن المتوقع أن تصل نسبة التضخم في الدول المصدرة للنفط للسنوات 2016/2017 الى نسبة (6,9)% و (7,8)% أما الدول المستوردة للنفط فمتوقع أن تصل الى نسبة (9,6)% و (10,3)% وبمعدل عام بواقع (7,8)% و (8,5)% .
ويزيد المتوسط العربي للتضخم عن المعدل العالمي بشكل كبير الا انه اقل قليلاً عن معدل التضخم في الدول النامية منذ عام 2000 حتى عام 2016 مع توقعات بارتفاعه خلال عام 2017.
6)عجزالموازنة العامة
عانت موازنات غالبية الدول العربية من عجوزات مزمنة خلال العقود الماضية ففي عام 2015 حققت دولتين فقط فائضاً في موازناتيهما السنوية هما قطر والكويت وباقي الدول تراوح العجز في ميزانياتها ما بين (50) مليون دولار لموريتانيا ومبلغ (136) مليار و (34) مليون دولار للسعودية والتوقعات لسنة 2016 تشير إلى أن الكويت ستتعادل إيراداتها مع نفقاتها دون عجز وستبقى موازنات الدول العربية بعجز يتراوح ما بين (230) مليون دولار لموريتانيا والى (124) مليار و (820) مليون للسعودية، حيث وصل العجز في موازنة الدول العربية مجتمعة مبلغ (300) مليار دولار، ترجمة لتحالف قوى رأس المال في مختلف الأقطار العربية مع الطبقة السياسية الحاكمة التي أفسدت المجتمعات العربية من خلال هذا التحالف وضاعفت من النفقات على حساب الإيرادات من جهة وحولت حصيلة واردات الخزينة للدولة القطرية من دخول الطبقة الوسطى والفقيرة عبر سن قانون ضريبة المبيعات ابتداء من متصف التسعينات حيث تراجعت تحصيلات ضريبة الدخل من أرباح الأغنياء، مقابل ذلك، مما شكل فساداً في التشريع نموذجه كان إحلال ضريبة المبيعات بدلاً ضريبة الدخل!؟
كما كان للانفاق على الجوانب العسكرية والامنية الحصة الاكبر قياساً لما هو متبع في كثير من الموازنات الدول الديمقراطية وقد تصاعد ذلك خلال السنوات العشر الاخيرة وعلى حساب الانفاق على التربية، الصحة، ودعم المواد الاساسية خاصة كالقمح والسكر بالاضافة الى قطاع الطاقه والنقل والعمل و برامج البحث العلمي بشكل عام .
منوهاً الى ان كثير من الدول خاصة النفطية منها اعتمدت في ايراداتها على النفط والغاز والمواد الاولية الاستخراجية .
ثانياً : مؤشرات الأداء الخارجي
1) الحساب الجاري
كما هو الحال في عجز الموازنة فإن الحساب الجاري كان سالباً لجميع الدول العربية لسنة 2015 باستثناء الكويت والإمارات وقطر أما في عام 2016 فباستثناء الكويت والإمارات فقد ارتفع العجز إلى (143) مليار و (100) مليون دولار بعد أن كان في 2015 مبلغ (114) مليار و(500) مليون علماً أن معدل الفائض كان للفترة (2000 – 2011) بمبلغ (177) مليار بسبب تحول الفائض إلى عجز للدول النفطية الرئيسية في الخليج وخاصة السعودية وقطر اللتان تراجعتا بشكل مريع فمثلاً السعودية كان معدل الفائض لديها في الحساب الجاري للسنوات (2000 - 2011) مبلغ (65) مليار دولار في عام (2012، 2013، 2014) مبلغ (164,8) مليار دولار ، (135,4) مليار دولار، (77) مليار على التوالي أما قطر فكان معدل الفائض لديها للفترة (2000 - 2011) مبلغ (13,4) مليار دولار وفي السنوات (2012، 2013، 2014) مبلغ (62) مليار دولار (62,4) مليار دولار، (54,6) مليار دولار ليهبط في سنة 2015 إلى (9,7) مليار دولار وفي سنة 2016 متوقع أن يبلغ عجزاً بملغ (11) مليار دولار وهذا ينسحب أيضاً على الجزائر وليبيا، ترجمة لما قامت بها الإدارة السياسية للسعودية وقطر في تأجيج الصراعات في المنطقة على وجه الخصوص .
2)الميزان التجاري
بلغ حجم الصادرات العربية خلال الفترة من (2000 - 2011) مبلغ (694) مليار دولار وارتفع إلى (1512) مليار في عام 2012 وتراجع بعد ذلك للسنوات اللاحقة حيث وصل في سنة 2015 الى مبلغ (1,047) مليار دولار ومن المتوقع أن يحافظ على نفس المبلغ عام 2016 بتراجع مقداره (361) مليار عن عام 2014 منوهاً إلى أن هذه الصادرات حلها من الدول النفطية سواء كانت خليجية أو إفريقيه، وبمقارنة ذلك مع معدل التجارة العالمية نجد أن الصادرات العالمية للفترة (2000 - 2011) بلغت (13) ترليون و (890) مليار وارتفعت في عام 2015 إلى مبلغ (24) ترليون و (413) مليار وفي عام 2015 متوقع أن ترتفع إلى (25,5) ترليون وفي عام 2016 وبزيادة مقدارها (709) مليار في سنة 2015 عن عام 2014، حيث بلغت نسبة الصادرات العربية للعالمية في الفترة (2000 - 2011) بنسبة 5% وانخفضت في سنة 2015 إلى نسبة 4,3% ومن المتوقع أن تصبح في عام 2016 بحدود (4)% فقط .
بلغت قيمة الواردات العربية للفترة (2000 - 2011) مبلغ (522) مليار دولار لتقفز في 2012 إلى (1,050) مليار دولار وترتفع الى (1) ترليون و (102) مليار دولار في سنة 2015 ومتوقع ان ترتفع إلى (1) ترليون و (135) مليار دولار في عام 2016 مما يشير إلى عجز متوقع في الميزان التجاري للسنوات 2015، 2016 (متوقعه) بمبلغ (55) مليار دولار و (81) مليار دولار على التوالي وبالاتجاه المعاكس كانت الواردات في ارتفاع بلغت في سنة 2015 بنسبة (4,7)% بدلاً من (3,8)% للفترة (2000- 2011) وفي سنة 2016 بنسبة (4,6)% من النسبة العالمية للواردات وقد حافظت نسبة الواردات العربية إلى الواردات العالمية على نسبتها بواقع 4,4 % .
حيث حققت خمس دول عربية من ضمنها دول الخليج باستثناء السعودية فائضاً في ميزانها التجاري مقابل عجز في باقي الدول العربية .
3) الدين الخارجي
بلغ متوسط المديونية الخارجية للدول العربية للسنوات 2000 – 2011 مبلغ (426,2) مليار دولار وارتفع في سنة 2015 إلى (922) مليار دولار والى (974) مليار في عام 2016، هذا دون إدراج الدين الداخلي الذي يشكل عبئاً داخلياً بسبب أعباءه الداخلية ومنافسة الحكومات العربية للقطاع الخاص في حاجته للقروض لأغراض الاستثمار، وهنا من المهم التوضيح أن المديونية لها وظيفتان :
الأول: القيام بمشاريع رأسمالية لتساهم في تحقيق عوائد للخزينة من خلال المشاريع الاستثمارية المنتجة ولفتح المجال أمام العمالة والعمل بما يخفض من نسبة البطالة والفقر على حد سواء .
الثاني : لمعالجة عجز الموازنة المزمن حيث ترتفع نفقات الحكومات على الأجهزة الأمنية والعسكرية من جهة وتصاعد وتيرة الفساد عمودياً وأفقياً في الجهاز الحكومي من جهة أخرى، مما صاعد من حاجة هذه الدول إلى الاقتراض وهذا ما دفع الدول العربية على وجه العموم للحصول على القروض التي تصاعدت سنة بعد سنة، دون وجود نهج واضح لمعالجة ذلك، حيث أدت السياسات المالية والنقدية المتبعة إلى إنتاج مشاكل هيكلية في الاقتصاد العربي بعد أن أصبح القطاع الخدمي يحتل 70% من الناتج المحلي الإجمالي والصناعة والزراعة بحدود الــ 30% فقط، وهنا يكون التصحيح برفع حصة الصناعة والزراعة الى 70% والخدمات والقطاعات الاخرى الى 30% .
4) الاحتياطيات من العملات الأجنبية
تأتي الاحتياطيات من العملات الأجنبية من الصادرات السلعية والخدمية، وحوالات العاملين في الخارج والمساعدات الأجنبية، وحجمها يساعد في المحافظة على سعر العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية وخاصة منها الدولار، كما أن الدول العربية تحتاجها لأغراض الاستيراد، فالواردات السلعية بحاجة إلى تسديد بالعملة الأجنبية .
بلغ متوسط الاحتياطيات للسنوات 2000 – 2011 مبلغ (514) مليار دولار وقد قفز هذا الاحتياطي إلى (1336) مليار دولار في عام 2014 مع توقع لتراجعها إلى (1167) مليار، (1048) مليار دولار للأعوام 2015، 2016، وقد استحوذت الدول النفطية على الحصة الأكبر من هذه الاحتياطيات إذ بلغت (910,3) مليار دولار وبنسبة 87% من الاحتياطي الأجنبي للدول العربية لسنة 2016، ويعود سبب انخفاض هذا الاحتياطي إلى قيام دول الخليج العربي باستثناء عمان في الإنفاق على الحروب التي تديرها وكالة الاستخبارات الأمريكية في مختلف أقطار الوطن العربي .
ثالثاً : المساعدات والمنح
لا أضيف جديداً عندما اربط بين المساعدات والاستقلال الذي تطمح إليه امتنا، فالنظام الرسمي العربي الذي يعبر بوجه الآخر عن حالة التجزأه التي فُرضت على امتنا من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى وعززتها في الحرب العالمية الثانية وتوجتها في زرع إسفين في الجسد العربي عبر إقامة الكيان الصهيوني، فقد لعبت المساعدات الأجنبية للدول العربية سواء كانت مقدمة من الدول الغربية أو من حلفائها في الوطن العربي التي تمتلك أرصدة نقدية وإمكانيات مالية تؤهلها في تقديم هذه المساعدات في تحقيق غايات وأهداف أعداء الأمة العربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأداتها (إسرائيل) وحلفائها في العالم .
فالدكتور جون بيرنكز في كتابه اعترافات قاتل اقتصادي يؤكد على أن لا مساعده دون مقابل، وان المقابل كما يقول دائماً هو مقابل سياسي بامتياز.
ما ينشر من أرقام من قبل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو موازنات الدول أو ميزانيتها الختامية لا تعبر
عن حقيقة هذه المساعدات، فالمساعدات العينية وخاصة منها العسكرية عادة لا تظهر في هذه النشرات والتقارير
إذ أن جوهر المسألة تنبع من هذا التحالف الخارجي مع التحالف الداخلي (الطبقة السياسية ورأس المال) اللذين بهذا التحالف مازالوا يحولوا دون تطور مجتمعاتنا ويمنعوا عليها حقها في حياة سياسية واقتصادية واجتماعية مستقلة فالمساعدات الغربية للدول العربية والتي استثمرتها الأنظمة الرسمية العربية في تعزيز منظومتها الاستبدادية ساهمت في هجرة الشباب العربي إلى خارج وطنه أو دفعته بالالتحاق بالقوى المتطرفة التي ساهمت في تكوين بيئتها أجهزة المخابرات الغربية وعلى رأسها الأمريكية أو بقيت في أوطننا وهي تحمل في داخلها الغضب والسخط مما آلت إليها أوضاع امتنا من بطالة وفقر وتخلف، حيث الفساد والقمع لكل القوى السياسية والفعاليات الوطنية التي تحاول أن تعالج ما يمر به الوطن، مُؤسسة لطبقة مستفيدة من هذه المساعدات من خلال إدارة مشاريع هذه المساعدات التي أخذت أشكال متعددة ذات علاقة بالمهن أو النوع الاجتماعي أو مساعدات الوزارات الحكومية الخدمية كالمستشفيات، القضاء .... الخ.
تشير إحصائية البنك الدولي إلى أن صافي المساعدات المقدمة للدول العربية للأعوام 2000 وحتى 2013 مقارنة مع ما هو مقدم لدول العالم حيث بلغت هذه المساعدات خلال هذه الفترة مبلغ (201) مليار و (425) مليون دينار بحصة نسبتها (15,1)% من المساعدات المقدمة لدول العالم التي بلغت ترليون و (335) مليار و (568) مليون دولار .
بالتوقف عند الأحداث الهامة بتاريخ امتنا مثلاً احتلال العراق، فإننا نجد أن المساعدات في سنة 2003 بواقع (2,288) مليون دولار للعراق وبمبلغ (1,326) مليون دولار للأردن بينما كانت بمبلغ (113) مليون دولار و (563) مليون دولار للسنة 2002 لكل من العراق والأردن وكانت لهما بواقع (123) مليون دولار و (449) مليون دولار لسنة 2001 .
كما بلغ إجمالي المساعدات المقدمة للدول العربية في سنة 2000 مبلغ (5044) مليون دولار وأصبحت في سنة 2013 مبلغ (21,939) مليون دولار أ أما السنة التي بلغت المساعدات فيها مبلغاُ كبيراً فكانت في سنة 2005 حيث بلغت المساعدات المقدمة للدول العربية مبلغ (29253) مليون دينار اي ما نسبته (27)% من إجمالي المساعدات المقدمة لدول العالم، بعد أن استقرت بنسبة (15) % لباقي السنوات .
رابعاً : العمل والفقر
يعاني الوطن العربي من بطالة مزمنة وفقر مدقع انعكاساً للتشوهات الهيكليه التي يعاني منها الاقتصاد بشكل عام الذي اعتمد في ناتجه المحلي على قطاع الخدمات من جهة وما يستخرج من باطن الأرض من جهة أخرى، بحيث أصبحت القطاعات المنتجة لفرص العمل والمؤثرة في تعظيم الاقتصاد (الصناعة والزراعة وتطويع التكنولوجيا) الاقل وزناً في الناتج المحلي بعد أن قل اهتمام السلطة السياسية في الوطن العربي بهذا القطاع، هذه السلطة التي وجدت بتحالفها مع راس المال يفي بالغرض من حيث تحقيق أكبر عائد من العمولات ومزيد من الارباح السريعة، مما يشكل اكثر مردوداً من الخوض باستثمارات صناعية أو زراعية تحتاج الى سنوات لتحقيق العوائد المناسبة لحجم رؤوس الاموال التي تحتاجها هذه الاستثمارات .
بلغ معدل البطالة في الوطن العربي لسنة 2014 ما نسبته 17% والتي تشكل النسبة الأعلى عالمياً وهي إفراز تلقائي للانكماش الاقتصادي وضاغط حقيقي على الاقتصاد لما تمثله من طاقات مهدورة وقوى مستهلكة للإنتاج الصناعي والخدمي في ذات الوقت !؟
تعتبر البطالة في الوطن العربي ذات أبعاد مركبة ومتعددة التعقيد شأنها شأن دول العالم الثالث التي تعاني من زيادة المواليد بنسب استثنائية لدى الطبقة الفقيرة والتي حصتها من فرص العمل أقل وأضعف، متداخلاً ذلك مع تدني مستوى التعليم أو عدم مواكبة التعليم للتطورات الحديثة من حيث قدرته على الاستجابة لمتطلبات سوق العمل
(وتدني مستويات البحث العلمي).
لقد ساهمت السياسات المالية التي اتبعتها الحكومات العربية إلى تراجع الاهتمام في الزراعة بشقيه النباتي والحيواني التي تعتبر جاذبة للعمالة، ومكانتها في الناتج المحلي الإجمالي يتوجب المحافظة عليها بان لا تقل عن 20% منه وخلافاً لذلك تراجعت في كثير من الدول العربية إلى حدود متدنية لا تتجاوز الـ 3% باستثناء بعض الأقطار العربية كسوريا ومصر والمغرب وتونس، أما الصناعة فرغم الاستثمارات الأجنبية والعربية التي حاولت اللحاق بركب الدول الغربية، أو محاكاة دول شرق آسيا الا أنها تراجعت حصتها في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات العشرين الماضية حيث اتبع تحالف الطبقة السياسية ورأس المال سياسات مغايرة لتشجيع الصناعة والزراعة لصالح قطاع الخدمات، فاتحه أسواق الوطن العربي إلى استيراد الحاجات الأساسية من حاجاتها من هذه السلع مما حرم ملايين المواطنين العرب من العمل والوظيفة، وعزز من العجوزات في ميزان المدفوعات والميزان التجاري والرصيد الاحتياطي الأجنبي وبالنتيجة تدني نسب النمو إلى معدلات خطيرة أنتجت بيئة من السخط والحرمان وغياب العدالة بعد أن انتشر الفساد في أكثر من قطاع، مما ساهم في اتساع جيوب الفقر، وازدياد حالات العنف مع انتشار مريع للمخدرات بالإضافة إلى هجرة الشباب المتعلم الذي تعلق عليه امتنا أمالاً في تقدمها وتطورها، انعكاساً لتسلط واستبداد السلطات الحاكمة التي منعت العمل المنظم وضيقت الحريات واعتمدت التوريث في تداول السلطة وزورت الانتخابات في كل المجالات ووزعت المنح والمكافآت المالية والوظيفية على أكثر من صعيد مع التحول إلى الدولة الأمنية البوليسية في إدارتها لشؤون البلاد والعباد.
اطلقت منظمة العمل العربية العديد من المبادرات والاستراتيجيات حول قضايا التشغيل والبطالة والموارد البشرية ومنها ((العقد العربي للتشغيل 2010 – 2020 )) و ((البرنامج المتكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة)) و ((التصنيف المعياري للمهن)) و((الإستراتيجية العربية للتدريب والتعليم التقني والمهني)) فقد أصدرت المنظمة تقريراً كل سنتين هادفة منها الإحاطة بقدر الإمكان من مسألة البطالة في الوطن العربي حيث أصدرت تقاريرها سنة 2008، 2010، 2012، 2014 وفي 2016 كما اصدرت تقاريرها تحت عنوان ((دعم القدرات التنافسية لتعزيز القابلية للتشغيل)) وارتأت المنظمة أن يكون تقريرها تحت شعار ((نحو معالجة اقتصادية مستدامة)) منطلقة من القضايا التالية :
-التنافسية الاقتصادية وما يتصل بها من معرفة وتجديد وابتكار .
-ريادة الاعمال ودورها في توسيع النسيج الاقتصادي وتحديده .
-بيئة الاعمال كرافعة أساسية لاطلاق النشاط الريادي وقوى الاقتصاد عموماً .
-تنمية الموارد البشرية تعليماً وتدريبياً وصقل مهاراتها باستمرار .
-العمل العربي المشترك في قضايا التعاون العربي الاقتصادي والاجتماعي خدمة للمصالح العربية المشتركة استناداً الى قرارات القمم العربية في المجال الاقتصادي .
إن مخزون البطالة المستفحلة وطنياً وقومياً من ناحية انتظار ملايين العاطلين عن العمل فرصهم في العمل والتطور المستمر للحاجات الاقتصادية والتسارع في حاجات سوق العمل بحكم تطور أشكال الإنتاج ومتطلباته تقتضي إصلاحاً سياسياً بامتياز، فالإصلاح السياسي وتداول السلطة هو الذي يضع استراتيجيات مبتكرة لمعالجة قضايا التشغيل والتوظيف التي اصبحت مشكلتها هيكلية انعساكاً لمشاكل الاقتصاد الهيكيلية وارتفعت نسبتها بعد الغضب العربي الذي قاده الشباب العاطلون عن العمل ابتداءً من سنة 2011 حيث ارتفعت نسبتها من 14,5% الى 17% في عام 2016، وباعتبارها بطالة تراكمية ساهمت في تراكمها الأبعاد السياسية بالإضافة الى الاقتصادية لما هو متعارف عليها في الدول الأخرى مما ساهم في ارتفاع معدلات الهجرة الى جانب انتشار الجريمة نتيجة فقدان الشعور بالمواطنة والانتماء، كما أن المرأة كانت حصتها الأكبر من هذه النسبة فقد بلغت حصة النساء من حجم البطالة بحدود 41% والذكور 23% وبفارق مقداره 18% خلافاً للفروقات العالمية التي لا تزيد على 12% .
ويشخص التقرير أهم أسباب تفاقم البطالة في الوطن العربي :
1. الأبعاد السكانية من حيث النمو السكاني الذي يزيد عن المعدلات العالمية، مضافاً الى ذلك ارتفاع نسبة مشاركة المرأة والمتوقع أن يصبح بنسبة 35% عام 2020 بدلاً من 27% عام 2007.
2. الأبعاد النوعية من حيث نوعيه التعليم وعدم قدرة القطاع الخاص الذي يعاني اقتصاده من الانكماش في استيعاب إعداد الخريجين وطالبي العمل الذي لم يتجاوز 25% من عدد طالبي العمل .
3. الأبعاد التعليمية من حيث مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل ويظهر بجلاء أن الدعوات الدائمة لتطوير التعليم عبر العقود الماضية من عمر الدولة القطرية لم يعالج أو يساهم في تخفيض ارتفاع نسبة البطالة وطنياً وعربياً .
4. الأبعاد الاقتصادية إذ أدى بطء النمو الاقتصادي انعكاساً لانخفاض حجم الاستثمارات في الوطن العربي
لأسباب كثيرة ذات علاقة بالفساد واستمرار النهج السياسي السائد عربياً والأمراض المستشرية في المجتمعات العربية والإقصاء ومنع مشاركة الغالبية العظمى في صناعة القرار التشريعي والسياسي محلياً وعربياً أدى الى الانكماش الذي ساد الوطن العربي خلال السنوات العشر الأخيرة التي تخللها التحريض ودعم التطرف والتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العربية من بعضها الأخرى مما حطم من صناعات قائمة أو خفض من الإنتاج الزراعي للحقول والمنشآت الحيوانية كان لها حصة رئيسية من الناتج المحلي في بعض الأقطارالعربيه كالعراق وسوريا وتونس .
من هنا نجد أن إحلال العمالة العربية محل العمالة الأجنبية التي تستعين بها الدول الخليجية على سبيل المثال يمكن أن تعالج مشكلة البطالة العربية جزئياً، خاصة اذا استهدفت البطالة المرتفعة في الدول غير النفطية بشكل عام أما المعالجة الناجعة فهي التي تستند إلى معالجه جوهريه في هيكل الاقتصاد العربي كما أشرت في أكثر من موقع، وهذا بحاجة الى معالجة سياسية بامتياز، وهذه المعالجة لا يمكن ان يقوم بها النظام الرسمي العربي، فالشعب العربي بحاجة الى خلق أدوات حقيقية تساعده في انتزاع حقوقه السياسية التي هي وحدها الكفيلة بمعالجة مشكلة البطالة المشتقة من مشكلة الاقتصاد الهيكلية والمنتجة في المحصلة النهائية للمشكلة الاجتماعية التي يعاني منها الوطن العربي فالقضية السياسية التي يتوجب أن تفضي الى وحدة الامة التي بوحدتها تستطيع استغلال ثروتها بأوجه استثمارية تمكنها من معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد من جهة والقادرة على معالجة الفروقات في الدخول بين أبناء الامة الواحدة من جهة ثانية هي مدخلنا الصحيح لتحقيق التنمية المستقلة التي ننشد.
خامسا : التجارة والاستثمارات البينية العربية
أ. التجارة البينية :
ساهمت الصراعات التي يمر بها الوطن العربي بإدارة غربية تتزعمها أمريكا ومؤسستها الأهم وكالة الاستخبارات الأمريكية في تقليص حجم التجارة البينية العربية خاصة بعد أن انخفضت أسعار النفط التي ألحقت بالدول النفطية تراجع في إيراداتها، وساهمت في تخفيض كلف المنتجات الصناعية والخدمية للدول العربية غير النفطية وبالإضافة الى خفض العجز الدائم بالميزان التجاري، وميزان المدفوعات وعجز الموازنة بشكل عام للاعوام 2012 حتى العام 2016 .
يشير الاستبيان الذي يجريه الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية عن سير العمل بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إلى إن التجارة العربية البينية لا تزال على حالها من الضعف و أن المعوقات ما زالت على حالها دون معالجة أي منها، ومن هذه المعوقات:
1. ارتفاع تكاليف النقل:كان هذا هاجس المصدرين والمستوردين على حد سواء لما يشكله هذا العائق من أهمية في رفع كلفة السلعة المصدرة، حيث زاد من ارتفاع كلف النقل ما تعانيه الأمة العربية من صراعات في أكثر من قطر، بالإضافة إلى عدم نجاح الدول العربية في إيجاد حل جذري لوسائل النقل وخاصة البرية منها، فالتحول نحو سكك الحديد مثلاً يساعد كثيراً في تخفيض الكلف، أما النقل الجوي والنقل البحري فإن إيجاد شركات عربية للنقل البحري والجوي وحتى البري (سكك الحديد) قد يكون حلاً استراتيجياً في تخفيض هذه الكلف.
2. طول مدة العبور:تعتمد التجارة العربية في كثير من الأحيان على النقل البري (سيارات الشحن)، فبالإضافة إلى كلفة هذا الأسطول إلا أن الطرق التي تربط الدول العربية المتجاورة كثيراً ما تكون مسافاتها كبيرة بالإضافة إلى تعقيدات تتعلق بمنافذ العبور التي يتخللها التفتيش وبطء التخليص على البضائع لأسباب إدارية روتينية .
3. القيود الفنية :تضع كثير من الدول قيوداً فنية على سلع ومنتجات الدول العربية الأخرى سواء كان ذلك يتعلق بالمواصفات والمقاييس أو ما يتعلق بالاتفاقيات التي تعقدها الكثير من الدول العربية مع الدول الأجنبية التي خلقت ثقافة سالبة تجاه المنتج العربي أو حالت دون دخول السلع العربية .
4. سمات الدخول :تعاني التجارة البينية من شروط تأشيرات الدخول للتجار والصناعيين والمهنيين اللذين يحاولوا أن يقوموا بدراسة الأسواق العربية لمعرفة حاجات السوق من الصناعات والإنتاج الزراعي وإمكانية تسويق بعض المواد المستخرجة من باطن الأرض .
5. الرسوم الجمركية : حاولت بعض الدول العربية معالجة هذا العائق من خلال إطار منظم لذلك، ولكن تبقى الأسباب السياسية المتعلقة بعلاقات الدول مع بعضها البعض من جهة وعلاقاتها مع الدول الغربية التي غالباً ما تسيطر على قرارات الكثير من الدول التي ترتبط معها باتفاقيات تحول دون سلاسة انتقال السلع والخدمات والأفراد (العمالة) بشكل سلس ومريح، ووسائل ذلك الرسوم الجمركية التي تميز بين السلع العربية والسلعة الأجنبية .
بلغت قيمة التجارة البينية العربية لعام 2014 مبلغ (133,6) مليار وتستحوذ منها دول مجلس التعاون الخليجي على (61) ملياردولار وبنسبة (45,6)%، وتحتل الامارات ما نسبته (59)% من هذه التجارة، في حين أن (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا) تستحوذ على (5,7) مليار أي ما نسبته (4,2)% من الاجمالي العربي البالغ (133,6)%.
إن الصادرات والواردات البينية العربية لا تزيد في أفضل السنوات عن 10% من تجارتها الخارجية وهي بكل الأحوال خلال الخمس سنوات الماضية تراجعت ما بين 7 - 10% حتى عام 2015 ومن المتوقع أن لا تكون أفضل في سنة 2016/2017، بسبب ما تعانيه أقطار الوطن العربي من اضطرابات أمنية كان للتدخل في شؤونها، سبباً مباشراً في انخفاض التجارة البينية إلى حدود الــ (8)% فقط من تجارتها الخارجية، خاصة وأسعار النفط ما زالت في مستويات منخفضة قياساً بالسنوات العشر الماضية، رغم تعدد المبادرات الرامية إلى تعزيز التكامل العربي مثل مجلس التعاون الخليجي واتفاق منطقة التجارة العربية الكبرى والاتحاد الجمركي العربي لا يزال الوطن العربي أقل تكاملاً قياساً بالتكتلات الأخرى مثل رابطة أمم جنوب شرق آسيا، والاتحاد الإفريقي، ومنطقة السوق المشتركة لدول أمريكا اللاتينية .
ب. الاستثمارات البينية :
قامت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار باستخلاص البيانات الخاصة بالدول العربية من بيانات (أسواق الاستثمار التي أعدتها الفايننشال تايمز) حيث بلغت قيمة الاستثمارات العربية البينية خلال الفترة 2003 حتى نيسان/2016 بما يزيد عن (310) مليار دولار وبانخفاض مقداره (60) مليار دولار وبنسبته (16,2)% مقارنة مع (370) مليار دولار بنهاية نيسان من عام 2015، ويعود ذلك الانخفاض إلى تراجع الاستثمار في كل من (تونس، الجزائر، مصر، العراق، قطر) أما الدول العربية التي تصدرت الاستثمارات العربية فكانت على التوالي (مصر، السعودية، الجزائر، ليبيا، الأردن، العراق، الإمارات، البحرين، المغرب) أما الدول العربية المصدرة للاستثمارات فكانت على التوالي الإمارات بنسبة (50,4)% وبمقدار (156,3) مليار تليها البحرين وبنسبة (12,4)% وبمبلغ (38,5) مليار وحلت الكويت بالمرتبة الثالثة بمبلغ (37,1) مليار دولار وبنسبة (11,9)% ومن ثم قطر وبمبلغ (30,4) مليار وبنسبة (9,8)% وتليها السعودية بمبلغ (18,1) مليار دولار وبنسبة (5,8)% واخيراً مصر وبمبلغ (13,7) مليار وبنسبة (4,4)%.
سادساً : الخلاصة والتوصيات
إن مشكلة العرب الاقتصادية، هي مشكلة سياسية أولاً ودائماً وان معالجة ما تعاني منه الأمة من تمزق يحتاج إلى رافعة كبيرة أو روافع لا فرق، وهذه الروافع تبدأ من السياسي وتنتهي بالاجتماعي مروراً بالمهم وهو الاقتصادي فطموحات السياسي المتطابقة مع آمال الأمة هي التي يستطيع السياسي ترجمتها باقتصاد معافى قادر أن يخلق توازناً بين طبقات المجتمع المختلفة، فاحترام حرية الفرد وإبداعاته وطاقاته التي يمكن أن تكون في دولة الوحدة، والتي تصب في مصلحة المجموع، هي التي تعترف بوجود هذا الفرد، من حيث خلق الأمان المعاشي والنفسي والاجتماعي للفرد من خلال العلاقة الجدلية التي تجعل من عطاء المجموع مدخلاً لمكاسب الفرد .
حتى نصل إلى ذلك الحلم في ظل الاعتراف بالواقع المر فلا بد لنا على الصعيد العربي والوطني من العمل على :
أ. على الصعيد العربي
1. تفعيل كافة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الدول العربية سواء كانت من خلال الجامعة العربية أو كانت ثنائية لما لهذا التعاون من أهمية في معالجة التحديات التي تواجها الاقطار العربية على مختلف مفاصل الاقتصاد .
2. إحلال العمالة العربية سواء كانت ماهرة أو مهنية محل العمالة الوافدة لدى الاقطار العربية تنفيذاً للاتفاقيات الموقعة على هذا الصعيد ما بين الدول العربية من جهة وتنفيذاً لتوصيات منظمة العمل العربي التي تشارك فيها كافة حكومات الدول العربية من جهة أخرى .
3. تعظيم التعاون ما بين الجامعات العربية من خلال اتحاد الجامعات العربية للوقوف على حاجة الأسواق في الأقطار العربية من التخصصات التي تُدرسُها هذه الجامعات وبما يخدم مختلف الأقطار العربية لمعالجة ظاهرة البطالة التي تعاني منها على وجه الخصوص الدول المستوردة للنفط .
4. تشجيع البحث العلمي في الجامعات العربية للوقوف على مشاكل العرب العلمية والتقنية بالإضافة الى معالجة القصور الذي يعاني منه الوطن العربي على هذا الصعيد والذي لا يزيد ما تنفقه الجامعات العربية عن 50% مما تنفقه الجامعات في الكيان الصهيوني .
5. تفعيل اتفاقية الاتحاد الجمركي الموقعة ما بين أقطار الوطن العربي دعماً للتجارة البينية بين الدول العربية لرفعها تدريجياً من نسبتها (10)% إلى (50)% مثلاً خلال سنوات العشر القادمة .
6. السعي لحصول الدول العربية المستوردة للنفط على أسعار تفضيلية من الدول العربية المصدرة للنفط قياساً بأسعارها السائدة في السوق العالمية.
ب. على الصعيد الوطني
1. العمل الجاد عبر العمل المنظم لانتزاع الحقوق السياسية للمواطنين العرب، للحد من سلطة وتغول التحالف السياسي التقليدي مع رأس المال، هذا التحالف الذي أوغل فساداً في الاقتصاد والاجتماع من خلال سيطرته على مفاصل الدولة القطرية تشريعياً وقضائياً.
2. العمل على إحلال ضريبة الدخل بدلاً من ضريبة المبيعات تحقيقاً لأهداف ضريبة الدخل المتعلقة باعادة توزيع الثروة بين المواطنين وتخفيض الفروقات في الدخل بين الأفراد أو المؤسسات التي تفاقمت خلال السنوات العشر الماضية بحيث تجاوزت حدود المعقول وخاصة بالقطاعات المالية والبنوك على وجه الخصوص.
3. العمل على تخفيض النسب الضريبية المفروضة على مبيعات السلع والخدمات التي أدت إلى انكماش في الاقتصاديات الوطنية ورفعت من التضخم وخفضت من صادرات السلع والخدمات وحالت دون معالجة مشكلة البطالة والفقر.
4. استثمار الثروات الوطنية وخاصة منها المتعلقة بالطاقة البديلة لمعالجة كلفتها المرتفعة لدى الدولة القطرية المستوردة للطاقة ومشتقاتها من خلال إزالة القيود عن الاستثمار بالطاقة الشمسية والصخر الزيتي.
5. تشجيع الاستثمار في الصناعة التحويلية خاصة أن الدولة القطرية تمتلك خامات كثيرة يمكن خلق صناعات متعددة منها بدلاً من تصديرها كمواد خام.
المراجع والمصادر :
1) مجلة ضمان الاستثمار /المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات / 2016.
2) آفاق الاقتصاد العربي/ صندوق النقد الدولي / أيلول / 2016 .
3) التقرير الثالث والعشرون / الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلدان العربية 4) التقرير العربي الخامس / البطالة والتشغيل في الدول العربية / 2016 .
5) التقرير الاقتصادي العربي الموحد / صندوق النقد العربي / 2016 .
6) التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية / الاسكوا / 2015/2016 .
7) مناخ الاستثمار في الوطن العربي / المؤسسة العربية لضمان الاستثمار / 2016 .
8) التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي / صندوق النقد الدولي / 2016 .
9) اعترافات قاتل اقتصادي / د.جون بيركنز / أمريكا .
10) مقالات متعددة / الاستاذ فهمي الكتوت.