منذ نشأة المشروع الصهيونى واعلانه فى السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر كانت مصر فى ذلك الوقت تعانى من الاحتلال البريطانى ولذلك حجبت بريطانيا باعتبارها الراعى الاساسى للمشروع الصهيونى أى معلومات عن الحركة الوطنية المصرية التى انشغلت فى شق كبير منها وهو الحزب الوطنى الذى تشكل عام 1908 بزعامة مصطفى كامل باشا كانت الحركة الوطنية تتجه اتجاها اسلاميا نحو الدولة العثمانية وفى ذلك العام نشأ حزب الاتحاد والترقى فى تركيا الذى كان اللبنة الأولى للقضاء على الدولة العثمانية وموقفها فى فلسطين ومن الطبيعى أن أخبار الحركة الصهيونية ترامت إلى اسماع المثقفين المصريين الذين كانت تربطهم ببريطانيا العظمى علاقات وثيقة فلما ظهر كمال اتاتورك عام 1921 اعجب به أحمد شوقى وكتب قصيدة يمتدح فيها كمال اتاتورك وقال فى مقدمتها
الله أكبر كم فى الفتح من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب
وبالقطع ساء الحزب الوطنى أن تسقط الدولة العثمانية التى كان يؤمل أن تكون ندا للاستعمار البريطاني. المهم أن الحركة الصهيونية لم تكن واضحة فى مصر لدرجة أن طه حسين اعتقد أنها جمعية خيرية لليهود المضطهدين فكتب فى مجلة الرسالة عدة مقالات يحض المصريين على التبرع لها ولكن غير رأيه عندما قامت إسرائيل.
والحركة الصهيونية لم تكن واضحة فى مصر حتى أتى حكم الضباط الذين كانوا جميعا تحت الحصار فى الفلوجه فى غزة واشتركوا مع ضباط الجيش المصرى الآخرين فى صد العصابات الصهيونية عن فلسطين ولكن هؤلاء الضباط نسبو فشلهم إلى الملك فاروق الذى ضحى بعرشه فى سبيل أرائه ومعتقداته حول إسرائيل والحركة الصهيونية حيث رأى إسرائيل مهددا للامن القومى المصرى والوحيد الذى أدرك ذلك من بين الضباط هو جمال عبدالناصر ولكن للاسف ادراكه للحركة الصهيونية لم يقابله إلا الشعارات الجوفاء فتمددت الحركة الصهيونية خاصة فى عهد السادات وحصلت على مصر التى يعتبرونها الجائزة الكبرى.
والخلاصة أن مصر تخلت عن دورها فى قيادة العالم العربى وكان التركيز الصهيونى عليها معنى ذلك أن إسرائيل تخشى مصر تماما بسبب عدد سكانها المتزايد وبسبب كراهية سكانها لإسرائيل لهذا السبب أوصت إسرائيل الولايات المتحدة بالهيمنة على مصر ولكن لو خلصت الارادة المصرية لوضعت إسرائيل فى موقف صعب يكفى أن نشير إلى أنه وفقا للمصادر الإسرائيلية فإن إسرائيل أمنت جانت مصر بمعاهدة السلام والمعونة الأمريكية للجيش المصرى ولذلك أشار شارون فى مذكراته إلى أن إسرائيل لايجوز أن تركن إلى هيمنة الولايات المتحدة على مصر وجيشها وحذر من أن الجندى المصرى يدرك مخاطر المشروع الصهيونى جينيا وقد ظهر ذلك من تعليق الاعلام العبرى على سليمان خاطر ومحمد صلاح وهما نوعية عادية من جنود الجيش المصرى الذين يستفزهم صلف الجنود الإسرائيليين.
ومعنى ذلك أنه لولا هدوء الجبهة المصرية وثقة إسرائيل فيها والتى وفرت عليها 70% من ميزانيتها العسكرية للجبهة الغربية لما توحشت إسرائيل فى فلسطين ولما كثرت التصريحات التى تنذر بصدام مؤكد بين مصر وإسرائيل رغم كل المحاذير وقد يقول قائل وماذا تملك مصر من أوراق القوة ضد إسرائيل إذا كانت مكبله من الولايات المتحدة وأبسط عقوبة لخروج مصر عن الخط هو قطع المعونةالأمريكية لمصر لأنها مرتبطة بالولاء لإسرائيل وأمريكا وتحت ستار المحافظة على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل أما وأن إسرائيل انتهكت المعاهدة بإصرارها على احتلال ممر فلاديفيا حتى تحكم سيطرتها على غزة وكذلك معبر رفح الذى يتحكم فى 14 كيلو مترا هى الحدود بين غزة ومصر فإن مصر يجب أن تقدم اعلانا للولايات المتحدة والأمم المتحدة فليس طبيعيا أن تحل إسرائيل محل الفلسطينين فى منطقة الحدود بين مصر وفلسطين كما تملك مصر أوراقا قاتلة بالنسبة لإسرائيل وأبسطها سحب الاعتراف بإسرائيل حتى وأن كان يعتبر انتهاكا لالتزام مصر لاتفاقية السلام فهو انتهاك مقابل انتهاك إسرائيل للمعاهدة ويلى سحب الاعتراف اعلان حالة الحرب على إسرائيل كما فعل الملك فاروق وفى هذه الحالة لاتستطيع الولايات المتحدة أن تعتبر مصر مخالفة لاتفاقية السلام وغير ذلك كثير ولكن مصر فى تقديرى لن تتخذ أى موقف دبلوماسى وانما قد يحدث الانفجار العسكرى بين مصر وإسرائيل والأردن وكذلك لبنان وسوريا وإسرائيل هذه الجبهات الأربعة تريد إسرائيل اقامة دولة فلسطينية فيها وليس فى فلسطين وهذه الجبهات الأربعة تكره إسرائيل مهما حاولت واشنطن طمأنة هذه الدول اتجاه المشروع الصهيونى.
والحق أن هذا المشروع موجه اساسا إلى مصر وقد ظهرت بوادره المبكرة فى محادثات بيجن مع السادات فى فندق مينا هاوس سنة 1980 حين رأى بيجن الأهرامات فأدعى أن أجداده هم الذين بنوها من بنى إسرائيل وكان ذلك كذبا صراحا لأن موسى ظهر فى مصر بعد بناء الأهرامات بعدة آلاف من السنوات ولم يكن فى مصر من بنى إسرائيل أحد ذلك أن بنى إسرائيل وفدوا إلى مصر طلبا للامن الغذائى عندما اجتاحت المجاعة فلسطين قبيل قدوم يوسف عليه السلام إلى مصر. ولذلك تواطأ بنو إسرائيل مع الهكسوس ضد مصر وهذا هو السبب الحقيقى فى كراهية المصريين لبنى إسرائيل وكان فرعون وطنيا خالصا ومدركا لابعاد المؤامرة ولذلك كان يتخذ سياسة جافة اتجاه بنى إسرائيل وصفها القرآن الكريم بأنه كان يقتل أطفالهم ويستحى نساءهم وقد من الله على موسى بأن خلصه من هذا العذاب وأشار القرآن الكريم إلى أن هذا “بلاء من ربكم عظيم أى أن الله هو الذى أنزل العقاب على بنى إسرائيل بسبب تواطئهم مع اعداء مصر كما رفع عنهم هذا العذاب ولذلك فإن رسالة موسى هى الوحيدة بين الرسالات الاخرى فى أمرين: الأمر الأول بأن موسى طلب أخاه هارون مساعدا له وقد أسبغ الله عليه بوصف النبى والرسول وهو الوحيد الذى له مساعد.
والأمر الثانى هو أن القرآن الكريم وجه موسى إلى فرعون ولم يرسله لعموم المصريين ربما لأن فرعون كما يقول القرآن الكريم علا فى الأرض وأستكبروجعل اهلها شيعا وبالفعل دلت أبحاثنا فى القرآن الكريم على أن فرعون لم يكن يثق أنه اله وأنما استخدم الالوهية السياسية فقط بدليل قول الله وتوجيهه لموسى أذهب إلى فرعون أنه طغى فقل له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى.
والخلاصة
أن بنى إسرائيل وليس واضحا العلاقة بين بنى إسرائيل واليهود بعد موت موسى وأن بنى إسرائيل يريدون العودة إلى مصر ولايريدون المصريين ، تماما كالمشروع الصهيونى الذى يريد أرض فلسطين دون سكانها فليتعظ كل من له علاقة بالقرار فى مصر وهو يعلم علم اليقين أن إسرائيل صهيونية ولا تدخر وسعا فى الاساءة إلى مصر ولها سجل يملء المجلدات ولا يتسع له المقام. فمصر هى البداية والنهاية لهذه المنطقة وهى الهدف النهائى للمشروع الصهيونى وما وجودهم فى فلسطين إلا تعمية ووضع مؤقت ولكن جاءت النذر بتنفيذ المشروع فى مصر وأحذر المصريين من أن يغفلوا عن هذه الحقائق خاصة في سيناء.
الخلاصة اان مصالح مصر تةجب انحياز مصر الي فلسطين.