- الأولى
عندما يتواجه عَدُوَّان، يسجل واحد منهما انتصاره الأول على خصمه متى أرغمه على مغادرة بديهياته، وتغيير قراءته للأمور، والأهم هو إذا أرغمه على تغيير قراءته لمعنى هويته وانتمائه لوطنه، وأن شعوب الإقليم، عموماً أو شريحة كبيرة منهم، لم تغادر بديهياتها بهذا الخصوص.
- الثانية
التمسك بتعريف العدو، وتعيينه بوضوح، ومن دون تردد أو تهاون، إذ عندما تختل هذه البديهة، لا يعود للسياسة أو غيرها من معنى، إذ كيف لأمة أن تخطأ في تعريف من هو العدو بالنسبة لها، وكيف لها أن تخلق استجابة مناسبة لما يمثل تهديداً؟
لعل ذلك من أخطر ما تختلف حوله الأمم والشعوب، ويفترض بكل أمة أن تفرز فواعل أو شرائح أو قوى تتولى هذه المهمة، أي تعيين الأجندات والأولويات، وقراءة مصادر التهديد-الفرصة في العالم الذي تعيش فيه.
يأتي أمر تحديد وتعيين أو تعريف من هو العدو، في قلب معنى السياسة والحياة أو الوجود. ويفترض أن يقوم هذا مقام البداهة بالنسبة للأمم والشعوب الحية أو التي تريد أن تحظى بموقع لها بين الأمم، لا أن تكون تابعة ومخترقة ومُذَّلَة أو مُهانة.
- الثالثة
الثقة بأنك على حق، وان قوة الأعداء أو الخصوم لا تعني أنهم على حق، ولا تعطيهم أي قوامة أو سلطة حيال ما تختلفان فيه أو تتصارعان حوله. ولذلك، فإن العقوبات والحصار، وعدم الاعتراف من قِبَل بعض الدول، لا يؤثر بأي حال على الحق بما تقاوم من أجله أو تتصارعا عليه، ولا يؤثر في شرعية أن تقاوم.
- الرابعة
ضرورة الإمساك باللحظة، وتقصي الإمكان الكامن فيها، ومثلما أن اللغة أو الكلام حمَّال أوجه، فإن الواقع حمال مسارات واحتمالات، وفيه بدائل، وما يحدث لا يمكن أن يكون "نهاية التاريخ". وإن التمسك بالحقوق ليس مجرد فعل سياسي، وإنما هو إمكان سَيَّال بالمعاني والدلالات التي يمكن أن يكون لها مفاعيل سياسية أوسع وأبعد مدى.
- الخامسة
ان المقاومين، كلما تقدموا خطوة في طريق تحقيق أهدافهم، كلما زاد إيمانهم بطول المسافة بينهم وبين ما يريدوه، بمعنى أن كل خطوة أهم من سابقتها، فلا يمكن الشعور بالرضا عما تم تحقيقه. وإن الزيادة في طول المسافة تتناسب طردا مع إدراكهم بعمق المسؤولية وقيمة التضحيات.
- السادسة
ان "كل الأضرار التي ألحقتها الممانعة بالعرب أقل من تلك التي كان ألحقها الخنوع. ومع اننا نعيش عصراً يهدد بالانقلاب في المقاييس فإن ما يجب التمسك به والاعتقاد الراسخ بحتميته هو ان تاريخنا، عندما سنكتبه، سيتضمن سجلاً خاصاً لمن قاوم فأخفق، واخر لمن رفع الراية البيضاء، وساعد العدو على اختراق الجبهة العربية ... الذين مانعوا وقاوموا كانوا على الدوام موطن الشرعية العربية، وليست قلة عددهم، في مرحلة ما، حجة عليهم. الاخرون زبد". (جوزيف سماحة، سلام عابر).
- السابعة
يريد الغربُ زعماءَ وسياسيين وإعلاميين ومثقفين يشاركون في لعبته هو، يوافقون على ما يريده، ويستجيبون لمصالح ذاتية تخصهم هم، لكن هذا قد يؤجل الصراع أو يخفف من قوته، لكنه لا يحله أو لا ينهيه. ولأن أولئك إذ ينظرون لأنفسهم وليس لشعوبهم، ويعتمدون في وجودهم واستمرارهم على الغرب وإسرائيل، فإنهم يبتعدون عن شعوبهم.
- الثامنة
ثمة كلام صريح أو ضمني عن "الخطيئة". يرى الإسرائيليون أن "الخطيئة الأصلية" تتمثل في أنهم لم يطردوا كل العرب من فلسطين. الصحيح هو ان "الخطيئة الأصلية" عربية، وتكمن في عدم وقوف العرب صفاً واحداً ضد المشروع الإسرائيلي والغربي، ولو أنهم فعلوا لما أمكن إقامة إسرائيل.
- التاسعة
ان الصراع مع إسرائيل غير قابل للتسوية أو الحل، ثمة ما لا يمكنه حله أو تسويته. كيف يمكن التسوية بين مشروعين متناقضين بالتمام؟ يقوم المشروع الإسرائيلي على رفض ومحو كامل للمشروع العربي. وبالمقابل لا يقوم المشروع العربي طالما إسرائيل قائمة على جزء مهم من الأرض العربية. هل يبدو الكلام غريباً أو مستعاداً من فترة سابقة؟ قد يكون كذلك، لكنه صحيح.
- العاشرة
العرب ليسوا أحراراً في الاستسلام، هم تحت ضغوط يومية، تعزز وتستولد لديهم الرفض والمقاومة. يحتاج العربي لإثبات وجوده كل لحظة، أي تراخ في ذلك يعني لإسرائيل أن مشروعها قابل للتحقيق. وقد ذكرنا أعلاه، ماذا يعني ذلك المشروع، إنه بكلمة واحدة: عدم وجود العرب في فلسطين، والاستسلام التام من قبل العرب خارج فلسطين.
- الحادية عشرة
كلما زادت قوة إسرائيل، زاد الدمار الذي تزرعه حولها، وأصبحت مكروهة أكثر. وكلما تقدمت خطوة في محاولة فرض نفسها زادت في عوامل فنائها. لا يغرّنك الكلامُ عن حلول وتسويات ومبادرات، ولا مشروعات الشرق الأوسط الكبير أو الأكبر أو الجديد، ولا اتفاقات القرن ... ولا مؤشرات الضعف والانقسام لدى العرب، ولا منطق الهزيمة القار أو شبه القار في عالمهم أو في بعض جوانبه وجهاته.
- الثانية عشرة
ان بعض التحولات لا يتخذ شكله أو لا يتظهّر إلا مع بروز أزمات وخضات كبيرة. وان ما يحدث في فلسطين يمكن أن يظهر المزيد من التناقضات داخل إسرائيل. صحيح أنه قد يستثير –إسرائيلياً- تضامناً وتماسكاً، لكن هذا لا يلبث أن يتراجع. ثمة ما لا يمكن تجاهله في الحدث، حتى في حال لم يحقق النتائج المرجوة. وثمة ما يصعب توقعه الان لجهة التأثيرات الراهنة أو متوسطة وبعيدة المدى.
مقتطفات من مقال: "بداهات الصراع مع إسرائيل"