بقلم: إبراهيم نوار
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 03-02-2024 - 363 ظل البحر الأحمر مجرد بحيرة مغلقة تقريبا تستخدم في نقل التجارة الإقليمية بين مصر وجيرانها حتى افتتاح قناة السويس عام 1869. قبل ذلك كانت التجارة البحرية بين الشرق والغرب تمر حول طريق رأس الرجاء الصالح الذي تم اكتشافه عام 1498 وازدهرت من خلاله حركة التجارة السلعية حول العالم. ومع اضطراب حركة الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر في الأشهر الأخيرة، بعد أن أعلنت حكومة أنصار الله (الحوثيون) التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء حظر مرور السفن والبضائع الإسرائيلية من خليج عدن وجنوب البحر الأحمر شمالا أو جنوبا، عاد جزء كبير من حركة النقل البحري إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح. القرار اليمني كان يمكن احتواءه دون تهديد للملاحة العالمية من خلال المفاوضات، لكن الولايات المتحدة إرضاء لإسرائيل قررت اعتبار قرار الحوثيين عدوانا على حرية الملاحة العالمية يستوجب العقاب. وينسجم هذا الموقف مع النزعة الأمريكية لعسكرة الخلافات الدولية، ومحاولة التربح من الأزمات التي تنتج عن ذلك. وفي هذا السياق دعت الولايات المتحدة دول العالم إلى تشكيل قوة عسكرية بحرية مشتركة بدعوى تأمين حرية الملاحة. ولبت الدعوة حوالي 10 دول أعلنت الانضمام للتحالف بأدوات مختلفة، ليس من بينها دولة واحدة من دول حوض البحر الأحمر، وليس من بينها دولة عربية غير مملكة البحرين. وتمارس تلك القوة حاليا نشاطا عسكريا حصريا لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، في حين تشارك الدول الأخرى اسميا بتبادل المعلومات أو إصدار بيانات التأييد لتوجيه ضربات إلى البنية العسكرية الأساسية لليمن. الموقف الأمريكي يعني عمليا تغيير الحقائق الجيوسياسية مؤقتا في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهو ما أدى إلى تداعيات اقتصادية سلبية سريعة، أهمها تحول جزء من حركة الملاحة إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وارتفاع تكلفة النقل والتأمين، والتأثير سلبا على مصدر رئيسي من محركات الدخل القومي لدول المنطقة. ومع أن التدخل العسكري الأمريكي بتوجيه ضربات صاروخية وجوية محدودة إلى قواعد ومنشآت يمنية تابعة للحوثيين في 10 من الشهر الحالي، فإن وتيرة الاعتداءات قد زادت، كما زادت أيضا درجة كثافتها النارية. ومع تصنيف الحوثي جماعة إرهابية، فإن مدى الحرب يمكن يزيد، خصوصا مع عدم وضوح معالم أي استراتيجية للخروج منها، وإعلان الحوثيين إنهم مستمرون في تهديد السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية. ومع زيادة مدى الحرب زمنيا واتساع نطاقها جغرافيا، وزيادة كثافة قوتها النارية، فإن البحر الأحمر قد يتحول إلى بحيرة تجارية مهجورة إلا من عمليات نقل إقليمية محدودة في الشمال، داخل منطقة تشمل السواحل المصرية والسعودية والأردنية، بافتراض أن هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة على ميناء إيلات وجنوب إسرائيل ستتوقف، وهو افتراض هش. وتعتبر بيانات مرور السفن من قناة السويس مؤشرا أساسيا من أجل تقييم أوضاع الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر. ومن المعروف أن القناة يمر من خلالها ما يقرب من ثلث تجارة العالم السلعية بالحاويات، وأكثر من 12 في المئة من تجارة النفط المنقولة بحرا، وحوالي 8 في المئة من تجارة الغاز المسال العالمية، وأكثر من 10 في المئة من تجارة القمح. وطبقا لبيانات هيئة قناة السويس فإن نزيف الدخل بسبب الوجود العسكري الأمريكي والحرب على اليمن قد بلغ 40 في المئة تقريبا. وبعد تحول شركات الملاحة البحرية الرئيسية عن استخدام البحر الأحمر والتوجه إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فإن الطلب على السفن زاد بنسبة 10 في المئة لتعويض الزيادة في زمن الرحلة بين آسيا وأوروبا، وزادت تكلفة استئجار الحاويات بنسبة 61 في المئة خلال الأسبوعين الماضيين، وارتفعت تكلفة التأمين على السفن العابرة للبحر الأحمر بنسبة 300 في المئة حسبما قال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس في مجلس العموم منذ أيام. ومع أن هذه الزيادات تمس فقط حوالي 4 فقط من قيمة البضائع المنقولة بحرا، فإن أثرها النهائي على أسعار السلع في المتاجر قد يكون أكبر من ذلك بكثير، وهو ما يقلق صانعي السياسات النقدية والمالية في العالم من خطر ارتفاع معدل التضخم، وإفشال جهود البنوك المركزية حول العالم لتخفيضه. وعلى العكس من الخسائر الناتجة عن ارتفاع التكلفة، فإن هناك أطرافا كثيرة تتربح من الأزمة الحالية في البحر الأحمر، منها شركات التأمين التي رفعت الرسوم على السفن والشحنات، وشركات النقل البحري التي أصبحت تستخدم طاقات إنتاجية عاطلة من سفن ومخازن وتسهيلات لوجستية كانت في حكم رأس المال الراكد بلا استخدام، فارتفع الطلب عليها مع زيادة الطلب على استئجار السفن لتعويض الفرق الزمني في طول الرحلة التجارية بين آسيا وأوروبا بسبب التحول عن البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح. ومن المتوقع أن يؤدي هذا إلى ارتفاع أرباح شركات النقل البحري وشركات التأمين في نهاية العام الحالي. مكاسب أمريكا من الحرب
لا يوجد صور مرفقة
|