ألسنا أمام السقوط السيكولوجي، وغداً السقوط الايديولوجي، "لاسرائيل" ...؟
حين يظنون أنهم يستطيعون ابادة الفلسطينيين، ومن ثم ترحيل من تبقى منهم، لأن خطيئتهم أن يكونوا شركاء في تراب هذا العالم. شركاء في هواء هذا العالم!
ذاك الغرب الذي يهتز، لا أمام الهولوكست الفلسطيني، وحيث يقتل الأطفال، وتقتل أمهاتهم، بالقنابل الأميركية الأشد فتكاً في التاريخ، وانما أمام ذلك النوع من القادة الذين يريدون اقامة "أمبراطورية يهوه" بتحويل "اسرائيل" الى حطام. هل هي اللوثة التوراتية حقاً؟
نتوقف أمام أولئك الفلسطينيين الذين وضعوا رؤوسهم تحت أحذية الحاخامات، للوشاية عن أمكنة من كرسوا حياتهم من أجل الأرض، ومن أجل أهل الأرض. لن يتركوا للتاريخ يعلّق لهم المشانق...
القادة الذين يسقطون، مع زوجاتهم ومع أطفالهم، ينتمون الى حركة "الجهاد الاسلامي". حتماً لن نسأل عن مهمة الفقهاء في هذه الساعات ـ ساعات الجمر ـ وقد مللنا مواعظهم، ومللنا دعواتهم، للمكوث على تخوم الغيب.
ولكن ألا ترفع الحركة راية الاسلام؟ في هذه الحال، أين المسلمون الذين متى لم يكونوا، وحتى قبل وفاة الرسول العربي، أعداء المسلمين، وان كنا بعيدين جداً عن الدولة الدينية بجناحيها التوتاليتاري والثيوقراطي، وحيث العودة الى ثقافة السواطير، والى ثقافة الخناجر ... هنا الكلام من زاوية انسانية فحسب. ذاك اليأس من أحوالنا، ومن هشاشتنا، في لعبة القرن (وحيث لا موطئ قدم الا للأقوياء)، يجعلنا نتساءل متى كانت هناك عدالة الهية لتكون هناك عدالة بشرية ؟
منذ عام 2000 لم تعد "اسرائيل" بالظاهرة الأسطورية في المنطقة، ليتاكد ذلك عام 2006 . فعلاً، وبكل جبروتها العسكري، وبكل تشكيلها الاسبارطي، أوهى من بيت العنكبوت. لاحظوا ذلك الجنون، الجنون الدموي، حتى في صلوات الحاخامات، وليس فقط في أداء الحاخامات. وعودوا الى التاريخ لتتبينوا أن ما يحصل مؤشر على ما قاله المنظّر الألماني الشهير كلاوزفيتز "القوة القصوى هي الوجه الآخر للهشاشة القصوى".
ما فعله اللبنانيون، وقد قهروا القوة التي لا تقهر، يفعله الفلسطينيون الآن . ماذا يستطيع الاسرائيليون القيام به أكثر مما قاموا به حتى الآن. هل كسروا الذاكرة الفلسطينية (ذاكرة النار). الفلسطينيون لا ينامون على أسرّتهم، وحتى لا ينامون في قبورهم. انهم يدفعون بيهوه الى الزاوية، وبعد حين الى الخشبة، حيث موت الخرافة، وموت الدولة ـ الخرافة!
لننظر الى غزة. منبسط من الأرض. قد لا يجد المقاتل سنبلة يختبئ في ظلها، وداخل مساحة لا تتعدى الـ 360 كيلومتراً مربعاً. بالرغم من ذلك تمكن الفلسطيني، وحتى بالصواريخ العشوائية، أن يزعزع عظام يوشع بن نون، كداعية لازالة الآخر، كما لو أن "الأغيار" (الغواييم) من صنع اله آخر، ولكوكب آخر.
يهوذا الآن هو الذي على طريق الجلجلة. "اسرائيل" في ما دعاه ريتشارد هاس "مأزق القوة". أي قانون دولي يتيح لها حصار غزة ـ غزة هاشم وحيث ضريح الجد الثاني للنبي محمد ـ لتتحول الى زنزانة يقيم فيها أكثر من مليوني فلسطيني . ألم يقل دافيد بن غوريون انه يحلم بان يستيقظ ذات يوم ليجد أن غزة، كقنبلة ديموغرافية، قد زالت من الوجود؟ الآن ترسانة صاروخية.
لن نسأل اين هي "حماس"، على الأقل حتى كتابة هذا المقال، ولن نأخذ بالشائعات التي تتحدث عن سيناريو ما لتصفية حركة "الجهاد الاسلامي" ؟
جثث الفلسطينيين لا تهز المعلقين الأميركيين، لكن بعضهم بات يتوجس من "المفترق الأخير الذي ينتظر اسرائيل"، بعدما كانت هيلاري كلينتون، ومنذ عقدين، قد حذرت تل أبيب من أن الصواريخ لا بد أن تحدث انقلاباً في المفهوم الكلاسيكي لتوازن القوى. آنذاك كاد اللوبي اليهودي يعريها حتى من ثيابها.
اللوبي اياه يعلم أن في أيدي أعداء آخرين تلك الصواريخ التي اذ تدخل الى غرفة نوم بنيامين نتنياهو، تصل الى قلنسوة ايتامار بن غفير. مثلما ظهرت، بعد لبنان، "اسرائيل" الأخرى، بعد غزة ... اسرائيل الأخيرة !!