جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

مصر - خطأ الخيارات الإستراتيجية | بقلم: حيّان نيوف
مصر - خطأ الخيارات الإستراتيجية



بقلم: حيّان نيوف  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
09-05-2023 - 216

ربما لا يحتاج المتابع لكثيرٍ من الجهد لإقناعه بخطأ الخيارات الإستراتيجية المصرية منذ إسقاط نظام الأخوان المسلمين في العام ٢٠١٣ ، في الوقت الذي كان سقوطهم في مصر علامة فارقة قلبت موازين مشروع "الربيع العربي" ، بعد أن اصطدم بالصخرة السورية التي أفقدته زخمه قبل أن تجهز عليه لاحقاً ..

وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه ضحايا "الربيع العربي" من مصر أن تعلن قيامتها من جديد وتكون سنداً لهم ، في السعي لإسقاط ذيول المشروع الخبيث ومعالجة تبعاته الكارثية ، فوجئ الجميع بتوجه مصر نحو الرعاة الحقيقيين لذاك المشروع ، باستثناء تركيا حيث ظلت مصر لسنوات عدة على علاقة متوترة معها ..

لا شكّ أن الظروف الداخلية و المحيطة بمصر لم تكن من السهولة التي تسمح لها باتخاذ مواقف حادة تعبر عن مكانتها وموقعها وتاريخها والدور المنتظر منها ، غير أن الدخول الروسي للمنطقة من البوابة السورية ، والصمود الأسطوري السوري ، و الصعود المذهل لكل من الصين و محور المقاومة ، ذلك كله كان كفيلاً بفتح نافذة استثنائية أمام مصر للتفكير بالتحرر التدريجي من المخاطر المحدقة بها ، سواء خارجيا من جهة ليبيا واثيوبيا و الكيان الصهيوني ، أو داخليا من بقايا الأخوان المسلمين والضغط الإقتصادي وارهاب سيناء ..

غير أن القيادة المصرية اختارت طريقاً آخر ، واعتمدت استراتيجية تقوم على التقرب من الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني ، و ربما كانت حسابات القيادة المصرية تقوم على قاعدة أن الدور الوظيفي لتركيا كقائدة للمشروع الأمريكي في المنطقة قد انتهى و أن الفرصة باتت مهيأة أمام مصر لتولي هذا الدور ، فتلقت مصر الدعم و التشجيع من الرعاة الغربيين وحلفائهم الإقليميين "دول الخليج و الكيان الصهيوني" لتكون بديلا عن تركيا في قيادة المشروع الأمريكي الجديد في الإقليم ، وهذا المشروع الجديد كان يرمي لتحقيق أهداف عدة : أولها تعميم التطبيع عبر اتفاقيات السلام الإبراهيمية التي سوّقت لها القيادة المصرية و لعبت دورا بارزا في انجازها لتشمل دولا عربية عدة هي "الإمارات و البحرين و المغرب و مؤخرا السودان" ، وثانيها كان تعميم التشبيك الإقتصادي والسياسي الإقليمي ليشمل اسرائيل عبر منتدى غاز شرق المتوسط ومشروع الشام الجديدة و من ثم حلف النقب ، وثالثها تعميم الليبرالية عبر التحول الحاد نحو شروط البنك الدولي و صندوق النقد الدولي .

وبما يخصّ العلاقة المصرية الخليجية ، فقد قامت السياسة المصرية على اتخاذ مواقف داعمة ومؤيدة للسياسات السعودية بشكل واضح وعلني في كل من اليمن و سورية و وضد إيران ،و بمقابل هذه المواقف حصلت على ودائع مالية خليجية محدودة المدة في البنوك المصرية وبعض المساعدات و القروض ..

وفي مقابل ذلك ، تقاعست القيادة المصرية في القضايا الهامة و المصيرية المتعلقة بالأمن الوطني المصري و الأمن القومي العربي ، وحتى المتعلق منها بالعمق الأفريقي لمصر ، سواء ما خصّ منها قضية سد النهضة ، أو الملفين السوري و اليمني ، وحتى الملف الليبي ، واكتفت بدور "الوسيط الحيادي" بما يخص القضية الفلسطينية و جلّ همّها كان التدخل لوقف المواجهة كلما وصلت صواريخ المقاومة إلى داخل الكيان الصهيوني ، وشيئا فشيئا اصبحت السياسات المصرية رهينة للدول الدائنة ..

لاحقاً لذلك تبدلت الظروف الدولية مع وصول بايدن للبيت الابيض ، وتم إعادة صياغة الإستراتيجية الأمريكية على المستوى الدولي والاقليمي ، فكانت الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع الصين ومحاولات احتوائها و كان السعي الامريكي للتهدئة في الشرق الأوسط كخيار الضرورة لضمان سلاسل توريد الطاقة والتجارة ، وبات العالم أمام انزياحات كبرى وخرائط جيوسياسية جديدة يجري رسمها من الشمال للجنوب و من الشرق للغرب ، والمشاريع الأمريكية في الإقليم باتت من مخلفات ترامب ومطلوب تبديلها أو على الأقل تجميدها ..
وأمام هذا المشهد الجديد كليا وجدت القيادة المصرية نفسها في موقف صعب للغاية ، فلا المشروع الإقليمي الذي سعت لقيادته بات صالحاً ، ولا التوازنات الجديدة المشكّلة تمكنت من الدخول بها وتثبيت موقع مؤثر فيها ، ولا مشكلاتها الوطنية و القومية تمكنت من حلها ، بل يمكن القول أن الواقع المصري بات أكثر حرجا مع ارتفاع نسبة الدين العام و قلة الموارد و زيادة المخاطر المتعلقة بأزمة سد النهضة ، وحتى العلاقة المصرية/السعودية لم تعد كما كانت عليه من قبل ، فالتحولات الكبرى الطارئة منذ اعلان بكين الثلاثي السعودي الايراني الصيني ، وما تبعه لاحقا من مصالحة سعودية/يمنية و سعودية سورية ، أسقط الحاجة للتحيز المصري للجانب السعودي و خاصة ان مصر تأخرت في فتح قنوات واقامة مصالحات مع الدول الثلاث ، وبالتالي انعدمت الحاجة السعودية للموقف المصري بزوال الأسباب الخاصة بهذه الملفات ، وعلى مستوى العلاقة مع روسيا بقي الموقف المصري ملتبسا حيث شاركت مصر في مناورات نسيم البحر الى جانب الناتو في البحر الأسود ، وجمدت صفقة طائرات عسكرية مع روسيا بضغط امريكي ، و لم تتخذ موقفا واضحا من الأزمة الاوكرانية ..

لم تستطع القيادة المصرية التمييز بين الدور الوظيفي الممنوح لها من قبل الرعاة الغربيين و الإقليميين ، وبين الزعامة الجيوسياسية التي تليق بموقع ومكانة مصر ، حالها بذلك يشبه حال تركيا التي مارست ادورا وظيفية ظنتها استراتيجية قبل أن تستيقظ متأخرةً قبل فوات الفرصة في ظل التسارع الكبير في التحولات العالمية ..
وببساطة يمكن القول أن القيادة المصرية هي الاخرى ضيعت اللحظة التاريخية والمفصلية التي كانت كفيلة بنقل مصر من الدور الوظيفي الى المكانة الجيوسياسية وتحويلها إلى قطب إقليمي وازن ومؤثر بكل الإتجاهات ...

وللإستدلال على ضعف السياسات المصرية وخطأ خياراتها يكفي أن نذكر بيانات الإدانة الشديدة اللهجة التي كانت تصدرها الخارجية المصرية بعيد كل عملية دفاع عن النفس ينفذها اليمن ضد دول العدوان ، مقابل صمت مصري مطبق على الإعتداءات الوحشية والمستمرة للكيان الصهيوني على سورية ..

ولأن الزمن لا ينتظر أحدا ، ولأن الفراغ الجيوسياسي غير مسموح به وخاصة في ظل التحولات الكبرى ، فقد وجدت السعودية أن الفرصة متاحة أمامها لاختطاف الدور على حساب كل من مصر و تركيا ، كيف لا و السعودية تملك ما تملكه من ثروات هائلة و موقع جيوسياسي هام للغاية ، فكان الإنقلاب السعودي على كل ما هو قديم في السياسة و الإقتصاد و الفكر و الدبلوماسية و البناء ، و انتهجت التطوير و التحديث والإنفتاح ، ومن ثم الإنتقال للتشبيك بكل الإتجاهات شرقا و غربا ، وما ضيعته مصر لجهة العلاقة مع الشرق و مع العمق العربي وحتى الإفريقي ، استطاعت السعودية انجازه بزمن قياسي ، و ظهر ذلك جليا في مؤتمر دافوس و في اعلان بكين الذي شكل مفاجأة كبرى قلبت الموازين الإقليمية وحتى الدولية ، وقبل ذلك خلال زيارتين لكل من الرئيس الصيني و الرئيس الامريكي للسعودية ..

وبناءا عليه وجدت الدول العظمى وعلى رأسها الصين و روسيا و الولايات المتحدة في القطب الإقليمي السعودي ، ضرورة جيوسياسية لا بد منها لتوازن المنطقة ، يقابل القطب الإقليمي الجيوسياسي الإيراني الذي فرغ من تثبيت نفسه باكرا ، ذلك أن توازنات الإقليم والعالم تحتاج إلى ثنائية قطبية إقليمية لضبط إيقاعها وفق ما تقتضيه خرائط العالم الجديد ..

قد تكون القيادة المصرية شعرت بالصدمة حيال هذا التحول ، وربما اعتبرته خذلاناً لها من قبل الرعاة الغربيين والإقليميين ، وهي التي نفذت ما أسند إليها وظيفياً طوال سنوات حتى لو كان على حساب مصالها الوطنية و القومية ، وكانت تمني النفس بما بفوق ذلك ، خاصة أنها تنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية في خطوة ظنتها كافية ، واحتضنت قمة المناخ العالمية برغبة أمريكية ، و وثّقت علاقاتها مع الكيان الصهيوني ..
وبدأت الخلافات المصرية السعودية تطفو على السطح بفعل ذلك ، ووصلت إلى وسائل الإعلام في إحدى المراحل قبل أن يتم احتواءها ..

ومرة أخرى اختارت مصر خيارا استراتيجيا خاطئا ، و بدلاً من التوجه نحو البوابة السورية بكل ما تمثله من وزن عربي ومقاوم و موقع جيوسياسي فريد ، اختارات التوجه نحو البوابة التركية و حليفتها القطرية ، في مسعى متأخر و رهان خاسر على إقامة توازن جديد يضمن لها دورا باتت تبحث عنه هنا أو هناك ، و مالذي تستطيع تركيا تقديمه لمصر وهي التي أضاعت دورها قبلها ، و تم تقليم مخالبها بمجرد ان فكرت بخوض تجربة التفرد بعد أن جرى توريطها بكل الإتجاهات ..

لم تدرك القيادة المصرية ، أنه قد تمّ احتواء العنجهية التركية إلى حد بعيد على المستوى الإقايمي و الدولي ، و بالحد الأدنى فإن توقيت التوجه نحو تركيا قبل الإنتخابات الغير معلومة النتائج هو توقيت فاشل ، خاصة أن السعودية كانت قد تمكنت من اقتناص الفرصة وتطويع تركيا قبل ذلك عبر الودائع البنكية ..

بكل تأكيد لم يرق للرعاة هذا التكتيك المصري على الرغم من قناعتهم بسذاجته ، و ليس هناك أكثر من أدوات التي يمتلكونها لإفشاله ، وربما اختاروا الورقة السودانية بكل ما تحمله من عوامل ضغط مؤثرة وكفيلة نظرا لتشعباتها و تداخلاتها بعوامل الأمن الوطني و القومي لمصر ، ديمغرافيا و جغرافيا و سياسيا و مائيا و جيوسياسيا مما لا يخفى على أحد ، ففي السودان تتداخل قضايا الامن الافريقي و امن البحر الاحمر و قضية سد النهضة و التدخل الاثيوبي ، و التداخل الحدودي مع ليبيا ، و التغلغل الصهيوني في هذا البلد المفتت عمليا ..
لا شك أن الملف السوداني كفيل بكتبيل مصر مرة اخرى وهي التي انتهجت تجاهه سياسات مترددة و غير منفصلة عن الغرب و الخليج طوال سنوات ..

 

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


مخاطر اللعب بقنبلة النزوح
بقلم: عماد مرمل

الإسرائيليّون يقتلون "إسرائيل"
بقلم: نبيه البرجي



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب حيّان نيوف |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       صحفي أمريكي: لن يتردد الغرب في إشعال حرب عالمية ثالثة للحفاظ على هيمنته//مقتل 27 إرهابياً من حركة الشباب في الصومال//هزة أرضية بقوة 5.1 درجات تضرب إندونيسيا//وزير خارجية الفلبين: نسعى لتطوير علاقات أكثر فعالية مع روسيا//       أخبار الأمة والعالم:استشهاد فلسطينيين اثنين وإصابة آخرين بعدوان للاحتلال على مخيم نور شمس بطولكرم//أرمينيا تدعو إلى إرسال بعثة أممية إلى إقليم قره باغ//مقتل جندي باكستاني خلال عملية عسكرية شمال غرب البلاد//مقاتلات روسية تستهدف مراكز قيادة أوكرانية في دونيتسك//       محكمة شعبية دولية لمحاكمة امريكا عن جرائمها // شكوى بخصوص ما ارتكبته الولايات المتحدة الامريكية والمرتبطين بها في منطقة غربي اسيا ومانتج عنها من خسائر بشرية ومادية ومعنوية للدول وشعوبها//       أخبار محلية:الرئيس الأسد والسيدة الأولى يحضران مأدبة رسمية أقامها الرئيس الصيني قبل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية//الصفدي وعبد اللهيان يبحثان عدة قضايا بينها الوضع في سورية//صباغ يلتقي غوتيريش وإيجر والحديث يدور حول الاحتياجات الإنسانية في سورية//بدء قطاف محصول القطن في محافظة الحسكة//لافروف يطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإلغاء العقوبات المفروضة على سورية//باحث روسي: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين وإقامة علاقات شراكة إستراتيجية حدث تاريخي مهم//وضع مركز اتصالات قصيبة بريف القنيطرة بالخدمة بعد إعادة تأهيله//       ليبيا: ابتلاع البحر لمدينة درنة سياحية نتيجة عاصفة//ضحايا 20000 و دمار غير مسبوق//       التعليم العالي تعلن مفاضلات القبول الجامعي وفرز طلاب السنة التحضيرية ودليل الطالب// أخبار الأمة والعالم:قوات الاحتلال تعتقل 14 فلسطينياً في الضفة الغربية وقطاع غزة//ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال في المغرب إلى 2946 شخصاً//       أخبار محلية:استشهاد عسكريين اثنين وإصابة ستة آخرين جراء عدوان إسرائيلي على ريفي طرطوس وحماة//المقداد لوزير الخارجية اللبناني: سورية ترحب بعودة جميع اللاجئين وعواقب استمرار الاحتلال التركي والأمريكي تعيق هذه العودة//وزير السياحة يفتتح منشأة للسياحة الشعبية قرب جبلة//       كونتي: السياسات الغربية لم تنجح في عزل روسيا//ثلاثة قتلى من (المارينز) إثر تحطم طائرة عسكرية أمريكية بأستراليا//اجلاء 388 شخصاً جراء الفيضانات شمال شرق الفلبين//       أخبار الأمة والعالم:الاحتلال يجدد اعتداءاته على مراكب الصيادين الفلسطينيين//       أخبار محلية:الرئيسان الأسد ولوكاشينكو يتبادلان التهاني بمناسبة الذكرى الثلاثين للعلاقات الدبلوماسية البيلاروسية السورية//ميليشيا (قسد) والاحتلال الأمريكي مستمران في تفكيك وسرقة خطوط السكك الحديدية// انطلاق أعمال المؤتمر السوري الروسي الأول للطب النفسي في دمشق//الوزير مخلوف يطلع على سير العمل بمركز استقبال طلبات الاستفادة من الصندوق الوطني لمتضرري الزلزال//       طهران: لا يمكن للأعداء عرقلة التطور المتزايد لصناعاتنا الدفاعية//الطيران الروسي يستهدف مواقع تمركز قوات نظام كييف في زابوروجيه//