بقلم: الدكتور محمد نور الدين
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 10-01-2022 - 842 لا تزال ماهيّة الأزمة التي تعيشها كازاخستان ومآلاتها، غير واضحة تماماً إلى الآن، في ظلّ التدهور السريع للأوضاع، وكثرة اللاعبين الإقليميين والدوليين، والذين قد يستغلّون الظروف الداخلية من أجل خلْق واقع جديد في إحدى أهمّ دول آسيا الوسطى وأكبرها. وإذ تتركّز الأنظار اليوم على الدورَين الروسي والأميركي، من زاوية التوتّر المتصاعد بين الجانبَين على أكثر من ساحة، تَبرز تركيا، أيضاً، في هذا المشهد، كلاعب ومتأثّر، يعتقد المراقبون والمحلّلون فيه، خصوصاً المقرّبون منهم من حزب «العدالة والتنمية»، أن ما يجري على الساحة الكازاخية يطاله مباشرة، لاسيّما بعد تأسيس «منظّمة الدول التركية»، والتي يَعتبر هؤلاء أن لا واشنطن ولا موسكو ذاتا مصلحة فيها فاجأت أحداث كازاخستان الجميع. هذا البلد الكبير بمساحته وثرواته، والذي يحتلّ مكانة استراتيجية في «لُعبة الأمم» في آسيا الوسطى، كان إلى الأمس القريب، أحد البلدان الأكثر استقراراً بين الدول التي تفرّعت من تفكّك الاتحاد السوفياتي. وقد ارتبط اسم كازاخستان باسم رئيسها السابق المطلَق الصلاحيات، نور سلطان نزارباييف، حتّى بعد استقالته، في عام 2019. تباينت القراءات لما جرى والمتسبّبين به، والمستفيدين والمتضرّرين منه. وعلى الرغم من أن الأنظار اتّجهت مباشرة إلى روسيا والولايات المتحدة، باعتبار أنّهما القوّتان الأكبر في العالم وتمرّ علاقاتهما بمرحلة من التوتّر والتشنّج، إلّا أن النظرة إلى كازاخستان من أنقرة، وخصوصاً من وسائل الإعلام الموالية لحزب «العدالة والتنمية»، تبدو مختلفة بعض الشيء، وتطرح الكثير من الأسئلة عن موقع تركيا من الحدث الكازاخي. يلفت النظرَ أوّلاً ما كتبه يوسف قبلان، ذو الميول الإسلامية، في صحيفة «يني شفق» المؤيّدة لـ«العدالة والتنمية»، إذ وصف الأحداث هناك، والتي تخلّلها تكسير تماثيل نزارباييف، بأنها «أمرٌ مخيف: بنادق توزّع على الناس بسيارات من دون لوحات. والنار تُطلَق من نوافذها على الناس في بيوتهم»، متسائلاً: «هل كانت هذه محاولة لتحريض الناس على الثورة ثمّ التحضير لانقلاب أو تدخّل خارجي؟ ولماذا اتّصلت كازاخستان بروسيا طلباً للمساعدة؟». واعتبر قبلان أن «الظاهر أن الاحتجاجات هي على رفع أسعار الوقود، لكن الحقيقة أن روسيا وضعت الأُسس للتدخّل الخارجي وغزو البلاد من جديد، ومن ثمّ تطلب إدارة كازاخستان النجدة، ليبدو الروس أنهم هم المنقذون للبلاد من الفوضى التي وقعت فيها». ويضيف أن ما رشَح، هو أن موسكو وضعت أربعة شروط لمساعدة كازاخستان، «تؤكّد الشكوكَ بأن موسكو هي التي تقف وراء الأحداث». وهذه الشروط هي: 1- اعتراف كازاخستان بضمّ شبه جزيرة القرم. 2- إعادة الاعتراف باللغة الروسية كلغة رسمية ثانية. 3- السماح لروسيا بإنشاء قواعد عسكرية جديدة في البلاد. 4- منْح الحكم الذاتي للأقلية الروسية. ورأى قبلان أن «روسيا تلعب لعبتها في آسيا الوسطى لمنْع تركيا من إعادة لمّ شمل دول العالم التركي»، قائلاً: «هذا انقلاب ضدّ تركيا». واستشهد الكاتب بما أوردته صحيفة «لوموند»، التي وصفها بـ«اليسارية»، من أن «الاضطرابات في كازاخستان مخطَّط لها لتكون ضدّ منظّمة الدول التركية»، معتبراً أن «على كازاخستان أن تطلب العون الفعلي من هذه المنظّمة، وليس من روسيا». ولفت إلى أن «منظّمة الدول التركية أعربت عن أهمية الاستقرار والسلام في كازاخستان والتضامن مع هذا البلد، العضو فيها، إلّا أنه لا سلطة لها لمتابعة ما يجري هناك، ولكن كان عليها أن تقاوِم روسيا وتحشرها في الزاوية». كذلك، اتّهم الكاتب، الولايات المتحدة، بـ«محاولة كسْر تركيا من خلال كازاخستان»؛ إذ إن «تعاظُم القوّة التركية يُشعِر الغرب بالذعر، وتأسيس منظّمة الدول التركية، أخيراً، يُعتبر أحد أهمّ المشاريع الحيوية والاستراتيجية في آخر ربع قرن، ولا سيما أن تركيا هي العقل والدماغ والقلب وراء هذا التأسيس». وتابع أن «الدول التركية تخلّصت، بعد الحرب الباردة، من الإمبريالية السوفياتية، لكن في الشكل ليس إلّا؛ فالجمهوريات التركية واقعة تحت الاحتلال الذهني لروسيا، وما على تركيا سوى محاولة إنهاء هذا الاحتلال».
لا يوجد صور مرفقة
|