لا شك ان الحديث عن الامن القومي العربي يتردد اليوم في معظم الأقطار العربية التي تشعر أن أمنها مهدّد، سواء أمنها الداخلي الوطني او أمنها القومي، وكلاهما مرتبط ببعضه البعض، فالأمن الوطني يبقى مهدداً ما دام الأمن القومي مهدداً والعكس هو الصحيح.
واعتقد أن ما من بلد يعاني من مشكلة في أمنه الداخلي إلاّ وتنعكس هذه المشكلة على الأمن القومي للأمة جمعاء ، وحين يتهدّد الأمن القومي للأمة جمعاء يتهدّد الأمن الوطني لكل قطر من أقطارها.
في هذا المجال تبرز الوحدة العربية كضامن للأمن القومي، والوحدة العربية هنا بكل مفاهيمها، سواء كانت تعاوناً أو تنسيقاً أو تشبيكاً أو تكاملاُ، فلا بد من أمن قومي عربي تحميه الوحدة العربية، وهذا ما نجده في معاهدة الدفاع العربي المشترك التي صيغت على قاعدة أن الأمن القومي العربي لا يتجزأ، وهو ينعكس على وضع كل أقطار الأمة، ويعتبر أي عدوان على أي قطر عربي هو عدوان على الأمة كلها.
ومن هنا ورغم الخروقات الواسعة التي حصلت لمعاهدة الدفاع العربي المشترك، سواء حين جرى اعتداء او احتلال لأكثر من بلد عربي، بدءا من فلسطين إلى لبنان إلى العراق إلى سورية إلى ليبيا إلى اليمن، او حتى الى مصر والسودان في أمنهما المائي القومي ، وجدنا أن هذه المعاهدة تمّ تجاهلها لأن هناك غياب للإرادة السياسية العربية. بل غياب للإرادة العربية الواحدة بحماية الأمة وبحماية كل قطر من أقطارها.
إذن لا يمكن ان يقوم أمن قومي عربي يحمي كل أقطار الأمة من خارجها ومن داخلها إلاّ من خلال علاقات عربية تضامنية ، تنسيقية ، تعاونية، تشبيكية، تكاملية، توفّر لهذه الأقطار حماية حقيقية وهو ما نصّت عليه معاهدة الدفاع العربي المشترك.
ولأن الأمن القومي العربي ليس فقط أمناً عسكرياً بل هو أمن اقتصادي وأمن مائي وأمن غذائي وأمن ثقافي وأمن تربوي وأمن اعلامي لذلك يندرج تحت متطلبات الأمن القومي جملة مستويات للعمل، ولكن كل مستوى من هذه المستويات يجدّ نفسه امام ضرورة إقامة وحدة في الموقف العربي، وحدة في الصف العربي ، وحدة في العمل العربي، وليس من قبيل الصدف ابداً ان يكون اسم معاهدة الدفاع العربي المشترك هو "معاهدة الدفاع العربي المشترك والوحدة الاقتصادية العربية" انطلاقاً من القناعة بأن الأمن القومي العربي على الصعيد العسكري مرتبط بالأمن القومي العربي على الصعيد الاقتصادي، لا بل ان الكثير من مهددات أمننا القومي دوافعها اقتصادية للسيطرة على مواردنا الطبيعية الكامنة في ارضنا العربية.
من هنا، من الصعب ان نتحدث عن أمن قومي عربي دون ان نتحدث عن وحدة عربية بمعناها الواسع والفضفاض بالحدّ الادنى ، وبالتالي فكل عمل من اجل الأمن القومي العربي لا يكون بأفق وحدوي لا يمكن ان يحقّق أهدافه ولا يمكن ان يصون أمن أقطارنا العربية، بل أمن أمتنا جمعاء .