بقلم: جامعة الأمة العربية ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 18-10-2021 - 3861 ظهر مصطلح الشرق الأوسط Middle East عام (1902) حين أطلقه الضابط البحري الأميركي الجنسية البريطاني الأصل «الفرد ماهان» صاحب نظرية: أثر القوة البحرية في التاريخ، وقصد فيه كما يقال: «إعادة صياغة جديدة للوطن العربي تفقده وحدته السياسية والبشرية وتفتيت هويته القومية من خلال إدخال بعض دول الجوار الجغرافي في قلب هذا المصطلح». أما الشرق أوسطية كمقولة استعمارية استيطانية استبدالية لحقائق التاريخ، فإنها تستهدف هويّة المنطقة العربية وعروبة فلسطين، وتدعو لربط الدول العربية في عجلة التسويات الإمبريالية المعاصرة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد طرحها مجدداً شمعون بيريز في كتابه الذي يحمل اسم «الشرق الأوسط الجديد» الذي نشره عام (1993) لتكون المولود «القيصري» لمشروع النظام العالمي الجديد، من خلال اعتبار الكيان الصهيوني إحدى الأدوات الفاعلة، وتهيئة الأجواء، دولياً، وعربياً، لإقامة حلف استراتيجي، وقاعدة انطلاق أساسية للعولمة الأمريكية في مواجهة الاحتمالية المتوقعة في أوربا وآسيا وإفريقيا من متغيرات طارئة تخرج عن حدود السيطرة الأمريكية. ويعود هذا المفهوم الجديد القديم إلى أحلام: «تيودور هرتزل» التي تمخضت عن مؤتمر بال (1897) بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ومباركة شاملة من الاستعمار القديم(فرنسا، بريطانيا) والمتجلية في مؤتمر «كامبل بنرمان» عام (1905ـ 1907)، وسايكس بيكو (1916)، ووعـد بلفـور (1917)، مروراً بالإمبريالية الأمريكية في عهد إدارة ترومان (سد الفراغ) وإقامة حاجز بشري يكون رادعاً استراتيجياً لأية وحدة عربية، وإبقاء المنطقة في واقع التخلف، وقاعدة أساسية من قواعد الإمبريالية المتقدمة. وقد اتخذ هذا المفهوم بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية وحرب الخليج الثانية (1990) على وجه التحديد مجالاً حيوياً لإحيائه والعمل الميداني في آلية تنفيذه، وقد سبق أنْ قُدمت مجموعة من الأفكار للكونغرس الأمريكي تحت عنوان (التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط) قائمة على أساس إدخال الكيان الصهيوني في المجال الحيوي للسياسة الشرق أوسطية، وتهيئة الأجواء للاعتراف العربي الشامل به كجزء لا يتجزأ من تراث المنطقة، من خلال تطوير قنوات التعاون في مجالات العلوم التقنية، وإقامة شبكة وسائط الاتصال الحديثة والربط الإقليمي لدول المنطقة، ومن ثَمَّ إقامة مشاريع اقتصادية تنموية للاستثمار الأفضل للمياه والطاقة، وفتح أسواق استهلاكية.. وهكذا ارتبط مفهوم الشرق أوسطية في صورته الجديدة باسم «شمعون بيريز» رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، الذي يدعو إلى نسيان الماضي والحروب، ووضع حد للصراع العربي ـ الصهيوني، وبناء شرق أوسط جديد متجانس وروحيّة العولمة، ومَنْفذٍ لبرنامجها بقيادةٍ صهيونية... وثمة مرتكزات أساسية عجَّلت، في نظره، باندفاع المنطقة العربية للاندماج في مجتمع العولمة عبر بوابة النظام الإقليمي الشرق أوسطي، ويأتي في مقدمتها اتفاقيات كامب ديفيد عام (1978) باعتبارها مدخلاً جديداً للسياسة الخارجية الأمريكية في التعامل مع القضايا الساخنة، فهي خطوة متقدمة باتجاه أمركة المنطقة العربية كجزء من استراتيجية خطة أمريكية طموح في بقية المناطق الكونية. أهدافها تتضح ملامح الشرق أوسطية من خلال التعرف على أساس نشأة الفكرة، وتتلخص هذه الأهداف في النقاط الآتية: 1ـ تذويب الهوية العربية وإضعاف النظام العربي تمهيداً لإلغائه في نظام الشرق أوسطية. 2ـ تحديد إطار مرجعي للتعاون يكون (شرق أوسطياً) مرناً ومفتوحاً يقوم أساساً على المعيار الاختصاصي والمصلحي وليس الجغرافي. 3ـ تحقيق جزء من الاستراتيجية الغربية الطويلة المدى، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعملية السلمية، وتَقَبُّل الشعب العربي لها. 4ـ عدم ظهور قوة إقليمية في المنطقة تكفُلُ تكَّتَلهَا على أساس عربي أو إسلامي. 5ـ إفساح المجال أمام إسرائيل للدخول إلى المنطقة اقتصادياً، أي إنها مجرد مخطط لإدخال إسرائيل ودمجها في السوق العربية. 6ـ العمل على تجاوز الاعتبارات القومية والوطنية، وعدم الاعتداد بالانتماءات العربية في إطار العروبة والإسلام. 7ـ استخدام المنطقة كأداة رئيسة لأمريكة في صراعها القادم مع الدول الصناعية المنافسة، وهو الصراع الذي يتوقع أن يكون محور العلاقات الدولية في هذا القرن. 8ـ قيادة إسرائيل للمنطقة مدعومة أمريكياً وتمتٌّعها بتفوق عسكري يمكنها من فرض هيمنتها أمنيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً على كامل المنطقة مع التركيز على جعل إسرائيل بوابة العبور للشركات الأمريكية والأوربية من الدول العربية وإليها. 9ـ ضمان هيمنة أمريكا على جميع الممرات والمضائق البحرية في المنطقة العربية، وضمان سيطرتها على البحار المحيطة بها. 10ـ إيجاد دور مركزي لإسرائيل في تحديد صياغة الأمن الإقليمي وترتيباته، وفي أداء دور أمني بارز في الدفاع عن منابع النفط في الخليج العربي عن طريق اشتراك إسرائيل في توجيه أرصدة النفط. 11ـ تصفية التراث العقائدي السياسي والثقافي العربي القائم على رفض الأيديولوجية الصهيونية، وتغيير نمط التحالفات في المنطقة، وبروز التحالفات الثنائية بين إسرائيل والعرب. مصيرها حالاً ومآلاً بدأت مشاريع «الشرق الأوسط الجديد» بالظهور إلى حيّز الواقع والتنفيذ من خلال القمم والمؤتمرات الاقتصادية والتي تعد بمنزلة جمعيات تأسيسية للنظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، حيث وضعت أولويات للعمل الإقليمي تتقدم فيه الاعتبارات الاقتصادية على الاعتبارات السياسية. وتخلق هذه الاعتبارات الاقتصادية سلسلة من التشابكات والتفاعلات التجارية والمالية والإنتاجية والثقافية وغيرها بين الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصادات العربية. وانعقد أول مؤتمر للقمة الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقية في مدينة الدار البيضاء في المغرب في تشرين الثاني (1994) والقمة الاقتصادية الثانية في عمان في تشرين الأول (1995) ومؤتمر القاهرة الاقتصادي في تشرين الثاني (1996) ومؤتمر شرم الشيخ في آذار (1996) ومؤتمر الدوحة الاقتصادي الرابع في تشرين الثاني عام (1997) ولقاء كوبنهاغن في كانون الثاني (1997). وتعد هذه القمم والمؤتمرات تجسيداً للمشروع الشرق أوسطي الذي نظَّر له شمعون بيريز، وتمهيداً للانتقال به من مرحلة الترويج الفكري إلى مرحلة الوجود المؤسسي على أرض الواقع وذلك من خلال الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل وخططها التوسعية. والمواقف من الشرق أوسطية متباينة بين قبولها أو الترويج لها من جهة، وبين رفضها أو مقاومتها من جهة أخرى، وثمة تدرجات في هذا الموقف أو ذاك وإنْ كانت جميعها تتحسس خطورة قيام هذا النظام، وأنه لا بديل عن وجوب استراتيجية عربية شاملة في عملية استغلال الطاقات العربية كمّاً وكيفّاً، على أن يدعم هذه الاستراتيجية لتحقيق مفاعليها، الاشتغال على حيثياتها كمشروع عربي حضاري متقدم، تتوافر فيه الشروط الأيديولوجية ليتحول مسألة نضالية تلتحم معها مختلف قطاعات الشعب العربي في سياق نهجٍ يعاد فيه صوغ آليات التلاحم القومي وأشكاله، بما يضمن تأمين المصالح القومية بالدرجة الأولى. مراجع للاستزادة: ـ غازي حسين، القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة (منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1998م). ـ محمد علي حوات، مفهوم الشرق أوسطية وتأثيرها على الأمن القومي العربي (مكتبة مدبولي، القاهرة 2002م). ـ عبد الله أبو هيف، الشرق أوسطية والفكر العربي (دار المنهل، دمشق 1996م).
لا يوجد صور مرفقة
|