بقلم: سامي هابيل
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 18-10-2021 - 4209 الراديكالية radicalisme حالة فكرية سياسية، تنشد التغيير الجذري والإصلاح الشامل للواقع القائم في شتى المجالات، لفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. فهي منهج للعمل تختلف أهدافها في حدود الزمان والمكان اللذين تمارس فيهما الحركة الراديكالية نشاطها ولذلك فقد عجز روادها عن الارتقاء بها إلى الحد الذي تصبح فيه مذهباً شاملاً على الرغم من محاولات بعض المفكرين الفرنسيين، ولاسيما في القرن التاسع عشر لتقديمها كمذهب فكري سياسي شامل. وقد ظهر مصطلح الراديكالية مع بداية الفكر الأوربي الحديث الذي أسس لبناء الدولة الحديثة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وذلك حين ساد تيار الليبرالية وهيمن على تاريخ الأفكار السياسية مما دعا للقول أن الراديكالية ظهرت في أحضان الليبرالية ونما اليسار في أوساط الراديكالية. على الصعيد الفكري والفلسفي تتميز الراديكالية بأنها ذات موقف نقدي من النظريات الفلسفية والأفكار السائدة، ولذلك فقد عدت فلسفة هيجل المثالية في ألمانية راديكالية بحسبها اتخذت موقفاً نقدياً ومعارضاً للنظريات التي شكلت الفكر الأوروبي في القرن الثامن عشر. بعد وفاة هيجل اتخذ بعض أنصاره موقفاً نقدياً من بعض أفكاره، وسمي هؤلاء باليسار الهيجلي الراديكالي، أمثال شتراوس، وبرونو، ولودفيغ فيورباخ في نقد الضياع الديني، ومادية ماركس في نقد المثالية. وقد واجهت هذه الحركة الراديكالية مأزقاً نتيجة الاضطهاد والرقابة المشددة على الصحف من سلطات ألمانية مما أدى إلى تمزقها في اتجاهات مختلفة.....منها الفلسفية والعلمية والليبرالية والاشتراكية. وأفضى أحدها إلى ظهور الماركسية كفلسفة فكرية سادت منذ أوائل القرن العشرين. على الصعيد السياسي والاجتماعي تتخذ الراديكالية موقف الرفض من الواقع القائم وتعمل على تغييره من صوغ بدائل سياسية واجتماعية. وقد دخل هذا المصطلح عالم السياسة للمرة الأولى في بريطانية، من قبل تشارلز جيمس فوكس في عام 1797، إذ قاد دعوة لإصلاح النظام السياسي البريطاني تحت شعار الإصلاح الجذري وتحقيق المزيد من الديمقراطية[ر] المطالبة بحق الاقتراع الدستوري لكل المواطنين وللطبقات كافة، وأصبحت الراديكالية تطلق على كل أولئك الذين يدعمون حركة الإصلاح في البرلمان الذين أسسوا حزب العمال البريطاني بعد تحقيق إصلاحات عام 1867. وقد اتخذت الراديكالية في أوروبة منهج الإصلاح عبر التوفيق بين أهدافها في التغيير وأساليب الليبرالية القائمة على الحرية السياسية والاقتصادية وتغيير الدستور والقوانين من الأساليب البرلمانية وحق الانتخاب والاقتراع وبالوسائل الديمقراطية، ولذلك فهي ترفض التغيير بوسائل العنف المسلح والثورة الشعبية وهذا ما أدى إلى حالة افتراق بينها وبين الماركسية الثورية بقيادة لينين. وقد قامت معظم الحركات الراديكالية في أوربة بتأسيس الأحزاب الاشتراكية وفيما بعد انقسمت هذه الحركة في أوائل القرن العشرين إلى اتجاهين: 1 - راديكالي معتدل يسعى إلى الإصلاح التدريجي والسلمي كوسيلة للتغيير. 2 - راديكالي ثوري يسعى إلى الإصلاح عن طريق الثورة والعنف المسلح. أما في فرنسا فقد كانت الراديكالية ذات تأثير فاعل في الحياة السياسية الفرنسية ولاسيما بعد الثورة الفرنسية إذ كانت الراديكالية صفة لدعاة الجمهورية في وجه دعاة الإمبراطورية. وبعد عام 1869 قاد جورج كليمنصو جماعة منشقة عن الجمهوريين المعتدلين عدت نفسها الوريث الحقيقي لتقاليد الثورة الفرنسية وطرحت برنامجاً سياسياً متكاملاً يدعو إلى إصلاح اجتماعي واسع في مونمارتر 1881 والذي هيأ لاحقاً في عام 1901 لنشوء الحزب الاشتراكي الراديكالي. حاول الراديكاليون الفرنسيون أن يصوغوا من أفكارهم مذهباً شاملاً وكانت أهم المحاولات في هذا السياق ما كتبه ليون بورجوا أول رئيس للمجلس الراديكالي في فرنسا في دعوته لإنشاء مذهب راديكالي يؤسس على مفهوم التضامنية وذلك في كتابه «محاولات في فلسفة التضامن» عام 1902، إذ أشار إلى أن «الراديكالية تملك مذهباً، وتنتمي إلى فلسفة...وإن للحزب الراديكالي هدفاً يبغي تنظيم المجتمع سياسياً واجتماعياً بحسب قوانين العقل. وله منهج هو منهج الطبيعة ذاتها، ويملك أخلاقاً وفلسفة، وينطلق من حقيقة الضمير التي لا نقاش حولها ويستخلص منها المفهوم الأخلاقي والاجتماعي لكرامة الشخص الإنساني. وله مذهب سياسي هو المذهب الجمهوري، وأخيراً له مذهب اجتماعي هو المشاركة.. وفي النتيجة لا يعتقد بأن خير الأمة ممكن أن يتحقق عن طريق صراع الأفراد والطبقات». بيد أنه في الواقع اتخذت الراديكالية في فرنسا تعريفات واتجاهات مختلفة لعل أهمها: 1 - راديكالية الأب كامب: الذي يعتبر أن مناهضة الأكليروسية هي عصب الراديكالية. 2 - راديكالية الدعوة إلى اللجان الإقليمية والجمعيات الفكرية. 3 - راديكالية موالاة القنصلية (كليمنصو) فهي راديكالية سلطوية ويعقوبية (نسبة إلى حزب اليعاقبة في الثورة الفرنسية) مناهضة للاستعمار تحت شعار (الوطن في خطر). 4 - راديكالية كايو وهي سلمية وتكنوقراطية تهتم بالمردود والجدوى. 5 - راديكالية آلان وهي أحدث الاتجاهات في فرنسا (1868 ـ 1951) فالراديكالية عنده هي الرقابة الدائمة للناخب على المنتخب وللمنتخب على الوزير. والديمقراطية عنده نظام رقابة، والحزب الراديكالي الصحيح هو حزب المعارضة الحكومية، فالحرية عنده لا تسير من دون نظام، والنظام لا يساوي شيئاً بلا حرية فالمقاومة والطاعة هما فضيلتا المواطن، فبالطاعة يحقق النظام، وبالمقاومة يحقق الحريـة، وما يهدم الطاعـة هي الفوضى وما يهدم المقاومـة الطغيان والدكتاتورية[ر]. أما في المجال الاقتصادي فإن أفكاره الراديكالية محافظة للغاية إذ أشار في كتابه «الاقتصادي» إلى أن «الإنتاج بالطرق ذاتها مع التوزيع الأفضل ذلك هو علاج البؤس»، وبالتالي فهو يتمسك بالملكية الصغيرة والحرفية والفردية. وعلى الرغم من تعدد الاتجاهات الراديكالية إلا أن هناك مبادئ موحدة تشترك فيها جميعها وهي: 1 - الوفاء لذكريات الثورة الفرنسية، فالراديكالية باتجاهاتها تقدم نفسها بأنها مدرسة الثورة المحبوبة والمستمرة، وقد عبر هؤلاء الراديكاليون بأنهم أبناء اليعاقبة. 2 - العقلانية: وقد عبر عن ذلك هيريو بقوله: «نحن الراديكاليين نهجر كل عقيدة ونهتم بالمنهج بمقدار اهتمامنا بالمثل الأعلى ولا نرتضي حداً آخر لجهودنا سوى حدود العقل ذاتها ومطمحنا أن نرى السياسة تتبنى طرق عمل العلم». 3 - الدفاع عن المصالح: بما أن الراديكالية علمية فهي تفترض أن تكون واقعية وراعية لمصالح كل فرد، وجديرة بالدفاع عنها ولهذه الغاية فقد نسج الحزب الراديكالي في الجمهورية الثالثة شبكة كبيرة من أجل الدفاع عن المصالح الخاصة. في الهند اتخذت الحركة الراديكالية موقفا ًمعارضاً لمبدأ اللاعنف الذي انتهجه غاندي لمقاومة الإنكليز واعتبرت أن البريطانيين لا يمكن هزيمتهم إلا بالعنف. كذلك عارض أتباع ألكسندر هاملتون في الولايات المتحدة أنصار الثورة الفرنسية بقيادة جيفرسون تحت شعار الراديكالية غير أنها عجزت عن تأسيس حركة سياسية على غرار أوربا. إن الراديكالية بحسبها منهج إصلاح جذري ينشد التغير تبقى حالة موجودة في المجتمعات كافة لأن التطوير والتجديد حاجة اجتماعية ضرورية تتم بوساطة حركات التغيير والإصلاح التي تنهض من المجتمعات ذاتها. فالراديكالية بهذا الوصف حالة محدودة في المكان والزمان وحركتها مرهونة بالشروط الموضوعية لأسس التغيير وأهدافه في كل مجتمع. الدكتاتورية ـ الديمقراطية. مراجع للاستزادة: ـ جان توشار، تاريخ الأفكار السياسية، ترجمة ناجي الدراوشة (منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1984). ـ برتران دوجوفينيل، بدايات الدولة الحديثة، ترجمة مصطفى الصالح (وزارة الثقافة، دمشق 1984).
لا يوجد صور مرفقة
|