التوتر الروسي الأمريكي الحاصل جراء تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتعدو فقاعة أمريكية إعلامية جديدة لإستفزاز روسيا بشخص الرئيس بوتين.
الرئيس بايدن وفريقه يعون تماما وبإعترافهم ضمناً وفي مراسلاتهم وتقديراتهم السرية وشبه العلنية أحياناً أن الولايات المتحدة تحتاج إلى الوجود الروسي في حل الكثير من القضايا العالمية وخاصة ملفات الشرق الأوسط كون روسيا شاءوا أم أبوا تتواجد فيها بقوة غير معهودة سابقاً سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً وخاصة الملف السوري الذي يعتبر عقدة العقد في المنطقة والمنصة التي ستترب على أساس نتائجها التوازنات الإقليمية والدولية القادمة وهذا أمر لم يعد مخفياً على أحد، ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تنكر أهمية ومركزية الدور الروسي في حل قضايا الشرق الأوسط ،تحديداً في تسوية الملف السوري .
حقيقة روسيا أثبتت فعليا تفوقها على الساحة السياسية والدبلوماسية وحتى في المجال العسكري والتسليحي إلى حد أثار حفيظة جميع المنافسين لها وخاصة الولايات المتحدة، وجمعت حولها الكثير من الحلفاء على الرغم من قوة موقف وموقع الولايات المتحدة في كثير من ساحات المواجه ضد المصالح الروسية في العالم وقدرتها على تحريك قوى وعوامل ضاغطة وفرض عقوبات وإجبار دول أخرى على فرضها ضد روسيا مثل الإتحاد الأوروبي، لكن روسيا عادت بشكل متصاعد لأخذ دورها على الساحة العالمية في كثير من الملفات وحققت نجاحاً في تشكيل منظمات إقليمية ودولية جديدة ودعمت أخرى صاعدة وأهمها ” منظمة شنغهاي” و”بريكس” وغيرهما وهذه المنظمات باتت خلال فترة قصيرة منظمات ذات بعد جغرافي وجيوساسي هام وذات ثقل إقتصادي وحتى عسكري مقلق للولايات المتحدة ويهدد مصالحها في المحيط الجيوسياسي لكل دولة من الدول المشاركة فيها على حدى وفي المحيط الجيوسياسي العام لدول هذه المنظمات مجتمعة ما استدعى رفع مستوى زخم محاولات الولايات المتحدة التأثير على تمددها وتفعيل دورها بطرق جديدة ومن الطبيعي أن تبدأ الولايات المتحدة بضرب الرأس الداعم والجامع لهذه القوى والمنظمات وهذا الرأس هو موسكو .
أهم وأخطر ملف تتواجد فيه موسكو بقوة في منطقة الشرق الأوسط هو الملف السوري فبدعمها للدولة السورية في مكافحة الإرهاب المتمثل بالجيوش البديلة للولايات المتحدة الأمريكية بمختلف مسمياتها وتنوع أغطيتها استطاعت روسيا في الميدان السوري حشر هذه الجيوش في أقصى الزوايا وقدرت على فضح الكثير من زيف الأحداث والتضليل الذي تمارسه ماكينة الإعلام الأمريكي والغربي لشيطنة روسيا وحلفائها لاسيما في الملف الإنساني وملف السلاح الكيميائي الشماعة التي لاتنتهي فصول مسرحياتها المفضوحة والزائفة.
المهم هنا لفت النظر إلى توقيت التصريحات وهدفها، فروسيا قادمة على انتخابات برلمانية في شهر أيلول القادم فجاءت محاولة واشنطن لجس قدرتها على تجييش الشارع الروسي والضغط على روسيا داخليا مستخدمة قضية المعارض ألكسي نفالني كرأس حربة للتأكد من مدى شعبية الرئيس بوتين ومدى القدرة في التأثير عليها سلبا قبل موعد الانتخابات .
تصريح الرئيس بايدن ليس عبثيا وليس تتيجة استفزاز الصحفي البارع. رجل متمكن ومتمرس كبايدن عليه أن يعي تماما ما يقوله وما يمكن إن يترتب عليه وهو يدرك أن روسيا سترد كالعادة إما بالمثل أو بأكثر منه بقليل منعاً للوقوع في موقف عدم القدرة على تأمين خط الرجعة في وقت لازم وموسكو عودت المجتمع الدولي على التعامل ببرودة مع أسخن الملفات وترد بحكمة لو زادت عن ذلك. لذا كان هذا التصريح في أغلب الظن قنبلة إختبار للصبر الروسي الذي إمتد واتسع في الفترة الأخيرة أمام كل الضغوط والاستفزازات الأمريكية والغربية.
بكافة الأحوال يبدو أن الواقع رغم كل هذه المشاحنات من الطرف الأمريكي هي خطوات ماقبل توافقات الضرورة خاصة أنه في وثيقة الأمن القومي الأمريكية المؤقتة التي صدرت مؤخرا قد تم ترجيع روسيا في مرتبة العداء لواشنطن حسب الوثيقة إلى الصف الثاني لتحل محلها الصين كعدو منافس وأول على عكس ماكان في عقيدة إدارة الرئيس السابق ترامب.
واشنطن تضغط على روسيا وعيونها نحو آسيا الوسطى وأفريقيا وقبلهما بحر الصين، ما تحاول فعله واشنطن في محيط الصين الجيوساسي وفي بيونغ يانغ وفي مقاطعات إنتشار المسلمين الايغور دليل قاطع على أن مواجهة روسيا لم تعد من اولويات واشنطن لأنها تعلم أن روسيا مهما وصل الظرف الخلافي معها إلى أعلى درجات الحدة فهي ستتصرف بما تضبطه القوانين الدولية رغم التخوف من وصول الدب الروسي إلى مرحلة الإنفعال غير المقدور على تحديد مداه في كافة الإتجاهات، وهذا لن يحدث لأن روسيا عكس واشنطن تحاول التوافق بما يخدم مصالح الجميع وتستوعب مايجري من متغيرات عالمية لابد من التصالح معها، بينما واشنطن لم تتقبل حتى اللحظة أنها لم تعد شرطي العالم ولن تستطيع ايقاف مخاض ولادة نظام عالمي جديد ، لذا ترى واشنطن أن ضرب الصين بشكل ما بحالة طبيعية سيضعف قدرة روسيا إلى حد كبير كما تتوقع الولايات المتحدة التي تريد من هذا الباب وبمكر شديد أن تجبر الصين على الدخول إلى عضوية عدد من المعاهدات التي تم ايقافها أو شارفت على نهاية مدتها و يجب تمديد العمل بها وخاصة معاهدات القدرات الدفاعية والتسلح أهمها الصواريخ الاستراتيجية بعيدة ومتوسطة المدى وستارت ثلاثة وقضسة الذكاء الإصطناعي وتوسع التواجد لهذه الدول في الفضاء كما على الأرض والعد يطول .
واشنطن تفعل ما بوسعها وبمكابرة واضحة لكسر مساند الثقة بين الروسي والصيني وتضع الأثنين في مواجهة لكن روسيا والصين تجاوزا هذه المكيدة ببراعة ولم تستطع تفكيك أوتاد وأوتار تربط عقد وصل مشاريع طريق الحرير او طريق واحد حزام واحد بما فيها خطوط نقل الطاقة خاصة البحرية .
يبقى أن نقول ان واشنطن تعي تماما أنها لاتستطيع التأثير على روسيا سوى أنها قد تؤخر في القدرة على إتخاذ قرارات ومواقف روسية ذات بعد أمني واستراتيجي محلي واقليمي ودولي لا أكثر من ذلك، لتدور الدوائر وتعود واشنطن محاولة من باب القوة والسطوة إجبار موسكو على الإقتناع والقبول بدور مشارك لا بدور القوة الرئيسية التي تضع خطط ومسارات الاستراتيجية السياسية والاقتصادية العالمية لل ١٠٠ عام القادمة لكن لن تقبل روسيا والصين بما قبلا به سابقا على مضض، كل شيء تغير ولم تعد الولايات المتحدة رغم قوتها التي لا ينكرها أحد قادرة كما من ذي قبل أن تحرك العالم وتستعبده وتسرقه وتدمره كما يحلوا لها دون الأخذ بعين الإعتبار مصالح دول كبرى كروسيا والصين ومعهما القوى والمنظمات والأحلاف الدولية الصاعدة التي ضاقت ذرعاً بقلة إحترام الإمريكي لها ولمصالحها، بعض المطلعين يؤكدون أن الرئيسين بوتين وترامب كانا قد توصلا إلى صيغة تفاهم على المئوية القادمة وبقي توافق السياسيين وتأكيدهم على صحة مضامين التوافق لكن أزمة كورونا أدخلت العالم كله في متاهة الخوف من الذهاب إلى الهاوية فألهت كل منهم بمعركة البقاء والحفاظ على كيانه إلى أن جاءت الإدارة الأمريكية الجديدة …فهل يتفق بوتين وبايدن أو يتوصلا إلى توافق يقي العالم المزيد من الشرور والحروب والدمار ؟
هذا مايمكن أن يعبر عن أسلوب بايدن للتواصل مع الرئيس بوتين بطريقة المصارعة الحرة الذي ترك شقا في جدار تصريحاته للعودة إلى التواصل مع الرئيس بوتين حين قال “أنا متأكد من أننا سنتحدث في وقت ما” ليثبت كما يعتقد تقدم واشنطن على موسكو في اقوة الموقف الموقف والموقع وتحديد مسارات التفاهم وفق حسابات واشنطن أو النسبة الأكبر منها على أقل تقدير ، وهذا ما قد تترجمه الأشهر القادمة وبالعناوين العريضة وتحديدا من البوابة السورية.