بقلم: اللواء الدكتور بهجت سليمان ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 21-04-2020 - 1372 { الحلقة الأولى } تنويه : تناول وسائل التواصل الاجتماعي ، هذا التساؤل ، وقد وصلني كما يلي { هل قدّم العرب فعلاً شيئاً للعالم عبر تاريخهم وحاضرهم ؟ } { ماذا قدّموا ؟ أو أنهم لم يقدِّموا شيئاً ، وأنَّ كل ما قيل هو مجرد أوهام ؟ ومالدليل ؟ }
وسيجيب عن هذا التساؤل ، الدكتور : بهجت سليمان بمقال من حلقتين
1▪︎ ( العروبة ) قديمَةٌ قِدَمَ التاريخ .. وَأَمَّا ( القومية العربية ) فظهَرَت حديثاً ، في ( عَصْرِ القوميات ) .. 2▪︎ ويستطيع أيّ مُجادِلٍ هاوٍ أن يُنكر أثر "حضارة العرب" على "العالم القديم" ، أو أن يتنكّر لها ، و لكنْ إلى حين ؛ إذ أنّ المُباطلة في ذلك الأثر لا تصمد أمام المعلومات و السّجلّات الوثائقيّة و الأرشيفيّة الاستشراقيّة ، التي تُجمع على أنّه كان للحضارة العربيّة ، بمعارفها و ثقافاتها المختلفة في الطّب و الفلك و البيولوجيا و علوم البصريّات و الرّياضيات ، و نقل الفلسفة اليونانيّة لِتُنيرَ ظُلُمات القرون الوسطى الأوربيّة ، و في الاجتماع و التّاريخ ، ذلك الأثر العميق و المباشر و غير المباشر ( بالانتحال ) ، الذي يعزّ على ذاكرة الإنسانيّة ، العادلة ، نسيانه على مرّ الأزمان. 3▪︎ بيد أنّنا لا يُمكننا أن نتجاهل ، كما لا يُمكن لأحد غيرنا ، وقائع حقائق تاريخيّة كان لها أثرها الفعليّ في انتشار العصر العربيّ – الإسلاميّ في العالم القديم بوصفه البيئة التي تركت معالمها الجذريّة على تعمّلاتِ عصر النّهضة الأوربّيّ ، و هذا واقع تاريخيّ لم يعد محلّاً للنقاش و التّقوّلات ؛ ذلك لأنّ انتشار "الإسلام" المُحمّديّ نفسه في العالم القديم ، قد جاء، أصلاً ، على جذر ثقافيّ عربيّ متين ، بحيث أنّ التّفاعلات الأنثروبولوجيّة التّالية بين العروبة و الإسلام قد شكّلتْ معلماً من معالم الحيويّة الحضاريّة التي صدّرتها الأمّة العربيّة – الإسلاميّة في طور صعودها الثّقافيّ و الفكريّ و العلميّ ، إلى مختلف بقاع العالم التي كانت في متناول هذه السّيطرة السّياسيّة العربيّة – الإسلاميّة. 4▪︎ كانت مساهمات "العرب - المسلمين" في ما بعد ، حيث ضمّ الإسلامُ على أساسِ الجذر العربيّ ثقافات مختلفة ، أنِ اتّسعت لتصل إلى أوربا في العصور الوسطى مع انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية و حتى "عصر النهضة والاستكشاف" ( من القرن الخامس و حتى القرن الخامس عشر الميلادي ). و في هذه الأثناء ، و لتأثير العرب الحضاريّ ، فقد " أنقذوا إسبانيا من دَور دخولها العصور الوسطى الذي لم تعرفه إسبانيا بفضل العرب " ، و ذلك بحسب مؤرّخ و فيلسوف و أنثروبولوجيّ و سياسيّ و مثقّف كبير هو ( غوستاف لوبون ) في كتابه ( " حضارة العرب "). 5▪︎ و لقد جاء إنصاف حقيقة امتداد الأثر الإنسانيّ العربيّ إلى "العالم القديم" ، حتّى على لسان موظّفين و قادة " استخباراتيين" و سياسيين كولونياليين معاصرين و كبار و معروفين زُرِعوا في منطقتنا العربيّة المشرقيّة ، لأكبر إمبراطوريّة استعماريّة حديثة و معاصرة و هي " بريطانيا العُظمى" ، مثل " سِيرْ جونْ جْلوبْ " ( أو جون جلوب باشا : أو " أبو حنيك " ) – بحسب لقبه المحلّيّ - عندما أقرّ و اعترف في مؤلّفه الكبير المعروف "إمبراطوريّة العرب"، بنظرة موضوعيّة " إناسيّة " ( أنثروبولوجيّة ) خالية من التّعصّب ، عندما ذكر ما أورثته الحضارة العربيّة من القيم الثقافية و الإنسانية و الاجتماعيّة و الأنظمة المدنيّة و الثقافيّة و المعرفيّة ، و التي نافست فيها أنظمة كبرى و عريقة لإمبراطوريّات أخرى و بزّتها بها ، و التي كانت في ما مضى تتصارع على " العرب " كمناطق نفوذ.. بما في تلك المنافسة العربيّة – الإسلاميّة الرّائدة من آثار و مدلولات اجتماعيّة و إنسانيّة و حضاريّة. 6▪︎ يقول ( سِيرْ جونْ جْلوبْ ) ( 1897 – 1986 ) [ السيرْ جونْ باغوتْ غلوبْ المعروف باسم غلوب باشا ضابط بريطاني عرف بقيادته الجيش العربي الأردني بين العامين 1939 و1956 ] ، يقول بموضوعيّة تلامس بالتّهكّم ، في يومنا هذا ، سخافات الكثيرين من المشكّكين بالحضارة العربيّة كإمبراطوريّة اتّسع تأثيرُها كلّ " العالم القديم " : 7▪︎ يَرثي ( غوستاف لوبون ) زمناً غابراً كان له سِحرُ الحضارة الواسع بحسب ما نفهمه اليومَ من كلمة " الحضارة " في إطار عالميّ معاصر ، عندما يصف بربريّة العداء لأصحاب الحضارة العربيّة – الإسلاميّة بعد زوال دولتهم في إسبانيا فيقول : " و ممّا يُرثى له أن حُرِمت إسبانية عمدًا هؤلاء الملايين الثلاثة [ العرب - المسلمين ] الذين كانت لهم إمامة السّكان الثقافية و الصناعية " ( حضارة العرب ) ؛ مُشَهِّراً بانحطاط البيئة الغربيّة في ذلك الزّمان ، إذ أبدى الظّرف الجديد – و بعد انهيار الأندلس - مقدار الانحطاط الذي أسفرت عنه إبادة العرب " (حضارة العرب). 8▪︎ و يؤكّد ( لوبون ) : " و استطاع العرب أن يحوِّلوا إسبانيا ماديٍّا و ثقافيٍّا في بضعة قرون ، و أن يجعلوها على رأس جميع الممالك الأوربية ، و لم يقتصر تحويل العرب لإسبانيا على هذين الأمرين ؛ بل أثَّروا في أخلاق الناس أيضًا ، و لم يكن نشاطهم في الصناعة و التجارة أقلّ من ذلك ، فكانوا يصدرون منتجات المناجم و معامل الأسلحة و مصانع النسائج و الجلود و السكر إلى إفريقية و الشرق ، بواسطة تُجّار من اليهود و البربر " .
لا يوجد صور مرفقة
|