على مدى سنوات الحرب في سوريا، كانت تظهر، من حين إلى آخر، علامات «التعاون» بين جيش العدو الإسرائيلي في الجولان المحتل، والفصائل المسلحة التي كانت تسيطر على طول الشريط الحدودي، باستثناء جيب صغير في الجزء الشمالي. لم يَخْفَ يوماً على مَن عملوا في المنطقة الجنوبية، عسكريين وأمنيين، الدور الإسرائيلي «الواضح وشبه العلني» في دعم الفصائل المسلحة منذ الأشهر الأولى لاشتعال المعارك هناك.
في حديث مع «الأخبار»، يروي أحد الضباط الميدانيين في الجيش السوري، مِمَّن شاركوا في معارك المنطقة الجنوبية في السنوات الماضية، أنه «في الفترة الأولى من المعارك، وفي أكثر من مرّة، كنا نجد معدّات ومواد طبية إسرائيلية مع المسلحين الذين كانوا يسقطون في الكمائن والاشتباكات، ونتمكّن من الوصول إلى جثثهم». ويضيف: «في المرحلة الثانية، وتحديداً في عام 2017، بدأت العلاقة تأخذ منحىً أكثر وضوحاً بين المسلحين والعدو، إذ بدا كأن تنسيقاً عسكرياً ميدانياً يجري بين الطرفين، وكانت من أبرز الشواهد على ذلك العملية الشهيرة التي قام بها العدو لنقل مسلحين نحو بلدة بيت جن المحاصرة في ريف دمشق الجنوبي الغربي، في محاولة للسيطرة عليها في أواخر عام 2017».
بالحديث عن معركة استعادة السيطرة على بلدة بيت جن، من المفيد التذكير بما حدث حينها، حيث عملت الجماعات المسلحة بمساعدة العدو على استقدام مسلحين من درعا ومحيطها، قبل أن يُنقلوا من بلدة جباتا الخشب الحدودية بآليات عسكرية إسرائيلية عبر أراضي الجولان المحتل، ليعاد إدخالهم إلى منطقة بيت جن، من المنطقة التي يحتلها الإسرائيليون في جبل الشيخ، وذلك لتجاوز العزل الذي كان قد ثبّته الجيش السوري في بلدة حضر. ويمكن هنا الاستشهاد أيضاً بتقرير القوات الدولية المنتشرة في الجنوب السوري (UNDOF)/ (بتاريخ 20 آذار 2018)، حيث يرد أنه في «30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، رصدت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فكّ الاشتباك أشخاصاً يُسلَّمون على نقالات إلى جنود جيش الدفاع الإسرائيلي». وكانت هذه التحركات، بحسب التقرير، في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، أي تحديداً في الأيام التي شهدت فيها المنطقة الحدودية معارك استعادة السيطرة على بيت جن ومحيطها في ريف القنيطرة.
لم ينقطع التواصل بين الجنود والضباط الإسرائيليين وقادة الفصائل المسلحة، حتى بعد سقوط أغلب المنطقة الحدودية من أيدي المسلحين إثر معارك استعادة السيطرة على الجنوب منذ سنة تقريباً، وما تبع ذلك من اتفاقات وتسويات. ولكن في الأشهر الأخيرة قبل سقوط المنطقة الجنوبية بغالبيتها بيد الجيش السوري، أي في النصف الأول من العام الفائت، لوحظت حركة كبيرة لعناصر من المسلحين في المنطقة الفاصلة بين خطَّي «برافو» (على الجهة السورية) و«ألفا» (على جهة الجولان المحتل). هنا، يَذكر تقرير القوات الدولية أنه «لوحظت جماعات من الأشخاص من الجانب برافو (السوري)، تراوح أعدادهم بين 20 و58 شخصاً يعبرون يومياً خط وقف إطلاق النار مشياً على الأقدام، ويدخلون مبنىً يوجد على الجانب ألفا (الإسرائيلي). وكان الجيش الإسرائيلي قد أبلغ القوة في وقت سابق أن مستشفى يقع بالقرب من موقعه يقدّم المساعدة الإنسانية للمدنيين المحليين. وقد لوحظ هؤلاء الأشخاص وهم يغادرون المبنى، فيعبرون خطّ وقف إطلاق النار، ويعودون باتجاه الجانب برافو». وتشير القوة، في التقرير نفسه، إلى أنه «في 17 نيسان/ أبريل، لاحظت القوة (...) صناديق يشتبه في احتوائها على ذخيرة حيّة متناثرة على الأرض بالقرب من أحد مراكز المراقبة المؤقتة، على مسافة نحو 2 كم جنوب شرق موقع جبل الشيخ الجنوبي التابع للأمم المتحدة». ومع أن حديث القوات الدولية في هذا الإطار بدا باهتاً، إلا أنه وجّه مبطناً أصابع الاتهام إلى الجيش الإسرائيلي؛ لكون هذه المنطقة تقع على مقربة من مواقعه في المنطقة الحدودية، ويدخلها المسلحون بشكل شبه يومي، بحسب القوات نفسها، التي تقول في تقرير آخر إن المسلحين استخدموا بغالاً لنقل صناديق «مجهولة» من الأراضي المحتلة عبر السياج التقني الإسرائيلي.
اللافت اليوم، أن «رجل إسرائيل» في منطقة بيت جن، السوري إياد كمال، المعروف بـ«مورو»، الذي كان يقود المسلحين في المنطقة، ودعمته إسرائيل بأشكال عدة، «لا يزال حرّاً طليقاً حتى اليوم في المنطقة الحدودية» بحسب ما تذكره مصادر أمنية مطلعة لـ«الأخبار». وتضيف هذه المصادر أن «شخصيات جنوبية معروفة كانت تقابل الضباط الإسرائيليين، وتعمل لحسابهم في مشروع الحزام الأمني، كالقائد في صفوف المسلحين، الملقب بالدكتور، وآخر اسمه عبد العظيم، لا تزال موجودة في المنطقة الحدودية أيضاً، وتمارس نشاطها في التعاون مع العدو، ولم تنخرط ضمن أي تسوية واتفاق، وهي تحظى بحماية الشرطة العسكرية الروسية بشكل غير مباشر، ضمن تفاهمات مع إسرائيل».