بقلم: الدكتور نواف ابراهيم ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 23-03-2019 - 1489 تطورات المشهد الحالي في سوريا تدل على أن هناك متغيرات جذرية مهمة، تم بناؤها بالتدريج على تقاطعات المتغيرات الميدانية لصالح الدولة السورية وعلى أسس الثبات في المواقف السياسية للدولة السورية، مدعومة بحلفائها على المستويين الإقليمي والدولي.
وهذا بدوره يوصلنا إلى نتائج مهمة جداً قد تتم ترجمتها في المستقبل القريب وقد يكون جزء منها في تفعيل النصر الميداني واستمرار تمشيط الجغرافيا السورية من التنظيمات الإرهابية التي سوف يتخلى عنها جميع داعميها خلال فترة قريبة، وهذا قد يكون مرتبط إلى حد ما بقمة الضامنين التي سوف تعقد في تركيا آواخر الشهر الحالي.
من هنا على الرئيس أردوغان الذي حذره الروسي مراراً عديدة من مغبة التجاوز للخطوط الحمراء وإجباره على دخول مواجهة معه على الأرض السورية، يجب أن يعي تماماً أن هناك قرارات حاسمة تم اتخاذها للتعامل مع المستجدات قد يظهر جزء منها ميدانيا قبل قمة الدول الضامنة، وما تبقى سوف يترجم على أرض الواقع ما بعد هذه القمة وبناء على نتائجها، ومن مصلحة التركي أن يستقيم ويلتزم بالاتفاقات لأنه على أبواب انتخابات في ظل وضع اقتصادي يهدد البلاد بخطر كبير هذا عدا عن الخلافات الداخلية على المستويات الرسمية والشعبية والحزبية السياسية والعسكرية لجهة الطريقة المطلوبة للتعامل مع متغيرات الأوضاع في سوريا بما يحفظ ماء وجه التركي بغض النظر عن تشابكاته مع الأمريكي بحكم الأمر الواقع كونه عضو في حلف الناتو ومن الطرف الآخر المقص الذي يستخدمه الأمريكي لابتزاز التركي وحتى السوري وحلفائه بما تبقى من مجموعات مسلحة منها قوات "قسد"وغيرها من المجموعات المسلحة الأخرى في الجزيرة السورية تحديداً.
في الواقع وضع الجزيرة السورية محسوم تماماً من قبل الدولة السورية وحلفائها والتصريحات التي تؤكد على أهمية وحدة الأراضي السورية والسيادة واستقلال القرار تدل على أن الأمر متنهي لجهة الحفاظ على الجزيرة السورية لأنها جزء لا يتجزأ من الأراضي والجغرافيا السورية وهي منطقة جيوسياسية اقتصادية هامة جدا ونقطة إرتكاز في عملية التكامل الاقتصادي بما يتبع لها من طرق نقل الطاقة وشبكات الطرق البرية والسكك الحديدية التي تؤمن التكامل الاقتصادي بين سورية والعراق وإيران وصولاً إلى لبنان والأردن وهذا ما لن تفرط به لا سوريا ولا حلفاؤها وما يتنظر قوات "قسد" قد يكون غير مفاجىء ولكنه لن يسر خاطرهم ومن الأفضل لهم أن يجنحوا إلى الاتفاق مع الحكومة السورية وكذلك الأمر المجموعات المسلحة من السوريين في إدلب وعملياً يتضح أنه لن يكون هناك أي عمل عسكري سواء على مستوى الداخل السوري في الجزيرة السورية أو في التنف وحتى في الجولان السوري المحتل ردا على استفزازات إسرائيل إلا بعد أن يتم حل قضية إدلب. قضية إدلب رغم أن روسيا مازالت تجهد لحلها سياسيا باتت شبه محسومة وما نراه من متغيرات دليل قاطع على أن سورية وحلفاءها قد وضعوا خطة للتعامل مع هذه المتغيرات وقولا واحدا هم منتصرون بناء على كثير من الأسس التي يرتكز عليها أسلوب التعاطي السوري الهادىء في المضمون والساخن في المحتوى والمدروس بشكله العام، وموضوع اللجنة الدستورية كل ثوابته متفق عليها ولاتغيير فيها أبدا وهذا معلوم لدى جميع الأطراف والولايات المتحدة تحاول الإبتزاز بهذا الموضوع وستستمر في ذلك إلى لحظة إنتهاء الدورة الرئاسية الحالية في سورية لكن لن تحقق أي نتائج ولو ينصت لتصريح المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسن الذي قال أن المصالحة الوطنية والتفاهم والوئام الوطني عوامل تمثل الأساس لبناء سوريا الجديدة، يعني لن تمر مسرحياتهم وعليهم أن يفهموا إشارات المبعوث الدولي إلى سورية المتماسكة في الداخل شعبيا ورسميا، وجنيف ميت من الأصل ولم يخرج منه سوى قرارين متوازيين متناقضين لم تلتزم بهم القوى الأخرى وحاولت إستخدامهما لتحويل سورية إلى ليبيا أخرى ومنيت بالفشل، وهنا نعني القرارين 2254 و2253، واتفاق سوتشي انتهى زمنيا ويجب أن يكون هناك إعادة انتاج إتفاق جديد في القمة الضامنة الجديدة في أنقرة أواخر الشهر الحالي وبدايات الشهر القادم. الوضع العام جامد ولم يحدث أي تغير سوى أنه في الثامن من آذار تم الإتفاق على الدوريات المشتركة بين الروس والأتراك وتم الحديث عن عملية عسكرية في إدلب تلاها جمود مطلق بالأحداث، ولكن جميع الإشارات تدل على قوة الموقف السوري وحلفائه والإمسكاك بزمام المبادرة رغم مايظهر من تقلبات قد تحسب على أن سورية وحلفائها في ضيق ما، الوضع يشير إلى أن متغيرات هامة ستحدث لايعلم كنهها إلا أصحاب القرار ولايمكن تخمينها أو التكهن بها ، ولو إلتزم التركي بما وعد لكان أمره أسهل ولكانت الأمور تغيرت وإنقلبت رأساً على عقب نحو الأفضل للجميع بما فيهم الإرهابيين الذي لن يقدر أردوغان أو الأمريكي على إستثمارهم أكثر من ذلك.
يبدو أن الأمور تذهب بإتجاه قرارات حاسمة لمحور المقاومة على المستوى الإقليمي، وحاسمة على المحور الدولي المكافح للإرهاب بقيادة روسيا وخاصة بعد محاولات الولايات المتحدة العمل على ضم الجولان العربي السوري المحتل إلى إسرائيل وهذا تطور خطير ويخالف القوانين والشرائع الدولية بهذا الشأن، ولم يجر سورية أو يلهيها عن الأسس التي يجب العمل عليها بشكل تراتبي دقيق مع عدم إهمال هذه النقطة على المستوى السياسي والدبلوماسي والتحضير المخفي على ما يبدو لأي طارى قد يحدث. ومن هنا تأتي زيارة وزير الدفاع شويغو بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران وما نتج عنها من تصريحات كانت موجهة بدقة لجهة التحالف الإستراتيجي السوري الإيراني والتي قلبت موازين المنطقة وقد تغير خارطة المنطقة بشكل عام، وتأتي بعد لقاء رؤساء هيئات الأركان الثلاثة لسورية والعراق وإيران وهذه اللقاءات بطبيعة الحال تأتي في ظل متغيرات وتطورات حساسة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي أيضا ومن هنا نرى أن زيارة شويغو تؤكد حضور الروسي في الاجتماعت السابقة لو غاب عضويا ما يعني أن الروسي على علم ودراية كاملة بما يجري مع الاحترام الكامل لاستقلالية القرار السوري في تحالفاته، وهناك شيء مهم آخر ألا وهو أن زيارة شويغو قد أفشلت زيارة وزير الخارجيبة الأمريكي مايك بومبيو إلى المنطقة، وستفشل ما يترتب عليها من زيارته للبنان في المستقبل القريب.
وزيارة وزير الدفاع الروسي إلى دمشق بعد يوم واحد من لقاء رؤساء هيئات الأركان السوري والإيراني والعراقي، تحمل مغزى كبير من حيث الأبعاد والتوقيت، وتحمل إشارة إلى نفاذ صبر موسكو جراء انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى وإصرار الأخيرة على فرض سباق تسلح جديد على روسيا، وردا على سياستها غير الأخلاقية في ما يخص القضية السورية ومواجهة الإرهاب بشكل عام والذي تدعمه الولايات المتحدة وتعيد انتشاره واستثماره بلا هوادة وبلا حساب نتائج لاجل الضغط على روسيا ومحاصرتها. الأزمة السورية تمر حاليا بأدق مراحلها بعد فضح وكشف النوايا السيئة للولايات المتحدة وهذا أدى بالفعل إلى اختلاط الأمور لدى المواطن السوري، وهذه الزيارة جاءت في إطار تأكيد الموقف الروسي على ثوابته المعروفة في التعامل مع القضية السورية مع الاحترام الكامل للسيادة السورية واستقلال قرار الدولة.
وفق المعطيات لن يكون هناك أي عمل ميداني قبل الانتهاء من مسألة إدلب وفيما بعد سوف تتوضح الاستراتيجية السورية لجهة التعامل مع الجزيرة السورية ومع قاعدة التنف وحتى مع قضية الجولان السوري المحتل وجميعها تحظى بدعم وتأييد الحلفاء بناء على شرعية وحق الدولة السورية في الدفاع عن نفسها بما يتسق مع القوانين والشرائع الدولية التي تكفل لها حق السيادة وحماية أراضيها والدفاع عنها وعن شعبها.
بالنتيجة الولايات المتحدة في مأزق وتنتقل من زاوية إلى زاوية لتحشر روسيا فتقع في شر أعمالها وتحشر نفسها سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً لتهرب بطريقة من جديد القفز الحر دون مسؤولية وحساب خطوط الرجعة من مكان لآخر بشكل، والأمثلة كثيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يعلن الرئيس ترامب عن أن البرازيل في طريقها للدخول في عضوية الناتو يعني أن هناك محاولة لخرق حلف أو كتلة دول بريكس ويعني بطيعة الحال خروج إتوماتيكي للبرازيل من بريكس وهذا أيضاً لن يحقق للولايات المتحدة التي تحاول محاصرة روسيا من جديدة في فنزويلا وأوكرانيا ودول أسيا الوسطى وأوروبا الشرقية وحتى في بحر البلطيق والعد لا ينتهي، وهي لم تتعلم الدرس حتى اللحظة رغم كل الخيبات التي منيت بها ،ومن الأفضل للولايات المتحدة أن تتعقل وتبحث عن توافق لن تحرمها إياه روسيا في سبيل الخروج من مأزقها الذي رمت نفسها إليه، وتحقيق الأمن والإستقرار الدوليين لجميع أبناء المعمورة.
الرقص على فوهة البركان السوري مجازفة خاسرة للولايات المتحدة ولكل من يحذو حذوها لأن القرارات الإستراتيجية لوضع حد لهذا التمادي قد تم إتخاذها ولم يبق إلا إشارة الإنطلاق للتنفيذ لأن الولايات المتحدة بسياستها الرعناء لم تترك أي مجال للمناورة والتهدئة أو إيجاد حلول ترضي الجميع وتحفظ العالم من شر سياساتها ذات المصلحة الضيقة.
لا يوجد صور مرفقة
|