صدق المثل العربي القائل «وافق شنٌ طبقة» نعني ثلاثة: الرئيس الأمريكي ترامب المتهم من غالبية الأمريكيين بالضحالة، والمتهم بقضايا اللعب في الانتخابات وعدم احترام وعد قطعه وقول تفوه به. بنيامين نتنياهو المتهم بأربع قضايا فساد، ولا تمضي مرحلة، بدون اتهامه وزوجته بقضية فساد جديدة. أما الثالث فهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يتصرّف كقاطع طريق، والذي لن تطهره كلّ مياه زمزم المباركة من جريمة قتل خاشقجي.
وتتحدث الأنباء عن مبادرة لابن سلمان للجمع بين ثلاثتهم في لقاء، في محاولة ستكون فاشلة حتما، لتطهير بعضهم بعضا، ولأخذ مبادرة متعلقة بالصراع العربي ـ الصهيوني تتمحور حول «صفقة القرن». فقد صرّح جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، والمرشح وفقا للأنباء لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، بأن واشنطن ستعلن قريبا خطتها للسلام في الشرق الأوسط (المعروفة بصفقة القرن) وتمضي فيها مع أو بدون الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
بالفعل، أصبحت الغرائبية الأمريكية، سمة ظاهرة في المجتمع الأمريكي وإلا لما تم انتخاب ترامب رئيسا. يذكر المتابع أنه في الانتخابات الرئاسية، استرعى الانتباه ما ذكره ترامب عن أهمية تطبيق العدالة في حلّ الصراع بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني، فقد قال يومها بالنص: «إن أحد الأهداف التي أصبو إلى تحقيقها في حال وصولي للرئاسة هو تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها، وأنا لا أعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق، بتصنيف طرف بالخيِّر والآخر بالشرير»، رغم تأكيده أنه موالٍ تماماً للكيان، إلا أنه أضاف: أن على الوسيط ألا يتبنى موقف طرف ضد آخر». لكن لم يصدقه أحد، فكيفَ بإمكانه أن يكون عادلا في قضيتنا، في الوقت الذي سيجري التدقيق فيه كثيرا على دخول المسلمين إلى أمريكا؟ إضافة إلى وعوده بترحيل كل من ليس لديهم إقامة شرعية في الولايات المتحدة، وإصراره على بناء جدار على الحدود مع المكسيك (وعلى نفقتها) لمنع الداخلين إلى أمريكا بطريقة غير شرعية.
ومع نجاحه وعلى مدى ما يزيد عن العامين من رئاسته، بدأت مثالبه في الظهور: عدم احترامه للمرأه، وتحرشه الجنسي بالعديدات! الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، فرض جزية على بعض الدول العربية وامتصاص ونهب ثرواتها. تسميم الأجواء الدولية، زيادة حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي وغير ذلك من الخطوات. ترامب ملياردير غريب الطباع، ضحل سياسيا وثقافيا، ويميل إلى استفزاز الآخرين في سلوكه. موّل حملته الانتخابية اعتمادا على ثروته وبطرق ملتوية. اقتحم عالم السياسة والانتخابات، وفاز على كل منافسيه المخضرمين سياسيا في الحزب الجمهوري، لقد صرح مايكل كوهين، المحامي الشخصي السابق لترامب، أثناء محاكمته قائلا: إن الأخير لم يكذب فقط بل طلب منه عام 2016 دفع أموال أو الإشراف على دفع أموال لشراء صمت سيدات يرغبن في توجيه اتهامات للرئيس بإقامة علاقات جنسية معهن خارج الزواج، وهو بذلك جعل منه طرفا في جريمة. كما اعترف كوهين بأن الأموال التي تم دفعها للسيدتين جاءت من المساهمات في الحملة الانتخابية، وهي أموال مصدرها، إما شركات أو من فائض الأموال التي زادت عن الحد المسموح به للمرشح، وفي كلتا الحالتين هذا غير قانوني، وتصل عقوبتهما إلى السجن خمس سنوات كحد أقصى، كذلك رفع أطباء نفسيون عديدون مذكرة إلى الكونغرس بأن ترامب من ناحية حالته العقلية والنفسية غير مؤهل لرئاسة الولايات المتحدة.
من ناحية ثانية، يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام 6 سيناريوهات رئيسية، إزاء توالي التهم التي توجهها إليه الشرطة، بيد أن أحلى تلك الاحتمالات مُرٌّ. السيناريو الأول، الدعوة إلى انتخابات مبكرة، أما الثاني فالبقاء في منصبه والدفاع عن نفسه إلى حين صدور قرار من المحكمة بإدانته، في حين أن الثالث هو أخذ إجازة من منصبه والتفرغ للدفاع عن نفسه أمام اتهامات الفساد الموجهة له. السيناريو الرابع هو الذهاب إلى حرب لإشغال الساحة السياسية عن تلك الاتهامات، والسيناريو الخامس هو الاستقالة من منصبه. ويختلف السيناريو السادس عن سابقيه، في أنه قد يُفرض على نتنياهو، بانسحاب بعض الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، ما يعني سقوط الحكومة وتشكيل حكومة جديدة أو التوجه إلى انتخابات مبكرة. الاحتمالات السابقة كافة متوقعة، فالوضع مفتوح على كل الاحتمالات، وهناك سيناريوهات قد يلجأ إليها نتنياهو وأخرى قد تفرض عليه، ومن الواضح أن الحبل قد بدأ يشتد حول رقبته.
وبصدد الانتخابات المبكرة، كتبت صحيفة «يديعوت أحرونوت: «تعتقد أطراف مختلفة في الائتلاف والمعارضة أن الانتخابات باتت أقرب من أي وقت مضى». أما صحيفة «إسرائيل اليوم»، فكتبت «يعتقد الكثيرون في الكنيست أن نتنياهو لن يستقيل نتيجة التحقيقات الجنائية، ولكنه سيسعى إلى تبكير موعد الانتخابات من أجل الحصول على تفويض جديد من الشعب.. ومن شأن تقدم الليكود في استطلاعات الرأي أن يساعد رئيس الوزراء في اتخاذ هذا القرار». وبدوره، قال رئيس حزب «المعسكر الصهيوني» المعارض آفي غاباي، في تصريح صحافي له «لقد انتهى عهد نتنياهو، يجب علينا الاستعداد للانتخابات قريبا». ولكن قراره التوجه إلى انتخابات مبكرة، لا يعني نجاحه في رئاسة «الليكود» الذي يتزعمه، إذ كتب يوسي فورتر في صحيفة «هآرتس»: قد تجري انتخابات مبكرة بمبادرة منه في الأشهر المقبلة، بيد أنه من المشكوك فيه ما إذا كان سيصل إليها كرئيس لليكود، ومن المشكوك فيما إذا كان بإمكانه الفوز فيها، وهناك شك كبير بأنه سينجح في تشكيل ائتلاف في ظل الإدانة والسجن الذي يلوح في الأفق. وأضاف فورتر:»نتنياهو في طريقه ليصبح تاريخًا سياسيًا وشخصيًا قاتمًا، ستحاول دولة إسرائيل محوه من ذاكرتها الجمعية». بالطبع، من الممكن لنتنياهو أن يشعل حربا، وفي مسعاه للخروج من الورطة الحالية، فاحتمالها وارد بالنسبة إليه، فعندما تغرق السفينة، يحدث تخبط وهذا التخبط قد يؤدي إلى قرارات متسرعة. وفي هذا الصدد، كتب المحلل العسكري تسفي بارئيل في صحيفة «هآرتس»: «لا يمكن تحمّل التصور بأن رئيس وزراء من هذا القبيل، هو عبارة عن بطة عرجاء في عيون الجمهور والعالم، سيتحمل المسؤولية عن القرارات المصيرية التي يمكن أن تقود إلى كارثة».
أما ثالثة الأثافي فهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المتهم بتصفية جمال خاشقجي، وتقطيع جسده وهو حي وإزهاق روحه في القنصلية السعودية في أنقرة. وهو المعارض الحجازي الناعم، الذي ترّبى في حضن النظام! محمد بن سلمان أصبح مشهورا بصفة المنشار، فهل هذا يصلح لأن يكون وليا للعهد؟ ومستقبلا إذا تولى منصب الملك، سيطلق عليه لقب «خادم الحرمين الشريفين»! أي حرمين شريفين سيكون خادمهما وهما منه براء براءة الذئب من دم يوسف؟ حتى الكونغرنس الأمريكي بشقيه الشيوخ والنواب يحمّله جريمة قتل خاشقجي بطريقة تدعو إلى الاشمئزاز والقرف من الفعلة والطريقة التي تمت بها. رأينا المظاهرات والتجمعات ومظاهر الاستنكار لشعوب الدول العربية التي زارها، ولو كان لديه قليل من خجل لجلس في بيته ولاستقال من ولاية العهد، حتى الصحافة الأمريكية تصفه بالقاتل، فمثلا قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان «قاتل» ويجب عدم العمل من أجله، في حين وصفته «نيويورك تايمز» بأنه «مجنون» ويجب على السعودية عزله. وقال الكاتب الأمريكي نيوكولاس كريستوف، إن على العائلة الحاكمة في السعودية أن تبحث عن ولي عهد جديد، وعلى الولايات المتحدة أن تطلب ذلك من العاصمة الرياض. وأوضح كريستوف في مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز»، أن «التقارير عن مقتل خاشقجي تتزايد، ويبدو أن الصحافي الذي عرفته منذ أكثر من 15 عاماً قُتل بطريقة مثيرة للاشمئزاز، حيث تقول تركيا إن لديها شريطاً صوتياً للمحققين السعوديين وهم يعذبونه ويقتلونه بالقنصلية». هذا القاتل الدموي هو مروج لصفقة القرن تماما كسيديه ترامب ونتنياهو. أعرفتم مروجي هذه الصفقة الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية؟ إنهم أفّاكون وكاذبون ومتهمون بالفساد وأولا وأخيرا هم قتلة.