معطيات كثيرة افضت إلى اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار الانسحاب من سورية، بعد تصريحات متناقضة عن عدم رغبته بالانسحاب في الوقت المنظور، و لعل المتابع للأحداث محليا و إقليميا ودولياً يدرك أن الولايات المتحدة تُخطط في الخفاء لاعتماد استراتيجيات جديدة، من شأنها تقويض مفاعيل الانتصار السوري و احتواء التفوق الروسي فضلا عن إنهاء التواجد الإيراني في سوريا، هذه الخطط الجديدة التي تُعد واشنطن إلى تفعيلها تأتي عبر رصد تحركات للقوات الأمريكية، و إعادة تمركز وتوضع، يُضاف إلى ذلك التقارير التي أكدت أن الطيران الأمريكي يقوم بنقل قيادين من داعش إلى مناطق مجهولة، و بالتالي ما تخطط له واشنطن أبعد من مجرد تصريحات بالانسحاب من سوريا، حيث أن هذه التصريحات يُراد منها ذر الرماد في العيون، تمهيدا لتفعيل الخطة " ب "، و هنا لا نستبعد إطلاقا أن تقوم واشنطن و بالتنسيق مع الماكر أردوغان، إلى تهيئة الواقع سياسياً وعسكرياً لإفساح المجال لها بالمزيد من التمدد و قضم الأراضي السورية، و من المفيد أن نُذكر بأن داعش وُجد لغاية أمريكية تركية.
سيناريوهات عديدة تنطوي على قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، هي سناريوهات لا تخلو من المكائد، لكن ما يمكن استخلاصه من قرار ترامب، هو أن هذا القرار المفاجئ قد أتخذه ترامب دون تنسيق مع مستشاريه، حيث أن مستشاري ترامب عارضوا بشدة انسحاب قوات بلادهم من سوريا، فضلا عن التحذيرات المتوقعة إثر الانسحاب من سوريا، و التي لا تصب إطلاقا في صالح أدوات واشنطن، و عليه يمكننا التأكيد بأن قرار ترامب هو كلام فارغ و لا يمكن تنفيذه، و من ناحية أخرى تستند خطة الانسحاب من سوريا على تقديرات تكاليف استمرار الوجود العسكري وعلى تجارب سابقة من الإنفاق العسكري لواشنطن في العراق وأفغانستان التي حالت دون أي مكاسب، و ضمن هذا المنطق لا يوجد أي تعارض مع استراتيجية ترامب " التاجر "، لأنه خلال فترة رئاسته اتبع منهجاً اقتصادياً وتجارياً يتناقض أحياناً مع الاستراتيجيات الأمنية والسياسية.
سيناريو أخر يعتمد على تصريحات ترامب في أوقات سابقة، فقد أدلى ترامب بتصريحات في ولاية أوهايو إذ قال فيما يتعلق بالإنفاق الأمريكي في غرب آسيا: "لقد أنفقنا سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ليست مليارات أو ملايين، بل إنها 7 تريليونات دولار، ولم نحصل على نفطهم، لم يسمع أحد لفظة تريليون من قبل"، وبالإضافة إلى ذلك، أكد ترامب مرة أخرى خلال مؤتمر صحفي في 3 أبريل 2018 مع قادة دول البلطيق (رؤساء لاتفيا، إستونيا وليتوانيا) جديته في انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وإرسال رسائل إلى الدول التي تريد بقاء الولايات المتحدة في سوريا، أن أولويتهم في سوريا كانت تدمير داعش، مضيفاً: "سنتخذ قراراً قريباً بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية وغيرها. لقد قلتُ إذا كنتم تريدون منا البقاء هنا، عليكم أن تدفعوا ثمن البقاء، إن البقاء في سوريا يكلفنا مبالغ باهظة وهو ما يساعد البلدان الأخرى"، وكذلك في تصريح آخر لترامب، وفقاً لتقرير قناة CNN الإخبارية، نقلاً عن مصادر مطّلعة في البيت الأبيض الذي أعلن أن دونالد ترامب حذّر في محادثة هاتفية مع أحد حُكّام الدول الخليجية إنه إذا غادرت أمريكا منطقتهم فلن يكون بإمكانهم الحفاظ على مكانتهم الحالية لمدة أسبوعين، ضمن تصريحات ترامب بالانسحاب ن سوريا يمكننا أن نصل إلى نتيجة واحدة و لكن ضمن خيارين، الأولى أن ترامب يدرك جيدا أن انسحابه من سوريا سينعكس سلبا على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، و بالتالي سيكون هذا الانسحاب فرصة لروسيا و ايران بتعزيز تواجدهم في سوريا، و هذا لن يصب في صالح واشنطن وأدواتها، أما الثانية فـ ترامب يسعى إلى خلق ضغط على الدول الخليجية، و خلق مناخات متوترة شرق أوسطية، و بالتالي على قادة الخليج أن يتبرعوا بجزء كبير من ثرواتهم النفطية، و عليه يمكن القول بأن ضمن هذين الخيارين فإن قرار ترامب سيولد شعورا لدى قادة الخليج بأن نهايتهم قد اقتربت وعليهم أن يعطوا مفاتيح خزائنهم لترامب، و هنا أيضا نقول بأن قرار ترامب لا يعدو سوى كلام فارغ.
سيناريو أخر ذات أهمية سياسية و عسكرية، إذ أنه وضمن الخطة الأمريكية لا بأس بانسحاب مؤقت يرافقه رفع اليد عن قوات سورية الديمقراطية، وهذا يعني افساح المجال لداعش و بالتنسيق مع الامريكي بإعادة الانتشار و التمدد، حينها سيكون هذا ذريعة لإعادة الانتشار الامريكي في سوريا و تحت ذريعة محاربة الإرهاب، و بالتالي تكون واشنطن قد حققت غايتين، الأولى التخلص من قسد نهائيا، و الثانية العودة و بقوة إلى الميادين السوري و بأدوات جديدة.
في الخلاصة، أياً كانت الأسباب الامريكية بالانسحاب من سوريا، لا يمكننا إغفال بأن ا حققته الدولة السورية سياسيا و عسكريا قد أرق الأمريكي، و جعل من قائمة الخيارات الاستراتيجية لأمريكا تضيق، خاصة أن الجيش السوري لم يُعر التهديدات الأمريكية أي اهتمام، من الجنوب السوري مرورا بالغوطة الشرقية لدمشق، لنصل إلى الاستهدافات الامريكية المتكررة للقواعد السورية و التي تم التصدي لها بأيد سورية خالصة، و عليه نقول بأن قرار ترامب و إن كان يحمل في طياته خطة قد تخلط الأوراق من جديد في سوريا و المنطقة، إلا أن الثابت أن الدولة السورية وجيشها بالمرصاد لأي خطة أمريكية، فالدولة و الجيش اللذين تمكنا من صد موجات إرهابية و مخططات على مدى ثمان سنوات، لن ترهقه خطة أمريكية جديدة هنا أو هناك، خاصة أن الرئيس الأسد أكد مرارا و تكرارا بأن على واشنطن الرحيل سلماً و حرباً.