تفاقمت في الأسابيع الأخيرة مسألة النزوح السوري خارج البلاد وتحول الموضوع في وجه من وجوهه إلى مأساة إنسانية وأخلاقية، وفي وجه آخر إلى ورقة ابتزاز واستثمار في الحرب والعدوان على سورية، العدوان المتمادي منذ ما بات يقارب السنوات الخمس. فما هي حقيقة المسألة وجذورها والأهداف التي يرمي المستغلون لها تحقيقها من خلال هذه أقضية.... ولنعد إلى الجذور ، و نتذكر انه قبل أن يكون هناك شيء اسمه تهجير أو نزوح ، أقامت تركيا في لواء الإسكندرون المغتصب مخيمات لإيواء من أسمتهم "اللاجئين السوريين " و تساءل المراقبون مستفسرين يومها عن أي لاجئين تتكلم تركيا و لم يكن هناك سوري واحد قد غادر بيته أو تشكل ظرف يجبره على التفكير بذلك ، و بقيت المخيمات لأكثر من ثلاثة أسابيع خالية من أي شاغل إلى أن وقعت معركة جسر الشغور الأولى التي جاءت اثر العمليات الإرهابية الإجرامية التي قام بها مسلحون جلهم من الإخوان المسلمين الذين ترعاهم تركيا ،المسلحون الذين قلموا بالاعتداء على رجال الشرطة و الأمن السوريين في جسر الشغور وعلى قوافل الجيش العربي السوري التي اتجهت إلى المدينة لاستعادة الاستقرار اليها . ترافق ذلك مع ضخ أعلامي تهويلي مارسته فضائيات التحريض على سفك الدم السوري وفي طليعتها قناة الجزيرة والعربية وما افرخ من فضائيات الفتنة المدفوعة الأجر والكلفة من المال الخليجي. . وبدأ التهجير في سورية يتصاعد مع تصاعد العدوان والإرهاب....أما ردة الفعل على الواقع المستجد فقد كانت في اتجاهين متعاكسين:..
- اتجاه تقوده الحكومة السورية وتؤيدها فيه شرائح وطنية واسعة يدعو إلى التمسك بالأرض وعدم مغادرتها وفي حالات الضرورة الانتقال داخل سورية من مكان اختل الأمن فيه وصعب العيش عليه إلى مكان امنه قائم والخدمات فيه مؤمنة، واستجابت لهذا الأمر بشكل خاص عائلات المواطنين السوريين العاملين في الجيش والقطاع العام ولاحقا في قوى الدفاع الوطني واللجان الشعبية، وبشكل عام كل من رفض تسليم بلاده للإرهاب وأصر على البقاء فيها للدفاع عنها...
- واتجاه آخر نقيض للأول ويشكل استجابة إلى ما يريده المشاركون بالعدوان على سورية، ويرمي إلى تشكيل ورقة ضغط من النازحين والمهجرين خارج وطنهم للاستفادة منهم في أكثر من مهمة ودور....وبالنتيجة بات المهجرون صنفان: مهجر في الداخل (يصل عددهم تقريبا إلى ثلاثة ملايين نسمة) ومهجرون إلى الخارج ويصل عددهم إلى ما يقارب الثلاثة ملايين ونصف أيضا حسب إحصاءات الأمم المتحدة الرسمية، والرقم قد يكون مبالغ فيه لان كثيرا من السوريين الموجودين أصلا في الخارج قبل العدوان سجلوا أنفسهم لاجئين ظنا منهم أن ذلك يكسبهم بعض المنافع. واشتمل هذا الاتجاه على عائلات الأغنياء المحجمين عن تحمل أعباء المواجهة والقادرين على العيش بأموالهم وبعلاقاتهم في الخارج، كما اشتمل على عائلات المسلحين الذين رفعوا السلاح ضد دولتهم واستجابوا لخطط العدوان على سورية، وضم أيضا من وقع ضحية الحرب النفسية التي شنها العدوان على سورية....والأن وعند الحديث عن المهجرين السوريين، فان الأمر يعني حصرا مهجري الخارج، لان الفئة الأولى بقيت في وطنها وتقوم الحكومة السورية بكل ما يلزم وما هو ممكن لرعايتها وتقدم الخدمات لها كما لا يقصر أبدا السوريون في المناطق الآمنة خاصة في دمشق والساحل السوري في هذا الأمر حيث أن تلك المناطق تستوعب ما يقارب الثلاثة ملايين سوري في مراكز إيواء وإغاثة وإعانة وتؤمن لهم احتياجاتهم الممكنة بما فيها التعليم المجاني الرسمي لأبنائهم....أما مهجرو الفئة الثانية، فأنهم بات هو المعضلة المعقدة والمتشابكة خاصة إذا وقفنا على طبيعة تعامل دول اللجوء معهم. ففي الأردن حيث النصف مليون ، فرض على اللاجئين الإقامة في المخيمات في ابشع الظروف المعيشية و الأخلاقية (مخيم الزعتري ) و في لبنان حيث المليون لاجئ توزعوا على مخيمات عشوائية أو داخل الأماكن الأهلة حسب وضعهم السياسي و انسجامهم مع ميول المنطقة التي قصدوها ، أما في تركيا حيث المليون ونصف فقد توزعوا في المخيمات التي أعدت مسبقا و بعض الأماكن الأخرى بأشراف من الدولة لمراقبتهم و استخدامهم ، و يبقى بعض الألاف أو عشرات الآلاف الذين توجهوا إلى خارج بلدان الجوار، و هم الذين يشكلون جوهر مشكلة اللاجئين من خلال انتقالهم إلى الغرب للجوء يتصورون أن يكون الأفضل لهم مستقبلا . والملفت هنا أن دول الخليج النفطية التي كانت بأموالها سببا رئيسيا للتهجير لم تقدم للمهجرين أي فرصة للجوء اليها فأقفلت الأبواب بوجههم ولم تسمح بدخولها ألا لمن يملك القدرة على العيش في الفنادق والشقق المفروشة المرتفعة الإيجار....في ظل هذا الواقع، وبعد السلوكيات اللاإنسانية، أو المنافية لحقوق الأنسان التي يتغنى الغرب باحترامها والتي سببت الكثير من المآسي والكوارث على طريق اللجوء والهجرة إلى الغرب والتي كان واحدا منها قضية الطفل أيلان الذي قضى غرقا على شواطئ تركيا، بات الغرب يظهر غيرة على اللاجئين ويتظاهر مسؤولوه بأنهم يراجعون سياسة قبول اللاجئين في حدود يضعونها. وهنا نطرح السؤال ماذا يريد الغرب حقيقة من الموضوع وكيف يكون الحل لمسألة التهجير أصلا؟....قبل أي كلام آخر يجب أن يعود الجميع إلى حقيقة ثابتة مفادها أن المواطن السوري كان قبل العدوان على دولته يعيش امنا عزيزا كريما في وطنه تؤمن له الدولة خدمات التعليم و الصحة مجانا وظروف الحياة بكلفة معيشة هي الأدنى في المنطقة ، و أن المآسي التي يعانيها الآن من التهجير هي نتيجة للعدوان عليه و لاختلال الأمن و الفوضى الأميركية الهدامة التي نشرت في سورية بتمويل و تنفيذ إقليمي تركي و خليجي ، فالعدوان هو السبب في المأساة و توقف المأساة يكون بوقف سببها أي بوقف العدوان ، و لا يكون ذلك ألا بتجفيف مصادر الإرهاب المنفذ للعدوان و العمل مع الجيش العربي السوري لاقتلاع الإرهاب و هذا ما تقول به روسيا و هي صادقة في نظرتها و سلوكها .....ولكن مكونات العدوان على سوريا يرفضون هذا الحل المنطقي ويصرون على عدوانهم ويحركون اليوم ورقة اللجوء التي هم صنعوها بعدوانهم من اجل الضغط على سورية أولا ومن اجل أجراء فرز وتغيير ديمغرافي فيها يخدم أهداف العدوان الأصلية تاليا الأهداف التي فيها مشاريع التقسيم والكيانات الطائفية والأثنية، وأخيرا من اجل توفير اليد العاملة الرخصة لبلدانهم من خلال ادخل بعض السوريين في عملية وضعت لها ضوابط تخدم مصالح تلك الدول الأجنبية.
أما السوريون فواجبهم قبل كل شيء أن يمعنوا النظر جيدا ويقارنوا بين ما كانوا عليه وما باتوا فيه، وأن يدركوا أن وقوفهم مع دولتهم ومواجهتهم للعدوان عليها كفيل بوضع حد لمأساة النزوح وبهذا يجب أن يفهم كلام الرئيس الأسد بان الوطن هو لمن يدافع عنه.