انطلقت في شهر كانون ثاني-يناير 2015، مسيرة للتسامح في برلين، ضمت سياسيين ألمان وزعماء من المسلمين، رداً على تفجير شارلي إبدو في باريس. كانت ميركل تسير شابكة ذراعها مع أيمن مزيًك، الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين. لكنه على الرغم من إدعائه قطع علاقته مع جماعة الإخوان المسلمين، وانتهاجه خطابًا منفتحا، إلا أن السيد مزيًك يؤوي داخل منظمته "ميلي غوروس" (المنظمة العنصرية التابعة لرجب طيب أردوغان) والإخوان المسلمين ( رحم المنظمات الجهادية، التي كان يرأسها عالميا محمود عزت، الذراع الأيمن لسيد قطب).
استردت وكالة المخابرات المركزية، إبان الحرب الباردة، عدداً من خيرة الضباط النازيين، وجندتهم في صراعها ضد الاتحاد السوفييتي. وكان من بين هؤلاء غيرهارد فون ميند، الذي نجح بتجنيد عدد كبير من المسلمين السوفييت ضد موسكو. مثلما نجح عام 1953 بتوطين زعيم جماعة الإخوان المسلمين خارج مصر، سعيد رمضان، في مدينة ميونيخ. كما كانت وكالة المخابرات المركزية ترسل في الفترة نفسها الضباط النازيين إلى جميع أنحاء العالم، لمناهضة الموالين للاتحاد السوفييتي. منهم على سبيل المثال أوتو سكورزيني في مصر، فضل الله زاهدي في إيران، و ألويس برونر في سورية.
عمل جميع هؤلاء على تنظيم أجهزة المخابرات المحلية على غرار الاستخبارات الألمانية، الغستابو. ولم يُلق القبض على برونر في سورية، إلا بعد مضي وقت طويل، أي في عام 2000، بأمر من الرئيس بشار الأسد.
ظلت ألمانيا خلال الحقبة الممتدة من الثورة الخمينية عام 1979، حتى هجمات 11 أيلول 2001، ملتزمة جانب الحذر مع جماعة الإخوان المسلمين.
لكنها، إثر اعتراف دمشق بألمانيا الشرقية رسميا، وبناء على طلب من وكالة المخابرات المركزية، وافقت ألمانيا على منح اللجوء السياسي عام 1982 للانقلابيين من الأخوان، بمن فيهم المرشد الأعلى السابق عصام العطار.
أعادت جماعة الإخوان المسلمين تنظيم نفسها في تسعينيات القرن الماضي في ألمانياK بمساعدة اثنين من رجال الأعمال، هما المصري يوسف ندا، والسوري علي غالب همًت.
وعندما فتحت الولايات المتحدة أبواب "حرب لا نهاية لها" في الشرق الأوسط الموسع، حثًت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ألمانيا الموحدة، على إطلاق "حوار مع العالم الإسلامي".
وفي برلين، اكتفت وزارة الخارجية بالاعتماد بشكل رئيسي على إبراهيم الزيات، الزعيم المحلي لجماعة الإخوان، وخبير ألماني يدعى فولكر بيرتس، الذي أصبح فيما بعد مديرا لأهم مركز أبحاث فدرالي، مؤسسة العلوم والسياسة.
شاركت ألمانيا في عام 2005 في عملية اغتيال رفيق الحريري، من خلال توفير السلاح الذي استخدم لقتله (من المؤكد أنه لم يكن تفجيرًا تقليديًا، وهو ما يتعارض مع بروباغندا "المحكمة" الخاصة.
وفي عام 2008، وبينما كانت وكالة المخابرات المركزية تجري الاستعدادات اللازمة من أجل إطلاق "حرب أهلية" في سورية، تلقى فولكر بيرتس دعوة من منظمة حلف شمال الأطلسي لحضور الاجتماع السنوي لمجموعة بيلدربيرغ. وهناك، التقى مع امرأة سورية، موظفة في وكالة المخابرات المركزية تدعى بسمة قضماني. قدم كلا الاثنين شرحا وافيا للمشاركين، عن أهمية قلب نظام الحكم في الجمهورية العربية السورية، بالنسبة للغرب، ووضع جماعة الأخوان المسلمين في السلطة.
وفي عام 2011، حين صار بيرتس يستخدم اللغة المزدوجة للإخوان المسلمين، نشر مقالا في صحيفة نيويورك تايمز تهكم فيه على الرئيس الأسد لاعتقاده بأن سورية تتعرض لمؤامرة كونية.
وفي شهر تشرين أول من نفس العام، شارك بيرتس في اجتماع لكبار رجال الأعمال الأتراك، نظمته وكالة الاستخبارات الخاصة الأمريكية، ستراتفور، قدم لمحاوريه عرضا مفصلا عن مخزونات سورية من النفط والغاز التي سوف يتسنى لهم نهبها.
وفي منتصف عام 2012، كلفته وزارة الدفاع الأمريكية بإعداد خطة أُطلق عليها اسم "اليوم التالي" (أي الحكومة التي سوف تُفرض على سوريا)، فشرع على الفور بعقد اجتماعات في وزارة الخارجية في برلين، بمشاركة 45 شخصية سورية، منهم بطبيعة الحال صديقته بسمة قضماني و"الأخ" رضوان زيادة الذي جاء تحديدًا من واشنطن. ثم انتهى به المطاف مستشارا لجيفري فيلتمان في الأمم المتحدة، وهو بهذه الصفة نراه حاضرا في جميع المفاوضات المتعلقة بالأزمة السورية في جنيف.
سنرى ما سوف تتمخض عنه جولة المستشارة أنجيلا ميركل ومباحثاتها في كل من بيروت وعمان، الأسبوع القادم.
ترجمة : سعيد هلال الشريفي