جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

إضاءات على قلعة الشقيف | بقلم: معين الطاهر
إضاءات على قلعة الشقيف



بقلم: معين الطاهر  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
30-06-2018 - 1565

بعد ستة وثلاثين عامًا مضت على اجتياح العدو الصهيوني لبنان، والذي جرت في أولى أيامه معركة قلعة الشقيف، المصنفة، بحسب مجلة عسكرية فرنسية، من أهم عشرين معركة كوماندوز في القرن العشرين، ثمّة إضاءات جديدة تسلّط عليها هذا العام، أعادت ذاكرتي إلى تلك السنين التي مضت، وحملت على أجنحتها أرواح أعزاء علينا، استشهدوا على ثراها الطاهر.
لم يكن هؤلاء الشهداء هم أول من استشهد في قلعة الشقيف، وربما لن يكونوا آخرهم، ففي هذه القلعة التي يعكس اسمها الأصلي "بوفور"، بمعنى "الجميلة"، تألقها وجمال إطلالتها الممتد حتى جبل الشيخ وجبال فلسطين، عثرنا خلال عمليات حفر الخنادق على رفات مئات من جنود صلاح الدين الأيوبي، والذين أُعيد دفنهم ضمن مراسم عسكرية مهيبة، ذكرتنا بأنّ أجدادنا عملوا لحاضرنا، وأنّنا نضحي من أجل مستقبل أفضل لوطننا.
كانت الإضاءة الأولى هذا العام في اختيار منظمي مسيرات العودة في لبنان قلعة الشقيف لكي تكون مكانًا لتجمع المشاركين فيها. حيث زحف إليها آلاف من مخيمات لبنان ومدنه وقراه. كان اختيار المكان حكيمًا، وفيه تأكيد للرمز الذي مثّلته القلعة عبر التاريخ، في وجه جميع الغزاة الذين تعاقبوا على بلادنا، وتخليد لذكرى الشهداء الذين استشهدوا فيها عام 1982، وتجسيد لمعاني الصمود والإصرار على مواصلة الكفاح.
كانت الإضاءة الثانية في إصدار السلطة الوطنية الفلسطينية طابعًا تذكاريًا من فئتين وبطاقة تذكارية، صممها الصديقان علي مزرعاني وكامل جابر، وهما من أبناء المنطقة المحيطة بالقلعة. وتضمن الإصدار صورا للقلعة، إضافة إلى صورة للشهيد ياسر عرفات مع الفدائيين المدافعين عنها، وبحضور بعض قادة الحركة الوطنية وحركة أمل في الجنوب اللبناني. كما جاء في مقدمة الإصدار وصفٌ لموقع القلعة التي "شيّدها الرومان وجدّدها الصليبيون، ثمّ حرّرها صلاح الدين الأيوبي، ورممها فخر الدين الكبير، وأخيرًا تحصن بها المقاومون في وجه الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، لتكون شاهدةً على بطولة حماتها في كل زمان، والتي لم ينل الغزاة منها بكل جبروتهم".
جميل أن تصدر السلطة الفلسطينية هذا الطابع الذي يخلّد معاني الصمود، وإن كان ذلك قد تأخر 36 عامًا. ولعل من الأجمل أن يُطلق هذا الطابع ويُعلن عنه في القلعة ذاتها، وبمشاركة القوى الوطنية اللبنانية التي أظنّها سترحب بالمشاركة، ولعلها تكون مناسبةً كي يتضمن هذا الاحتفال وضع حجر أساس لنصب تذكاري، يخلّد المقاومين الذين دافعوا عنها على مرّ التاريخ، لتصبح شاهدًا آخر على عظمة المقاومة الدائمة للغزاة كلهم، وردًا ثابتًا على تلك المحاولة التي قام بها عاملون في وزارة الثقافة اللبنانية، لتزوير تاريخ القلعة والمقاومة عبر لوحةٍ إرشاديةٍ وضعوها في مدخلها، وأُزيلت في وقت سابق من العام الماضي، بفضل جهد أبناء الجنوب المخلصين.
جاءت الإضاءة الثالثة من مخيم اليرموك في دمشق الذي دُمّر، و"تمّ تعفيشه" (بالشامية الدارجة)، أي سُرق جميع ما بقي من ممتلكات ضمن أنقاض منازله، حتى أسلاك الكهرباء سُحبت من بقايا الجدران. فوجئت بصديق قديم، وقد كان مقاتلًا يوم كان يدرس الهندسة في جامعة دمشق، ويقضي عطلاته في قواعد الفدائيين في الجنوب، أرسل إليّ أبو كرم صورا عثر عليها بين ركام منزله لمقاتلين من ذلك الزمن وتلك الحقبة، تضم بعضًا ممّن استشهد في قلعة الشقيف نفسها. أحسست لحظتها أنّ ثمّة حبلًا يربط بين القلعة واليرموك، وأنّ استخراج صورها من تحت ركامه لا يعني إلّا أنّه سينهض كما نهضت، وسيبقى عصيًا على التطرّف والاستبداد، وقابضًا على حلم العودة وحقه.
الإضاءة الرابعة هي ما فاجأني بها مقاتل آخر في ذكرى معركتها، إذ نشر عنها على صفحته تفصيلاتٍ جديدة كنت أظنّ أنّي فقدتها، ذلك أنّ إحدى المجموعات في القلعة، وهي التي يُطلق عليها اسم "مجموعة المطار"، نسبة إلى وجود مهبط قديم للطائرات المروحية هناك، لم يخرج منها سوى مقاتل واحد، هو فادي الذي استشهد لاحقًا في معركة مع العدو في قبرشمون في الجبل اللبناني. وعندما سجّلت رواية معركة القلعة، اعتمدت على رواية العدو في هذا الجزء، والتي وردت في فيلم "جرح أخضر نازف" الذي بثّته القناة العاشرة في التلفاز الصهيوني، وفيه شهاداتٌ لجنود كانوا في تلك المعركة. اللافت أنّ تلك الشهادات تتطابق تمامًا مع ما رواه المقاتل محمود. وقائد تلك المجموعة مقاتل يمني، يُدعى عبد القادر الكحلاني، وقد ذكّرني بشجاعة المقاتلين اليمنيين في صفوف الثورة الفلسطينية، وبما يعانيه الأشقاء في اليمن اليوم.
التقى محمود بالشهيد فادي خلال الانسحاب، ونقل على لسانه روايته، وفيها: "الساعة السادسة والنصف مساءً، اتصل الأخ علي أبو طوق بالأخ راسم، قائد القلعة، الذي أبلغه أنّ الدبابات اقتربت، وأنّه ينتظرهم بفارغ الصبر. بدأت الدبابات بالقصف من مسافة 800 متر، ولم نردّ عليهم بطلقة واحدة. كان العدو يعتقد أنّ المقاتلين قد فرّوا نتيجة القصف المستمر منذ يومين. عندما وصلت الدبابات إلى مشارف القلعة، تصدّى لها المقاتلون، ودُمرت ثلاث دبابات. انسحب البقية إلى الخلف، وخلال الانسحاب انقلبت ناقلتان للجند. بعد وجبة قصف أخرى، تقدّمت
الدبابات من جديد، وقبل وصولها بـ200 متر تصدى لها فصيل الرشاشات من تلة الصاعقة، ممّا أدّى إلى احتراق ناقلتين للجند، شاهدتهما بأم عيني، وقد تركهما العدو في أرض المعركة. وجبة قصف جديدة وتقدّم جديد بالمدرعات التي توزّعت مجموعة باتجاه القلعة، ومجموعة أخرى باتجاه كفر تبنيت. أول دبابة أحرقها الشهيد غسان في كفر تبنيت على بعد 20 مترًا من الموقع، في حين تصدّى شادي بمدفعه عيار 75 ملم، وأحرق دبابتين عند المزفتة. وأطلقت النار على طائرة مروحية سقطت، وشاهدنا أربع جثث محترقة فيها". وهم من كبار ضباط الأركان الذين كانوا يراقبون المعركة من الجو.
ساد هدوء كبير، وبعد منتصف الليل يقول محمود، على لسان فادي، إنّهم سمعوا أصواتا باللغة العبرية، فذهب عبر الخنادق لإبلاغ راسم الذي طلب منهم الصبر وعدم إطلاق النار إلّا من مسافة صفر. "في لحظة واحدة، أمطرناهم بـ 30 قنبلة يدوية من مسافة 20 مترًا، أعقبناها بزخات من الرصاص، بدأ صراخ العدو يعلو، ثم ساد الهدوء مدة ربع ساعة تجدد بعدها الهجوم، وبدأنا نسمع انفجارات داخل الخنادق. انفجرت قنبلة بين فادي وعبد القادر. ناديت عليه، فقال لي فدائي: ارجع مكانك. ركضت داخل الخندق، ورأيت شخصًا مقابلي، نادى عليّ باللغة العبرية، فأطلقت عليه النار وسقط فورًا، وقفزت من فوق جثته، ثم شاهد ثلاثة جنود آخرين قُتلوا داخل الخنادق، واستشهد ثلاثة من أفراد المجموعة. أُلقيت علينا عبوة ناسفة. استشهد عبد القادر اليمني".
ما سبق جزء من رواية طويلة تلخص ملحمة كبرى، ما زالت ذكراها تتجدد مع كل نبض مقاوم، نترحم فيها على الشهداء الفلسطينيين واليمنيين واللبنانيين الذين استشهدوا فيها، وننظر بزهو إلى قلعة الشقيف التي بقيت صامدةً في مكانها، في حين رحل الغزاة.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


مؤتمر وزراء دول العدوان تعقد مؤتمر تآمري على القوى الوطنية اليمنية
بقلم: حميد عبد القادر عنتر

قراءة أولية في قمة سنغافورة
بقلم: زياد الحافظ



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب معين الطاهر |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2024
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//