جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

الحريات السياسية والإعلامية ليست حقاً مطلقاً | بقلم: د. إبراهيم أبراش
الحريات السياسية والإعلامية ليست حقاً مطلقاً



بقلم: د. إبراهيم أبراش  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
03-02-2018 - 1475
 لكلمة الحرية، وخصوصاً حرية الرأي والتعبير، وقعٌ جميل على النفس، ووقر في العقل، وباتت أقنوم لا يمكن المساس أو التشكيك به، حتى محاولة تقنينها رسمياً، ووضع ضوابط لها من أجل المصلحة العامة، سيُعتبر انتهاكاً يستَوجب مقاومته، وفي المقابل فإن كثيرا من الجرائم والانتهاكات لحقوق المواطنيين والوطن يتم ارتكابها بسبب التوظيف غير العقلاني وغير المنضبط أخلاقيا ووطنيا للحرية،كل ذلك يجعل مقاربة الحرية مفهوميا وممارسة يدخل في باب النسبية، زمانا ومكانا وثقافة،لذا تعددت مستوياتها والمدارس والنظريات حولها.
من ناحية ابستمولوجية سياسية، فإن الفلسفة الكامنة وراء قيام وتأسيس الدولة - المجتمع المنظَم -هو تقييد الحرية المطلقة أو الفطرية التي صاحبت حياة المجتمعات البدائية – مجتمعات ما قبل الدولة -،وهذا ما قال به علماء السياسة والاجتماع وخصوصا منظرو نظرية العقد الاجتماعي كتوماس هوبس وجون لوك وغيرهم، فالحرية المطلقة حيث كان من حق كل إنسان أن يعمل ما يريد دون ضوابط كانت عبئا على المجتمع لما يصاحبها من فوضى واقتتال،فكان تأسيس الدولة بهدف تنظيم هذه الحرية وردعها وتوجيهها بما لا يتعارض مع حرية الأخرين أو المصلحة العامة من منطلق أن الصالح العام يعلو على مصلحة الأفراد .
ومن ناحية منطقية وواقعية فعندما يطالب المدافعون عن حقوق اللإنسان بمنح الشعب الحرية بكل مشتملاتها يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الشعب المُخاطب والمستَهدف ليس مجتمع ملائكة بل بشر داخل كل منهم نوازع خير ونوازع شر،وفي أي مجتمع هناك العقلاء الذين يفقهون معنى الحرية المتاحة لهم فيوظفونها بما يخدم مصالحهم دون الإضرار بالمجتمع والدولة، ولكن في المجتمع أيضا السفهاء والمجرمون والجهلة الذين لا يميزون بين الصالح والطالح وينساقون وراء غرائزهم البهيمية ولا يدركون معنى الصالح العام أو الأمن القومي .
حتى تؤدي الحرية وظيفتها في حفظ كرامة المواطن وإنسانيته وتمتعه بالحقوق التي تضمنها له كل الشرائع والدساتير الدينية والوضعية فإنها تحتاج لحاضنة،والحاضنة ليست فقط العقل المجرد للمواطن ورغباته الذاتية، لأن المجتمع مكون من مواطنيين بعقلانيات مختلفة ومصالح ذاتية متضاربة، كما أن الأنظمة السياسية لوحدها لا يمكن المراهنة عليها كحاضنة للحرية وضامنة لها وتحديدا في الدول غير الديمقراطية .
حاضنة وضمانة الحرية بيئة سياسية اجتماعية ثقافية تقوم على توازن دقيق بين حق المواطنيين بأن يكونوا احرارا وحق الدولة في الحفاظ على الاستقرار والصالح العام وهذا التوازن لا يتاتى بين ليلة وضحاها أو بقرار لحظي بل هو حصيلة سيرورة تاريخية من النضالات الشعبية والتحولات السياسية والثقافية والقانونية.
نظرا لمركزية الحريات وخصوصا حرية الرأي والتعبير في حياة الشعوب فقد أولت المنظمات الدولية وخصوصا هيئة الأمم المتحدة أهمية قصوى لمسألة الحريات بكل أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية كمكون رئيس في منظومة حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت تم وضع ضوابط لممارسة هذا الحق . مثلا ما ورد في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث نصت على :
1.  لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ‌) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب‌) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة."
 بالإضافة إلى البعد القانوني الدولي، لا يمكن فصل حرية الرأي والتعبير باعتبارها مكون من مكونات حقوق الإنسان عن الثقافة السائدة في المجتمع وعن طبيعة النظام السياسي القائم وفلسفته . ثقافة الحرية هي ما يضمن تحقيق الحرية لأهدافها بما فيه صالح الوطن والمواطنيين، وثقافة الحرية نتاج مشترك لمجتمع متعلم متحضر ديمقراطي ولدولة القانون، فوعي الحرية كحقوق يقابلها واجبات أمر سابق على ممارستها، ووعي الحرية يعني أن المواطن يعرف ما له من حقوق وما عليه من التزامات وأن حدود حريته تتوقف عندما تمس حقوق الآخرين والمصلحة الوطنية كما يحددها الدستور أو الأعراف .
ففي مجتمعات متقدمة وديمقراطية كأوروبا واليابان يكون مجال الحرية أوسع لأن الثقافة السائدة ثقافة عقلانية حضارية ولأن الناس تعودوا على العيش مع الحرية لعقود،وبالتالي يتم ممارسة المُتاح من الحرية للمواطنيين بما لا يسيء لحرية الآخرين أو يمس بالمصلحة العامة، ومع ذلك ففي الغرب ذاته هناك حدود للحرية السياسية والاجتماعية وحتى الحرية في مجال البحث العلمي .
عندما صوت الكاتالونيون لصالح الانفصال عن إسبانيا تدخلت الحكومة بأجهزتها الأمنية لتمنع الانفصال، كما تتدخل حكومات الغرب الديمقراطية للحد من النزعات المتطرفة والفاشية وعندما يتم ممارسة الحرية،فِرادا أو جماعة،بما يتعارض مع القانون والمصلحة العامة، أيضا تدخلت الحكومات في مجال البحث العلمي عندما وصل لدرجة القدرة على التلاعب بالجينات البشرية والحيوانية وشفرة خلق البشر الخ، هذا ناهيك أن الغرب الديمقراطي هو نفسه الذي مارس الاستعمار وما زال ينتهك حقوق وحريات دول العالم الثالث ويدعم أنظمة استبدادية .
أما في غالبية دول الجنوب ومنها العالم العربي حيث لم يتعود الناس على الخصوع للقانون والتمتع بالحرية السياسية،وترتفع نسبة الأمية والجهل وينقسم الشعب انقسامات حادة عرقيا وطائفيا ومذهبيا ...فإن منح الحرية على إطلاقها أو بدون ضوابط تراعي الثقافة السائدة سيفيد قلة من الشعب و الاقوياء ذوي المصالح الكبرى، ولكنه قد يضر بمصالح البسطاء من الشعب وقد يؤول الأمر لحالة من الفوضى .في نفس الوقت فإن الأنظمة القائمة ولأنها غير ديمقراطية فإنها تخشى ثورة الشعب عليها إن منحته مزيدا من الحريات، وفد رأينا إلى ما آلت إليه الأمور عندما منحت الحكومات العربية والإسلامية الحرية للجماعات الإسلاموية للعمل السياسي دون ضوابط خوفا من اتهام الحكومات بأنها دكتاتورية أو مناهضة للإسلام، أيضا عندما تم منح الحرية بدون ضوابط لمؤسسات تعمل تحت عنوان المجتمع المدني حتى لا يتم اتهام الحكومات بانها غير ديمقراطية الخ .
الحرية في المجال الإعلامي كالحرية في المجال السياسي ليست حقا مطلقا بدون ضوابط وطنية وأخلاقية وقانونية مهنية،خصوصا مع توسيع فضاء الإعلام مع الثورة المعلوماتية من فضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي .
اتاح الفضاء السيبراني فرصة كبيرة لرجال السياسة والأحزاب والجماعات الدينية وللمحللين السياسيين وأصحاب الرأي للتواصل مع الجمهور، وهذا أمر إيجابي، ولكن في نفس الوقت وفي ظل بيئة ثقافية وأجتماعية كالبيئة العربية فإن اشتغال هذه التقنيات الإعلامية وخصوصا في المجال السياسي أربك المواطنين وشتت فكرهم وشككهم بثوابتهم ومرجعياتهم ومنظوماتهم القيمية والوطنية التي كانت تشكل غراء التماسك الاجتماعي والوطني، وبات كل شيء مشكوكا فيه ومحل إعادة نظر وخصوصا عندما يتم اللجوء إلى مفردات التخوين والتكفير وإدعاء الحقيقة من هذا الطرف أو ذاك،وتجنيد القوى السياسية المتصارعة لجحافل من المحللين والخبراء والمتخصصين السياسيين وكل منهم يدعي أنه ينطق بالحقيقة ويعبر عنها .
التداخل بين السياسة والإعلام نلاحظه من خلال ما يجري في زمن فوضى الربيع العربي، حيث لم تقتصر الفوضى على السياسة وتدمير الدول وتفتيت المجتمعات بل صاحبها فوضى الإعلام حيث لم يكن الإعلام،خصوصا التابع منه لأطراف الفوضى من دول وجماعات،مجرد ناقل للخبر بل كان وما زال صانعا للحديث ومثيرا للفتن .
لا غرو أن الحرية السياسية والاجتماعية جوهر الديمقراطية وأهم حقوق المواطن ومستلزمات المواطنة،إلا أنها ليست حقا مطلقا ومفتوحا دون حدود وضوابط،لأنها في هذه الحالة تؤدي للفوضى، والخلل ليس في مبدأ الحرية ولكن في منحها لشعب متشكِل من شرائح ومستويات ثقافية وسياسية واجتماعية متباينة في تصوراتها ومصالحها ومذاهبها .
إن الحد من الفوضى السياسية والإعلامية وإعادة تنظيم المشهد الإعلامي ولجم فضائيات ومواقع الكترونية وفقهاء دين بمنعهم من تمرير سياساتهم المشبوهة تحت عنوان الحريات الإعلامية وحرية الرأي والتعبير .. كل ذلك قد يصبح في بعض المنعطفات والظروف شرط ضرورة لتمكين الدول من القيام بوظائفها والحفاظ على وجودها، كما هو الحال اليوم مع الدول التي تتعرض لفوضى ما يسمى الربيع العربي والمُهدَدة بوحدتها الوطنية والترابية .
الحريات السياسية والإعلامية إن لم تكن في خدمة الوطن والمصلحة العامة وعندما تصبح أداة في خدمة جهات أجنبية معادية أو جماعات إسلاموية مشبوهة هدفها تفتيت وحدة المجتمع وتدمير الدولة الوطنية،فالحد منها يصبح مسؤولية وطنية وقومية وأخلاقية.
لكن في نفس الوقت يجب الحذر من توظيف الأنظمة السياسية العربية خطر الإرهاب والحاجة لتقنين وتنظيم الحريات حتى تقوم بتصفية معارضيها السياسيين الديمقراطيين والمثقفين التنويريين ولتثبيت تظامها غير الديمقراطي أو للتغطية على فسادها وعجزها.
ما نطالب به هو حماية الحرية وعقلنتها والحفاظ على ما تبقى من كرامة للمواطن وثوابت للأمة ما دامت القوى المثيرة لفوضى ما يسمى الربيع العربي أكثر سوءا من الأنظمة السابقة عليه،وفي نفس الوقت الالتزام بمتطلبات التحول الديمقراطي وبدولة القانون.
لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


شجرة النسب التركية وثقافة الإبادة
بقلم: محمد طعيمة

قبل وبعد القصف التركي لمعبد عين دارة الاثري في عفرين
بقلم:



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب د. إبراهيم أبراش |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2024
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//