بقلم: محمد طعيمة
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 03-02-2018 - 1717 أيام وتحل الذكرى الـ 501 لأبشع احتلال عرفته المحروسة. ورغم العداء التاريخي للدولة التركية تجاه العرب كـ قومية وكـ كيانات قطرية، واستمرار العداء "العثمانلي" طوال التاريخ المصري الحديث، مرت الذكرى الـ 500 العام الماضي "مرور الكرام".
صحيح أن كفة "الصراع" مالت لصالح القاهرة طوال قرنين. محمد علي/إبراهيم باشا أبوأصبع أذاقوهم الهزيمة مرات.. أوجعها في "قونية"، نهاية ديسمبر 1832، حين أسرا "الصدر الأعظم". ثم عائلتهما.. التي هزمتهم مرتان. ثم الدولة الناصرية.. التي احبطت مشروعهم لغزو سوريا. ودولة ما بعد 30 يونيو.. التي أجهزت على مخططهم للهيمنة على الخريطة العربية عبر أتباعهم الإخوان بالدين، كما سيطر أسلافه العثمانيون على ذات الخريطة باسم نفس الدين.. موظفين "خلافته" لخدمة عرقهم، وهو ما وثقته الثقافة الشعبية المصرية بنسبة التسلط والتجبر على الاخرين لـ العرق التركي، والوحشية على الخازوق التركي.. حصرا. لكن ما فعلوه بالمحروسة طوال 4 قرون احتلال لا يجب نسيانه. "لست رئيس قبيلة ليقاطعوني".. هكذا نَشطّ رجب طيب أردوجان "العرق التركي" لألاف احتشدوا لإستقباله عائدا من مؤتمر دافوس، يناير 2009، عقب إنسحابه احتجاجاً على رفض مدير اللقاء مدّ زمن كلمته عما هو مقرر. وقتها، روج تصرفه "العرقي" كـ دفاع عن غزة، وموقفه من غزة، وفلسطين عامة، يستحق مقالات أخرى، لكننا سنجد تفسير الخروج "العفوي" لتعبير "رئيس القبيلة" إلى الفضاء الدولي الحديث، وأيضا ما أرتكبوه من مجازر.. دموية وحضارية، في "شجرة نسب" دولة الأتراك. البذرة الأولى، الحيثيون.. قبائل هندوأوربية. سكنت الأناضول منذ 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وبدأت "غزواتها" بعدها بألف عام. لم تتوقف حروبها ضد الدولة الفرعونية ومحيطها الحيوي، مستغلة، وقتها، ضعف مصر أخناتون. وفي مواجهتهم نحت تحتمس الثالث مقولته: "من لا يحمي الفرات، ليس من صلبي". يقول المؤرخون إن الحيثيون اعتادوا نهب ثقافات شعوب احتلوها، هكذا نقلوا قوانين حمورابي البابلية حرفياً، ووثقوا تاريخهم باللغتين المسمارية.. السومرية، والهيروغليفية.. الفرعونية، ورغم تدميرهم ما طالوه من حضارات بلاد الرافدين، إلا أن المتخصصين رصدوا حضوراً طاغيا للبابلية والأشورية على أثار الحيثيين. لهذا خاض رمسيس الثاني معاركه ضدهم، أشهرها "قادش" قرب "حمص". ومن بعده أخرجهم رمسيس الثالث من التاريخ، حين دحرهم في موقعتين، بحرية وبرية، وفق خبير المصريات أحمد صالح. البذرة الثانية لـ"شجرة النسب التركية" عرفها التاريخ مع قبائل مُطاردة من المغول. تقول الرواية "القومية العثمانية".. أن "الجد سليمان" فر بعشيرته، عام 1220، من أواسط آسيا واستقر 10 سنوات شرق دولتهم الحالية، ثم واصل شتاته حتى "جعبر" السورية وغرق في الفرات. وتابع أبنه أرطغرل الشتات غربا حيث أسس، عام 1264، إمارته، وأكمل الحفيد، عثمان، توسعات إمبراطورية التي حملت اسمه. لم تنج أرض طالتها "إمبراطورية العِرق التركي" من مجازر توجع ذاكرة شعوبها، منها المحروسة. فمن بين "الاحتلالات" التي "مرت" عليها، كان "التركي" الأبشع، فهو نهب، قبل أرضها وأهلها، جوهرها.. تراكمها الحضاري. 26 يناير 1517، يوم دخول المحتل سليم الأول القاهرة و"خوزقته" للسلطان طومان باي، كان يجب على المصريين اعتباره يوما للإبادة الإنسانية، ونرويجه دوليا كما فعل الأرمن. "الخازوق" لم يكن إبتكارا عثمانيا، لكن "تفننهم" في توظيفه ومكافأة دولتهم للجلاد الذي يطيل عمر الضحية على الخازوق لأطول فترة، وتوسعهم/تلذذهم في استعماله، ربطه بهم.. كأنه تميزهم وميراثهم. (كل شيء إلا الخازوق يا سيدي) عبارة نشطت الذاكرة الجمعية العربية، عام 1996، حين وردت توسلا على لسان ضحية سوري في مسلسل (أخوة التراب). على الهامش.. "الخوزقة العثمانية" اتخذها المحتل الفرنسي مبررا أخلاقيا لـ "شوي" اليد اليمنى لسليمان الحلبي وخوزقته حتى الموت، خارج سياق "دولة الثورة الفرنسية القانوني"، تقول كتاباتهم "انها عقوبة اعتادت الأعراف القانونية العثمانية تطبيقها في البلاد المصرية"! "أعراف الخوزقة العثمانية" طالت، مع العرب، صربيا واليونان. في الأولى تفنن الوالي التركي ليضع أسفل الخازوق نار هادئة.. خلال ثورة "هادزي برادون" التي امتدت من 1804- 1815، منهم 200 مخوزق خلال عام 1814، نزفوا وتفحموا وهم أحياء. وكررها مع ألاف اليونانين، أبرزهم "دياكوس أثناسيوس" عام 1821، بعد هزيمته في معركة "آلامانا"، الذي ظل حيا فوق الخازوق والنار الهادئة ثلاثة أيام، ليخلد بطلا قوميا ورمزا لثورة استمرت حتى 1832 عرفت بحرب الاستقلال، وهو ما ربط الإسلام لدى شعوب أوربية بالوحشية. 26 يناير 1517، يوم دخول المحتل سليم الأول القاهرة، كان "يجب" على الدولة المصرية منذ يوليو 1952، على الأقل، أن تعتبره، وتروجه عالمياً، يوما لـ"الإبادة الحضارية". فيه بدأ أباء أردوجان تجريف ما راكمه المصريون منذ فجر الحضارة، في سابقة وصفها المؤرخ ابن إياس في «بدائع الزهور في وقائع الدهور»، بـ«أبشع الوقائع المنكرة".. "لم يقع لأهل مصر قط مثلها فيما تقدم من الزمان». يرصد ابن اياس موجات الترحيل القسري إلى الإستانة لـ"بنائين ومهندسين ونجارين وحجارين وحدادين ومدهنين ومبلطين ومرخمين، ووراقين وتجار شرب، باسطية وجماعة البردوارية والرسل وطائفة المصانع، وتجار خان الخليلي، وحتى الفَعلة".. "قضاة شافعية ومالكية وحنفية وحنابلة، وكُتاب الخزانة وديوان الجيش ونُظار الإدارات والمصالح والأوقاف".. "مسلمون ونصارى ويهود". خلع التُرك "رخام قصور القلعة وعواميد الأواوين. حتى خيمة المولد، حديث الناس، بقاعتها الفخمة وأواوينها الأربعة وقبتها الشامخة، التي لم يُعمل مثلها، وجمعوا العملات الذهبية والفضية ذات الوزن الكبير، واستبدلوها بأوزان خفيفة".. "أخذوا الكتب النفيسة من المدرسة المحمودية والمؤيدية.. وغيرها". بمشهد التجريف، دشن الراحل أسامة أنور عكاشة ملحمته "أرابيسك"، كان "عبدالرحمن" جد "حسن النعماني"، بين المُرحلين. هكذا "بطلت نحو خمسين صنعة ولم تعد تعمل."، يؤكد ابن إياس. جريمة تفضح كراهية "العِرق التركي" لأي حضارة، وليس أقل، تكفيراً عنها، من إعتراف وإعتذار، وهذه مهمة الدول العربية الحديثة، وأحفاد من رحلوا قسرا إلى الإستانة، ولنا في الأرمن أسوة حسنة.
لا يوجد صور مرفقة
|