بقلم: اللواء الدكتور بهجت سليمان ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 20-01-2018 - 1622 مقدمة في الدستور أولاً: مقدَّمة "الدّستور" هي مجموعة المنطلقاتُ والخلفيّاتُ التي تُعدُّ الأساساتِ الصّلبة التي تُبنى عليها موادُّ الدّستور بوصفهِ "القانون الأسمى في الدّولة"؛ مضافاً إليها الممنوعاتُ التي يجبُ أن يستبعدَها "المُشرّع"، نظراً لانتفاء المصلحة العامّة فيها، و مَنعاً من استحالتها إلى اعتداءاتٍ على واقع "الدّولة" و"المجتمع" و "الأفراد"، في الاستثمار. ونسمّي "مجموعة القواعد" الواردة كمقدّمة للدّستور، "المُحدّداتِ " العامّة والأساسيّة، التي تعكسُ فلسفة الدّولة في الممارسة و الاستراتيجيّات. إنّ محدّدات الدّستور هي "الحدود المفهوميّة" التي تعكس تطوّر فكرةِ "الدّولة" و"المجتمع"، كدولةٍ "متدخّلة" و "راعية"، و كمجتمعٍ يُتيح لأفراده عدالةَ الحياة و التّفكير و العمل. في الفلسفة و في السّياسة، فإنّ "الحدَّ " هو "المفهوم". إنّهُ يُتيحُ الضّروريّ والمناسب، وينفي ما أثبتت التّجربة والمصلحة أنّه معرقلٌ و كابح. فعندما نعتمدُ "المفاهيم" السّياسيةّ والاجتماعيّة المناسبة كمنطلقٍ وموجّهٍ ومُصوّبٍ للعمل، نكونُ قد رسمنا إطاراً متيناً ومضموناً آمِراً لقواعد بناءِ دولة الحاضر والمستقبل. نعكس مفاهيمنا النّاضجة في المُصطلحات المناسبة، كما نقوم بتسويغ استعمالنا للحدود المفهوميّة، لرسم السّياسات العامّة لدولة سورية المستقبل؛ وهذا هو مجالُ عملنا الآن. ثانياً: 1 - المحظورات: لأنّ "أصلَ الأشياءِ الإباحة "..، ينبغي، بدايةً، تقييدُ "المُباحِ "، تحقيقاً للحرّيّة الموصوفة تحجيماً بالضّرورات. وعلى الأخصّ علينا أن نستبعدَ من "القواعد العامّة" كلّ ما من شأنه أن يصُرَّح أو يُلمّحَ إلى أيّة محاصصةٍ اجتماعيّة أو جغرافيّة أو ثقافيّة أو قوميّة أو عرقيّة أو طبقيّة أو دينيّة أو طائفيّة، في صياغة "المجتمع المدنيّ" أو "المجتمع السّياسيّ"، في هيكلة" الحكومة" (الإدارة) و"الحاكميّة" (السّلطة)، مستعيدينَ "مفهوم" سيادة الدّولة على كاملِ "مقوّماتها"، بعد أن شوّهتِ "الحربُ" هذه البديهيّات. - ممارسةُ السّياسة واجبٌ على الدّولة، ومسوّغُ كيانها، بما يحقّقُ أهدافها العامّة واستراتيجياتها الإقليميّة و الدّولية. كما أنّ ممارستها حقٌّ للأفراد في إطار المنظومات العلميّة و الفكريّة و البحثيّة و السّياسيّة والنّقابيّة.. و"الأحزاب"، بما يُحقّقُ وَحدة المجتمع والمواطنين، وتوحيد الأهداف الاجتماعيّة العامّة. كلُّ نشاطٍ ، علنيّ أو سِرِّيّ ، ثقافيّ أو سياسيّ تفريقيّ أو فئويّ منغلقٍ، هو نشاطٌ تقسيميّ وتمزيقيّ، واعتداءٌ على أمن كلّ المجتمع، واعتداء على كلِّ فردٍ فيه، كما هو اعتداءٌ على أمن الدّولة الدّاخليّ والخارجيّ، يُجرّمهُ الدّستور والقوانين العامّة والخاصّة، كخيانة للوطن، ويتساوى في ذلك مع جريمة التّجسّسِ لصالح "العدو"، و"التّخابر" لمصلحة "الخارج"، والتآمر" على "الوطن"، وسائرِ أشكال "الخيانة العُظمى". -"الدّولة السّوريّة" ليست دولةً دينيّة ولا عِرقيّة ولا "قوميّة مانعةً"، كما أنهّا ليست دولة طائفيّة أو قبليّة أو شَخصانيّة كالملكيّاتِ والأَمارات والمشيخات، كما أنهّا ليست دولة عائليّة. و كما أنّ "الدّولة" ليسَ لها ضميرٌ طبيعيّ شَخصانيّ و فرديّ، فإنهّا لا توصَفَ بدينٍ أو بعرقٍ، أو بأيّ محمول آخرَ من شأنِهِ تحجيمُ تاريخها والانتقاصُ من رحابةِ غناها التّاريخيّ المديد؛ هذا أيضاً ينطبقُ على شَخصِ "رئيس الدّولة" الاعتباريّ، على اعتباره رمزاً للدّولة، كما هو "علم الدّولة". - جميعُ العُلاقات الفرديّة و الشّخصيّة بين الأفراد الطّبيعيين في المجتمع، وما ينشأ في سياقهِ من "علاقات" و روابط و مصالح، وحقوق وواجبات..، لا تخضعُ في قيامها و تنظيمها سوى إلى مبادئ "الحقّ العامّ" و"قواعد العدالة الطّبيعيّة" المكرّسة في "القانون الوضعيّ". و على هذا لا بُدّ أن يتألّفَ "قانون الأحوال الشّخصيّة" السّوريّ، إلّا مَن انعقدت إرادته من "الأفراد" على أن يتّبعَ قواعد "المحاكم المذهبيةّ" الخاصّة، بشروطٍ لا تتبنّاها "الدّولة"، إلّا ما خرجَ منها على إطار "الأحوال الشّخصّية"، فإنّه يخضعُ للقوانين "الوضعيّة" العامّة و الخاصّة. هذه هي "المحظورات" الأهمّ في "روح" و "بناء" الدّستور. 2 - الواجبات: إنّ ما يجب على "المُشرّعِ " أن يُضمّنَهُ في "الدّستور"، يعكس طموح "المجتمع" و "الأفراد" و "الدّولة" في التزام طريق التّطوّر والتّقدّم والخير، التي على سلطات "الدّولة" ضمانها ورعايتها، تحقيقاً للعدالة، ووضعِ المجتمع والدّولة على سِكّة التّطوّر العالميّ . - تعتبر "هويّة" الدّولةِ - أيّة دولة- و "انتماؤها"، حصيلةً تاريخيّة طبيعيّة وموضوعيّةً وقدَرِيّةً أيضاً، لا يجوز ولا يُمكنُ الاتّفاق على ما يُخالفها في الشّرائع الوضعيّة، أيّاً كانت هذه "الوضعيّات". و"هويّة" الدّولة واجبة التّكريس في "الدّستور"، إلّا منها تلك "المُلحقاتِ" على "الهويّة" و"الانتماء"، التي أثبت "التّاريخ" وأثبتت "التّجربة"، أنهّا "عواملُ " فرقةٍ وتفريقٍ وانقسامٍ وتقسيمٍ وتمزيقٍ وعزلةٍ وانعزالٍ، وخلاف، وحروب..! يمتدّ تاريخُ (سورية) إلى آلاف السّنين، وتالياً هويّتها "السّوريّة" المستقرّة، مع ما رفدَها من ثقافةٍ "عربيّة"، غدَت علامةً مميِّزةً للهويّة والانتماء. وعلى هذا فإنّ مبدأ "هويّة" الدّولة، في "الدّستور"، هو أنّ (سورية) دولةٌ عربيّة- سوريّة. و هذا توصيفٌ يصاغُ صياغةً مستحدثةً، في أنّها دولة عربيّة وسوريّة في آنٍ واحدٍ معاً، حيثُ تمتدّ ثقافتها "العربيّة" تمتدّ إلى أصولها التّاريخيّة "السّوريّة"، بدون انقطاع. فتكريس "هويّة" عربيّة و سوريّة كضمان انتماءٍ..، يسمحُ للدّستور أن يجمع "العربيّة" إلى "السّوريّة"، فيخرجُ من "مغالطةٍ" سياسيّة تسرّبت إلى "المفاهيم" في ظروفِ الخطاب "القوميّ" العاطفيّ.. وهذا أحد الحلول الذي يستطيع فيها "الدّستور" أن يستوعب التّحوّلات السّياسيّة والاجتماعيّة المعاصرة، دون أن يكون موجّهاً توجيهاً عدائيّاً لتاريخنا السّياسيّ في سورية، على مدى الخمسين سنة الماضية. - "الأمّة"، في إطارِ "الدّولة"، مفهومٌ جغرافيّ وسياسيّ وثقافيّ .. وسياديّ ، لا يُمكن حذفهُ من "الدّساتير" المعاصرة، والأوَلى من "الدّستور" السّوريّ الذي ينظّمُ واقع ومستقبل شعبٍ مستضعفٍ ومجتمعٍ مغلولٍ، في إطار عُلاقاتٍ إقليميّة ودوليّة.. وعالميّة، مُفترسة..! - لا يُعوَّل فكريّاً ولا سياسيّاً على التّفريق بين "الدّولة المدنيّة" و"الدّولة العلمانيّة"، وهما بمعنى واحد، لولا أنّ إخفاقَ صياغة "المُصطلحات" هو ما يؤدّي إلى اشتباه "الثّقافة" العامّة باختلاف. فالأصلُ أن يُقالَ: دولة مدنيّة تتبنّى "النّظام العلمانيّ". فنظامُ الدّولة جُزءٌ منها وليس العكس.. وقد لا يفي أحد المصطلحين بالغرض، فنحتاج إلى تضمين النظام العلماني أو العلمانية في طيّات مصطلح الدولة المدنية. ويدخلُ في هذا شكلُ الدّولة و فلسفتها في "التدّخّل" الاقتصاديّ، وحدود هذا التدّخّل.. ومن الضّروريّ التوّسّع في نظرة الدّولة الاقتصاديّة، بحيثُ تحافظُ على "القَطّاع" العام، وتعملُ على بناء "قطاع" خاصّ جِدّيّ..، وتسهمُ في الوقت ذاته في "القطاع" المشترك، وفق تشريعاتٍ آمرة وحازمة، لها مؤيّداتهُا وجزاءاتهُا المناسبة. والدّولة المدنيّة بنظامها العلمانيّ، هي صيغة الدّولة المعاصرة التي يجب أن يتبنىّ صياغتها "الدّستور". و ذلك دون إشارة إلى أي لاحقةٍ أخرى، وبخاصّة منها "الدّينيّة"! قلنا ما يُشبه هذا في "المحظوراتِ، ويجب أن نُعيد: التدّيُّنُ والإيمانُ، علاقة "ضَميريّة" مع "المعتقدات" التي تأخذُ شكلها الخاصّ، مع الفردِ الواحد بما يختلف عن سائر الأفراد الآخرين. إنهّا مسألةٌ أكثرُ باطنيّةً من شخصيّة أو فرديّة.. ومن تحصيل الحاصل، أنّ "الدّستور" لا يُمكنهُ، ولا يجبُ أن يطمحَ إلى تنظيمِ الضّمائر الفرديّة للسّكان والمواطنين. ومن باب "النّفاقِ" و "التّزَيدِ"، أن يصوغَ "الدّستور" ويأمر" بدين الفردِ أو الأفرادِ، ناهيكَ عن المبالغة في الرِّياءِ، والإسفافِ..، إذا "هو" أتى على ذكر "دين الدّولة" أو "دين رئيس الدّولة". - إنّ علمانيّة النّظام في الدّولة المدنيّة العتيدة، تقتضي تطبيقاً لها، في المناهج التّربويّة والتّعليميّة بكافّة مستوياتها ودرجاتها، وكذلك في الإدارة والحكومة كأدواتٍ ثقافيّة، وأيضاً فيما يمتدّ أثرُهُ إلى التّشريعات الوضعيّة بشأن الأحوال الشّخصيّة، كما قد تقدّمنا به أعلاه. - إنّ نظريّةً للأمن الإقليميّ السّوري، لا تدرَكُ إلّا عبرَ التّحالفاتِ السّوريّة الإقليميّة والدّوليّة، في العلاقات الثّنائيّة والعلاقاتِ المتعدّدة الأطراف في المنظومات والكتل السّياسيّة العالميّة، بناء على رؤيةٍ دستوريّة سوريّة واضحةٍ، لبِنية الدّولة وقابليّة نظامها العلمانيّ، للاندماج في مفردات العالم. وعلى الفلسفة السّياسيّة التي يتضمّنها "الدّستور"، يتوقّفُ مستقبل "سورية" الاجتماعيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ والسّياديّ، والعالميّ. وهذا باختصارٍ ما يُمكنُ أن يُشكّلَ الضّرورات والواجبات التي ينبغي أن يتضمّنها "دستور" معاصر، يَليقُ بسورية المصدر : موقع فينكس FENIKS
لا يوجد صور مرفقة
|