في عام 1982 نشرت مجلة " كيفونيم " التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية ، وثيقة بعنوان " إستراتيجية إسرائيلية للثمانينات ". ولقد نشرت الوثيقة باللغة العبرية . وتم ترجمتها إلى اللغة العربية، وقدمها الدكتور / عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988 ولقد رأيت أهمية إعادة نشر هذه الوثيقة الآن للأسباب الآتية:
• إن تقسيم العراق كأحد أهداف العدوان الامريكى على العراق هو أحد الأفكار الرئيسية الواردة في الوثيقة المذكورة
• إن الخطط الحالية الساعية لفصل جنوب السودان وتقسيمه ، هي أيضا ضمن الأفكار الواردة في الوثيقة .
• إن الاعتراف الرسمي بالامازيغية كلغة ثانية ، بجوار اللغة العربية في الأردن، خطوة لا تبتعد عن التصور الصهيوني عن المغرب العربي .
• إن مخطط تقسيم لبنان إلى عدد من الدويلات الطائفية ، الذي حاولت الدولة الصهيونية تنفيذه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، وفشلت في تحقيقه ، هو تطبيق عملي لما جاء بهذه الوثيقة بخصوص لبنان .
• إن الحديث الدائر الآن في الأوساط الصهيونية حول تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ، والتخوفات العربية من استغلال أجواء احتلال العراق لتنفيذ ذلك ، هو من أساسيات الأفكار المطروحة في الوثيقة .
• وأخيراً وليس آخرا، إن الأخطار التي تتعرض لها مصر، واردة بالتفصيل في الوثيقة الصهيونية.
والحديث عن وثيقة من هذا النوع، ليس حديثا ثانويا ، فهم ينصصون فيها صراحة على رغبتهم في مزيد من التفتيت لامتنا العربية والإسلامية.
كما أن تاريخنا الحديث هو نتاج لمشروعات استعمارية مماثلة ، بدأت أفكارا ، وتحولت إلى اتفاقات ووثائق ، تلزمنا وتحكمنا حتى الآن :
• فمعاهدة لندن 1840 سلخت مصر منذئذ وحتى تاريخه عن الأمة العربية . فسمحت لمحمد على وأسرته بحكم مصر فقط ، وحرمت عليه أي نشاط خارجها . ولذلك نسمى هذه الاتفاقية " اتفاقية كامب ديفيد الأولى ".
• واتفاقية سايكس بيكو 1916 قسمت الوطن العربي ، هذا التقسيم البائس الذي نعيش فيه حتى الآن ،والذي جعلنا مجموعة من العاجزين ، المحبوسين داخل حدودا مصطنعة ، محرومين من الدفاع عن باقي شعبنا وباقي أرضنا في فلسطين أو في العراق أو في السودان .
• ووعد بلفور 1917 كان المقدمة التي أدت إلى اغتصاب فلسطين فيما بعد .
• ثم تلاه وقام على أساسه، صك الانتداب البريطاني على فلسطين في 29 سبتمبر 1922 ، الذي اعترف في مادته الرابعة بالوكالة اليهودية من أجل إنشاء وطن قومي لليهود. فأعطوا بذلك الضوء الأخضر للهجرة اليهودية إلى فلسطين .
فلما قوى شأن العصابات الصهيونية في فلسطين، أصدرت لهم الأمم المتحدة، قرارا بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، وهو القرار الذي أعطى مشروعية للاغتصاب الصهيوني. وأنشأت بموجبه دولة إسرائيل . وهو القرار الذي رفضته الدول العربية في البداية . وظلت ترفضه عشرين عاما. لتعود وتعترف به بموجب القرار رقم 242 الصادر من الأمم المتحدة في 1967، الذي ينص على حق إسرائيل في الوجود، و حقها أن تعيش في أمان على أرض فلسطين المغتصبة.
وعلى أساس هذا القرار أبرمت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26 /3 / 1979، والتي بموجبها خرجت مصر من الصراع العربي ضد المشروع الصهيوني، واعترفت بإسرائيل وتنازلت لها عن 78 % من فلسطين. لتلحق بنا منظمة التحرير الفلسطينية عاما 1993 ثم الأردن 1994 وأخيرا جامعة الدول العربية عام 2002. كل ذلك وغيره الكثير، بدأ أفكارا، وأهدافا استعمارية، وتحول فيما بعد إلى حقائق.
وبالتالي ليس من المستبعد أبدا إن تتحول الأفكار، التي وردت في الوثيقة الصهيونية المذكورة، إلى أمر واقع ولو بعد حين. خاصة الآن بعد الاحتلال الامريكى للعراق ، ومخاطر التقسيم التي تخدم ذات التصور الصهيوني عن المنطقة والوثيقة الصهيونية منشورة في الصفحات التالية بنص كلماتها و فقراتها ، مع فرق واحد ، هو اننى أخذت ما جاء متفرقا بالوثيقة بخصوص كل قطر ، و قد قمت بتجميعه في فقرة واحدة ،وحاولت ترقيمه وتبنيده ، لتسهل متابعته . وأخيرا فان الهدف كمخطط، هو أن ننظر إلى العدوان علينا في مساره التاريخي. وأن نراه على حقيقته كمخطط ، موحد ، منتظم ، متسلسل ، وأن نحرر أنفسنا من منطق التناول المجزأ لتاريخنا، الذي يقسمه إلى حوادث منفصلة عن بعضها البعض. آملا في النهاية ألا نبني أفكارنا على مجموعة من الانفعالات وردود الفعل اللحظية المؤقتة ، التي تعلو وقت الشدة ، وتخبو في الأوقات الأخرى . فتاريخنا كله ومنذ زمن بعيد ، ولزمن طويل آت ، هو وقت شدة .
نص الوثيقة الصهيونية : أولا : نظرة عامة على العالم العربي والاسلامى : إن العالم العربي الاسلامى هو بمثابة برج من الورق أقامه الأجانب ( فرنسا وبريطانيا في العشرينيات ) ، دون أن توضع في الحسبان رغبات وتطلعات سكان هذا العالم .
- لقد قسم هذا العالم إلى 19 دولة كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة ، والتي تعادى كل منهما الأخرى وعليه فان كل دولة عربية إسلامية معرضة اليوم لخطر التفتت العرقي والاجتماعي في الداخل إلى حد الحرب الداخلية كما هو الحال في بعض هذه الدول .
- وإذا ما أضفنا إلى ذلك الوضع الاقتصادي يتبين لنا كيف أن المنطقة كلها ، في الواقع ، بناء مصطنع كبرج الورق ، لايمكنه التصدي للمشكلات الخطيرة التي تواجهه.
- في هذا العالم الضخم والمشتت، توجد جماعات قليلة من واسعي الثراء وجماهير غفيرة من الفقراء. إن معظم العرب متوسط دخلهم السنوي حوالي 300 دولار في العام.
- إن هذه الصورة قائمة وعاصفة جدا للوضع من حول إسرائيل ، وتشكل بالنسبة لإسرائيل تحديات ومشكلات وإخطار ، ولكنها تشكل أيضا فرصا عظيمة ….
ثانيا – مصر1) في مصر توجد أغلبية سنية مسلمة مقابل أقلية كبيرة من المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية في مصر العليا ، حوالي 8 مليون نسمة . وكان السادات قد أعرب في خطابه في مايو من عام 1980 عن خشيته من أن تطالب هذه الأقلية بقيام دولتها الخاصة أي دولة لبنانية مسيحية جديدة في مصر ..
2) و الملايين من السكان على حافة الجوع نصفهم يعانون من البطالة وقلة السكن في ظروف تعد أعلى نسبة تكدس سكاني في العالم.
3) وبخلاف الجيش فليس هناك أي قطاع يتمتع بقدر من الانضباط والفعالية.
4) والدولة في حالة دائمة من الإفلاس بدون المساعدات الخارجية الأمريكية التي خصصت لها بعد اتفاقية السلام.
5) إن استعادة شبه جزيرة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطي يجب إذن أن يكون هدفا أساسيا من الدرجة الأولى اليوم…. إن المصريين لن يلتزموا باتفاقية السلام بعد إعادة سيناء ، وسوف يفعلون كل ما في وسعهم لكي يعودوا إلى أحضان العالم العربي ، وسوف نضطر إلى العمل لإعادة الأوضاع في سيناء إلى ما كانت عليه ….
6) إن مصر لأتشكل خطرا عسكريا استراتيجيا على المدى البعيد بسبب تفككها الداخلي ، ومن الممكن إعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه بعد حرب يونيه 1967 بطرق عديدة .
7) إن أسطورة مصر القوية والزعيمة للدول العربية قد تبددت في عام 1956 وتأكد زوالها في عام 1967.
8) إن مصر بطبيعتها وبتركيبتها السياسية الداخلية الحالية هي بمثابة جثة هامدة فعلا بعد سقوطها ، وذلك بسبب التفرقة بين المسلمين والمسيحيين والتي سوف تزداد حدتها في المستقبل . إن تفتيت مصر إلى أقاليم جغرافية منفصلة هي هدف إسرائيل السياسي في الثمانينات على جبهتها الغربية.
9) إن مصر المفككة والمقسمة إلى عناصر سيادية متعددة ، على عكس ماهو ظاهر عليه الآن ، سوف لأتشكل أي تهديد لإسرائيل بل ستكون ضمانا للزمن والسلام لفترة طويلة ، وهذا الأمر هو اليوم متناول أيدينا .
10) إن دول مثل ليبيا والسودان والدول إلا بعد منها سوف لايكون لها وجود بصورتها الحالية، بل ستنضم إلى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر.
فإذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الأخر. إن فكرة إنشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا إلى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الإقليمية في مصرـ بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم ـ هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التاريخي .
ثالثا - ليبيا
إن القذافي شن حروبه المدمرة ضد العرب أنفسهم انطلاقة من دولة تكاد تخلو من وجود سكان يمكن أن يشكلوا قومية قوية وذات نفوذ. ومن هنا جاءت محاولاته لعقد اتفاقيات باتحاد مع دولة حقيقية كما حدث في الماضي مع مصر ويحدث اليوم مع سوريا.
رابعا – السودان:
وأما السودان أكثر دول العالم العربي الإسلامي تفككا فإنها تتكون من أربع مجموعات سكانية كل منها غريبة عن الأخرى ، فمن أقلية عربية مسلمة سنية تسيطر على أغلبية غير عربية افريقية إلى وثنيين إلى مسيحيين .
خامسا – سوريا
1) إن سوريا لاتختلف اختلافا جوهريا عن لبنان الطائفية باستثناء النظام العسكري القوى الذي يحكمها . ولكن الحرب الداخلية اليوم تدل على مدى خطورة المشكلة الداخلية .
2) إن تفكك سوريا والعراق في وقت لاحق إلى أقاليم ذات طابع قومي وديني مستقل ، كما هو الحال في لبنان ، هو هدف إسرائيل الاسمى في الجبهة الشرقية على المدى القصير ، فسوف تتفتت سوريا تبعا لتركيبتها العرقية والطائفية إلى دويلات عدة كما هو الحال الآن في لبنان .
3) وعليه فسوف تظهر على الشاطئ دويلة علوية
4) وفى منطقة حلب دويلة سنية
5) وفى منطقة دمشق دويلة سنية أخرى معادية لتلك التي في الشمال
6) وأما الدروز فسوف يشكلون دويلة في الجولان التي نسيطر عليها
7) وكذلك في حوران وشمال الأردن وهذا سوف يكون ذلك ضمانا للأمن والسلام في المنطقة بكاملها على المدى القريب . وهذا الأمر هو اليوم في متناول أيدينا .
سادسا – العراق
1) إن العراق لاتختلف كثيرا عن جارتها ولكن الأغلبية فيها من الشيعة والأقلية من السنة ، إن 65% من السكان ليس لهم أي تأثير على الدولة التي تشكل الفئة الحاكمة فيها 20% إلى جانب الأقلية الكردية الكبيرة في الشمال.
2) ولولا القوة العسكرية للنظام الحاكم وأموال البترول ، لما كان بالإمكان إن يختلف مستقبل العراق عن ماضي لبنان وحاضر سوريا .
3) إن بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح فيها اليوم.
4) إن العراق الغنية بالبترول والتي تكثر فيها الفرقة والعداء الداخلي هو المرشح التالي لتحقيق أهداف إسرائيل.
5) إن تفتيت العراق هو أهم بكثير من تفتيت سوريا وذلك لأن العراق أقوى من سوريا.
6) إن في قوة العراق خطورة على إسرائيل في المدى القريب أكبر من الخطورة النابعة من قوة أية دولة أخرى .
7) وسوف يصبح بالإمكان تقسيم العراق إلى مقاطعات إقليمية طائفية كما حدث في سوريا في العصر العثماني
8) وبذلك يمكن إقامة ثلاث دويلات ( أو أكثر ) حول المدن العراقية
سابعا- لبنان :
أما لبنان فإنها مقسمة ومنهارة اقتصاديا لكونها ليس بها سلطة موحدة ، بل خمس سلطات سيادية ( مسيحية في الشمال تؤيدها سوريا وتتزعمها أسرة فرنجية.
وفى الشرق منطقة احتلال سوري مباشر ، وفى الوسط دولة مسيحية تسيطر عليها الكتائب ، والى الجنوب منها وحتى نهر الليطانى دولة لمنظمة التحرير الفلسطينية هي في معظمها من الفلسطينيين ، ثم دولة الرائد سعد حداد من المسيحيين وحوالي نصف مليون من الشيعة ) .
ثامنا- السعودية والخليج:
1) إن جميع إمارات الخليج وكذلك السعودية قائمة على بناء هش ليس فيه سوى البترول .
2) وفى البحرين يشكل الشيعة أقلية السكان ولكن لانفوذ لهم .
3) وفى دولة الإمارات العربية المتحدة يشكل الشيعة أغلبية السكان
4) وكذلك الحال في عمان
5) وفى اليمن توجد أقلية شيعية كبيرة في جنوب اليمن.
6) وفى السعودية نصف السكان من الأجانب المصريين واليمنيين وغيرهم بينما القوى الحاكمة هي أقلية من السعوديين.
7) وأما في الكويت فان الكويتيين يشكلون ربع السكان فقط
8) إن دول الخليج والسعودية وليبيا تعد أكبر مستودع في العالم للبترول والمال ولكن المستفيد بكل هذه الثروة هي أقليات محدودة لاتستند إلى قاعدة عريضة وأمن داخلي ، وحتى الجيش ليس باستطاعته أن يضمن لها البقاء .
9) وان الجيش السعودي بكل مالديه من عتاد لايستطيع تأمين الحكم ضد الأخطار الفعلية من الداخل والخارج . وماحدث في مكة عام 1980 ليس سوى مثال لما قد يحدث .
10)إن شبه الجزيرة العربية بكاملها يمكن أن تكون خير مثال للانهيار والتفكك كنتيجة لضغوط من الداخل ومن الخارج وهذا الأمر في مجمله ليس بمستحيل على الأخص بالنسبة للسعودية سواء دام الرخاء الاقتصادي المترتب على البترول أو قل في المدى القريب .
إن الفوضى والانهيار الداخلي هي أمور حتمية وطبيعية على ضوء تكوين الدول القائمة على غير أساس .
تاسعا – المغرب العربي :
1- ففي الجزائر هناك حرب أهلية في المناطق الجبلية بين الشعبين اللذين يكونان ساكنين هذا البلد
2- كما أن المغرب والجزائر بينهما حرب بسبب المستعمرة الصحراوية الاسبانية بالإضافة إلى الصراعات الداخلية التي تعانى منها كل منهما .
3-كما أن التطرف الاسلامى يهدد وحدة تونس .
عاشراً ـ إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان:
1-فإيران تتكون من النصف المتحدث بالفارسية والنصف الآخر تركي من الناحية العرقية واللغوية ، وفى طباعه أيضا .
2- وأما تركيا منقسمة إلى النصف من المسلمين السنة أتراك الأصل واللغة ، والنصف الثاني أقليات كبيرة من 12 مليون شيعي علوي و6 مليون كردى سني .
3- وفى أفغانستان خمسة ملايين من الشيعة يشكلون حوالي ثلث عدد السكان.
حادي عشر - الأردن وفلسطين :
والأردن هي في الواقع فلسطينية حيث الأقلية البدوية من الأردنيين هي المسيطرة ، ولكن غالبية الجيش من الفلسطينيين وكذلك الجهاز الادارى . وفى الواقع تعد عمان فلسطينية مثلها مثل نابلس . وهى هدف استراتيجي وعاجل للمدى القريب وليس للمدى البعيد وذلك أنها لن تشكل أي تهديد حقيقي على المدى البعيد بعد تفتيتها . و من غير الممكن أن يبقى الأردن على حالته وتركيبته الحالية لفترة طويلة . أن سياسة إسرائيل – إما بالحرب أو بالسلم – يجب أن تؤدى إلى تصفية الحكم الأردني الحالي ونقل السلطة إلى الأغلبية الفلسطينية . إن تغيير السلطة شرقي نهر الأردن سوف يؤدى أيضا إلى حل مشكلة المناطق المكتظة بالسكان العرب غربي النهر سواء بالحرب أو في ظروف السلم . إن زيادة معدلات الهجرة من المناطق وتجميد النمو الاقتصادي والسكاني فيها هو الضمان لاحداث التغير المنتظر على ضفتي نهر الأردن. ويجب أيضا عدم الموافقة على مشروع الحكم الذاتي أو أي تسوية أو تقسيم للمناطق . وانه لم يعد بالإمكان العيش في هذه البلاد في الظروف الراهنة دون الفصل بين الشعبين بحيث يكون العرب في الأردن واليهود في المناطق الواقعة غربي النهر . إن التعايش والسلام الحقيقي سوف يسودان البلاد فقط إذا فهم العرب بأنه لن يكون لهم وجود ولا أمن دون التسليم بوجود سيطرة يهودية على المناطق الممتدة من النهر إلى البحر، وأن أمنهم وكيانهم سوف يكونان في الأردن فقط. إن التميز في دولة إسرائيل بين حدود عام 1967 وحدود عام 1948 لم يكن له أي مغزى. وفى أي وضع سياسي أو عسكري مستقبلي يجب أن يكون واضحا بأن حل مشكلة عرب إسرائيل سوف يأتي فقط عن طريق قبولهم لوجود إسرائيل ضمن حدود آمنة حتى نهر الأردن ومابعده. تبعا لمتطلبات وجودنا في العصر الصعب ( العصر الذرى الذي ينتظرنا قريبا) فليس بالإمكان الاستمرار في وجود ثلاثة أرباع السكان اليهود على الشريط الساحلي الضيق والمكتظ بالسكان في العصر الذرى . إن إعادة توزيع السكان هو إذن هدف استراتيجي داخلي من الدرجة الأولى ، وبدون ذلك فسوف لانستطيع البقاء في المستقبل في إطار أي نوع من الحدود ، إن مناطق يهودا والسامرة والجليل هي الضمان الوحيد لبقاء الدولة . وإذا لم نشكل أغلبية في المنطقة الجبلية فإننا لن نستطيع السيطرة على البلاد. وسوف نصبح مثل الصليبيين الذين فقدوا هذه البلاد التي لم تكن ملكا لهم في الأصل وعاشوا غرباء فيها منذ البداية. إن إعادة التوازن السكاني الاستراتيجي والاقتصادي لسكان البلاد هو الهدف الرئيسي والاسمي لإسرائيل اليوم . إن السيطرة على المصادر المائية من بئر سبع وحتى الجليل الأعلى ، هي بمثابة الهدف القومي المنبثق من الهدف الاستراتيجي الاساسى ، والذي يقضى باستيطان المناطق الجبلية التي تخلو من اليهود اليوم .