تحدثت بعض المصادر الأمريكية نقلاً عن تسريبات إسرائيلية، عن قيام أجهزة المخابرات الإسرائيلية بإعداد تخمين لتطورات الوقائع الجارية حالياً ضمن فعاليات الحدث السوري، وأشارت التسريبات بأن التخمين الاستخباري الإسرائيلي قد تم تقديمه للجهات الإسرائيلية العليا المعنية بالأمر: فما هي حقيقة التخمين الإسرائيلي وما هي الخطوط العامة التي تطرق إليها؟
* تخمين المخابرات الإسرائيلية: أبرز المعالم والخطوط العامة :
• تحدثت صحيفة وورلد تريبيون الأمريكية نقلاً عن مصادرها في تل أبيب، عن قيام الإسرائيليين بإعداد تخمين استخباري، لجهة تحديد واقع الحدث السوري وتطوراته المحتملة، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
تم إعداد تقرير التخمين الاستخباري بواسطة ما أطلقت عليه الصحيفة تسمية مجمع الاستخبارات الإسرائيلي أي الكيان الذي يضم ممثلين عن كل أجهزة المخابرات الإسرائيلية: الموساد (الأمن الخارجي) ـ الشين بيت (الأمن الداخلي) ـ أمان (الأمن العسكري).
• تعاونت أجهزة المخابرات الإسرائيلية في إعداد التخمين مع العديد من أجهزة الأمن الإقليمية والدولية، ذات العلاقة والصلة بالمخابرات الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص في مجال تبادل المعلومات وما شابه ذلك.
• أشار التخمين إلى أمل الإسرائيليين بأن يحدث انهيار في دمشق.
• افترض التخمين حدوث تراجع في قدرة دمشق على السيطرة.
• افترض التقرير حدوث إحباط في أوساط حلفاء دمشق.
• افترض التقرير بأن حلفاء دمشق أصبحوا أكثر سلبية لجهة دعم دمشق.
* ماذا تقول مقاربات التخمين الاستخباري الإسرائيلي للحدث السوري:
• من الواضح، وبالاستناد على المعلومات التي أوردتها التسريبات نلاحظ أن التخمين الاستخباري الإسرائيلي قد سعى إلى بناء منظور إدراكي ـ قيمي من خلال الآتي:
أولاً: مقاربة البيئة السياسية الداخلية: وصف التخمين البيئة السياسية السورية الداخلية على أساس اعتبارات الفرضيات الآتية :
• يوجد تراجع في قدرة دمشق لجهة القيام بالسيطرة، وهو تراجع يؤدي إلى تآكل هذه القدرة.
• لم تنجح دمشق في مقابلة توقعات العديد من عناصر ورموز النخبة السياسية، إضافة إلى عدم النجاح في مقابلة توقعات حلفاء دمشق في المنطقة وعلى وجه الخصوص إيران.
• توقعات النخبة السياسية، وتوقعات الحلفاء الإقليميين تتمثل حصراً في قدرة دمشق على احتواء الاحتجاجات وإنهاءها.
ثانياً: مقاربة البيئة السياسية الخارجية: وصف التخمين البيئة السياسية السورية الخارجية على أساس اعتبارات الفرضيات الآتية:
• وجدت حركة الاحتجاجات السورية الجارية حالياً، قوة الدفع الكبرى والرئيسية بواسطة العديد من الأطراف الخارجية، وعلى وجه الخصوص الأطراف الإقليمية.
• حدثت عمليات تسلل كبيرة إلى داخل سوريه عبر الحدود الأردنية والعراقية واللبنانية، إضافة إلى عمليات تهريب كبيرة للأسلحة والمتفجرات عبر نفس هذه الحدود.
• الأطراف الإقليمية الرئيسية التي قامت بدعم عمليات تسلل العناصر وتهريب الأسلحة والمتفجرات هي أطراف: سعودية ـ عراقية ـ أردنية ـ لبنانية.
• تضمن الدعم الإقليمي الخارجي، قيام بعض الأطراف الإقليمية، بعمليات تمويل كبيرة لجهة تغطية النفقات اليومية بالقدر الكافي لتسيير حركة الاحتجاجات، بما يؤمن استمرارها يومياً.
• تتضمن ميزانية النفقات اليومية، مبالغ مخصصة لتمويل عمليات التقاط الصور وبثها عبر أجهزة الخليوي المتطورة الخاصة، إضافة إلى تمويل المحادثات التي تسعى لفبركة الوقائع، إضافة إلى تقديم الحوافز والمكافآت الكبيرة لعمليات الاغتيال التي يتم تنفيذها، وعلى وجه الخصوص ضد رجال الجيش والأمن والشرطة.
نلاحظ أن التخمين الاستخباري الإسرائيلي قد سعى إلى الاكتفاء برصد ملامح البيئة السياسية السورية الداخلية والخارجية على أساس مقاربتها من خلال هذه المعطيات.
* توقعات التخمين الاستخباري الإسرائيلي: دمشق إلى أين؟
سعى التخمين الاستخباري الإسرائيلي بشكل مباشر إلى تحديد الحدث الأكثر احتمالاً لجهة الحدث في دمشق، قائلاً الآتي:
• الأكثر أهمية بالنسبة للإسرائيليين في الوقت الحالي هو انهيار دمشق.
• الاحتمال الأول، المتوقع إسرائيلياً هو حدوث انقلاب قصر داخل دمشق.
• الاحتمال الثاني: المتوقع إسرائيلياً هو قيام طرف إقليمي بالتنسيق مع طرف داخلي لجهة تنفيذ الانقلاب، بما يؤدي بالضرورة إلى ضمان استمرارية مصالح الطرف الإقليمي الشديد الارتباط بدمشق. يلحظ هنا أن التخمين الاستخباري الإسرائيلي، قد اكتفى بتحديد التوقعات دون أن يقدم التسلسل المنطقي المتعلق بمجريات الأحداث والوقائع المفترضة الحدوث خلال الفترات القادمة، على النحو الذي يعطي قدراً كبيراً من المصداقية لاحتمالات حدوث التوقعات الإسرائيلية.وإضافة لذلك نلاحظ أن سياق التوقعات التي حددها التخمين، تتميز بضعف البناء السيناريوي، بحيث على سبيل المثال لا الحصر أشار التقرير إلى جملة فرضيات، يمكن تقييمها على النحو الآتي:
• في السابق كانت توقعات الإسرائيليين تقول بأن دمشق سوف تحصل بشكل فوري ومباشر على دعم حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني. بما يمكن دمشق بالضرورة القيام بالقضاء الفوري السريع على حركة الاحتجاجات، ونلاحظ في هذه النقطة أن البناء السيناريوي معكوس تماماً. وذلك لأن دمشق لم يحدث أن اعتمدت في بناء قدراتها على حركة حماس أو على حزب الله اللبناني، وذلك لأن الصحيح هو أن حركة حماس وحزب الله اللبناني كانا وما زالا يعولان على دعم دمشق في عملية بناء قدراتهما. وهي حقيقة شهدت بها كل أجهزة المخابرات الغربية وعلى وجه الخصوص المخابرات الأمريكية. إضافة إلى تقارير المخابرات الإسرائيلية السابقة التي ظلت تتهم دمشق بدعم حركة حماس وحزب الله اللبناني وليس العكس.
• في الوقت الحالي تبين للإسرائيليين أن حركة حماس وحزب الله اللبناني قد اختارا الوقوف بعيداً وترك دمشق تقف منفردة في مواجهة خطر الاحتجاجات. ونلاحظ في هذه النقطة، وجود قدر من المصداقية، فقد وقفت هذه الحركات بعيداً، وذلك لسببين، الأول أن دمشق لم تسع إلى طلب المساعدة من هذه الحركات، والثاني أن حزب الله موجود في الساحة اللبنانية وليس في سوريا، أما بالنسبة لحركة حماس فهي موجودة في سوريا، وحصراً في أوساط اللاجئين الفلسطينيين وليس المواطنين السوريين. وهنا تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال إيهود باراك، على خلفية التخمين الاستخباري الإسرائيلي، مشيراً إلى النقاط الاستنتاجية الآتية:
• كلما استمرت حركة الاحتجاجات كلما ضعفت قدرة دمشق على السيطرة والمطلوب إسرائيلياً هو العمل من أجل دعم استمرار هذه الاحتجاجات.
• كلما سقط المزيد من القتلى والضحايا كلما تزايدت معدلات التصعيد والكراهية والمطلوب إسرائيلياً تعزيز استمرار ذلك. وبرغم الاحتجاجات المباشرة التي سعى التخمين الاستخباري الإسرائيلي إلى محاولة تأكيدها، فإنه في نهاية الأمر، انطوى على قدر كبير من التناقض الاستنتاجي، من خلال الآتي:
• أعطت دمشق فرصة أسبوعين للمتورطين في الاحتجاجات لجهة القيام بتسليم أنفسهم للسلطات السورية.
• بعد انتهاء الأسبوعين، سوف يصبح من الممكن تحديد ما الذي سوف يحدث في دمشق.
إن نقطة ضعف التخمين الاستخباري تمثلت في أنه لجأ إلى التأسيس على ما يطلق عليه خبراء نظرية تحليل النظم تسمية "سيناريو النهاية المفتوحة"، وحتى النهاية المفتوحة التي أشار إليها التخمين، هي نهاية غير واضحة المعالم ويرتبط شكلها بعملية "الانتظار ريثما تكتمل فترة الأسبوعين!"، وعلى ما يبدو، فإن التخمين الاستخباري الإسرائيلي قد سعى إلى تجاهل المعطيات الواقعية واتجه نحو بناء المعطيات الافتراضية، بما يتيح بناء التوقعات ضمن سيناريو افتراضي ينسجم مع النوايا الإسرائيلية غير المعلنة والتي من أبرزها: ابتزاز خصوم دمشق الشرق أوسطيين بما يدفعهم أكثر فأكثر لجهة القيام بدعم فعاليات الاحتجاجات .
مصدر المقال : موقع الجمل