بقلم: الدكتور منير شفيق
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 18-12-2017 - 1541 لنأخذ ظاهر المواقف الفلسطينية والعربية الرسمية من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني. بل لنأخذ تلك المواقف مع ضعفها في مواجهة ذلك القرار، كما تجلّت في اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في جلسته الطارئة بتاريخ 9/12/2017. وذلك لنسأل ما هو الموقف الصحيح الذي يجب أن يعالجها ويواجهها؟
هنالك من يذهب إلى اعتبار تلك المواقف غير ذات قيمة، لأنها لم تكن في المستوى المطلوب. وقد يذهب البعض إلى اتهامها بالتواطؤ مع قرار ترامب انطلاقاً من اتهام عدد من الدول العربية بأنها متواطئة مع القرار، وشجّعته حين أبلغها ترامب بأنه ينوي إعلانه. من يقرأ بيان وزراء خارجية الحكومات العربية المذكور، فسيجدهم قد أعلنوا رفضهم قرار الرئيس دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة «إسرائيل». واتفقوا على البحث عن «آلية عمل» وزارية لدفع الإدارة الأميركية للتراجع عن قرارها. واعتبروا القرار الأميركي مخالفاً لكل المواثيق والقرارات الدولية، وعملاً «استفزازياً يثير المشاعر. وينهي الدور الأميركي الراعي لعملية السلام». واعتبروا أي اعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال، أو إنشاء أي بعثة ديبلوماسية في القدس أو نقلها إلى المدينة «اعتداءً صريحاً على الأمة العربية وحقوق الشعب الفلسطيني وجميع المسلمين والمسيحيين، وانتهاكاً خطيراً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة». بداية يؤكد البيان أن ثمة إجماعاً رسمياً عربياً ضد قرار الرئيس الأميركي بخصوص القدس، وضد أي دولة أو بعثة ديبلوماسية تحذو حذوه. وهذا يعني في تقدير الموقف، وفي مواجهة ترامب، أنه وقراره معزولان رسمياً عربياً وفلسطينياً، بغضّ النظر عن مستوى قوة، أو ضعف هذا الموقف، وبغضّ النظر عن أن الواجب كان يقضي، ولم يزل، بأن يكون أقوى، بل بأن يتّسم باتخاذ مواقف أشد حزماً إزاء العلاقة بأميركا وبالكيان الصهيوني. لأن القرار هو قرار مشترك بين ترامب ونتنياهو، ولأن الموقف الفلسطيني والعربي الرسمي من القدس يجب أن يكون بمستوى أهمية القدس وفلسطين بالنسبة إلى الأمة العربية والإسلامية. فقد افتقر قرار وزراء الخارجية المذكور إلى اتخاذ مواقف عملية مثل سحب «مبادرة السلام العربية»، وإلغاء ما عُقد من اتفاقيات تعترف بما يسمى «دولة إسرائيل»، كما الدعوة إلى وقف كل تطبيع معها، أو نقد قرار ترامب بأنه «ينسف فرص السلام وحل الدولتين» (التصفوي)، أو غير ذلك مما ورد في البيان من محاذير تنجم عن مثل من قد يفيد منه. أو ما قد يترتب عنه من «فتح أبواب الجحيم» على الكيان الصهيوني أو أميركا. وهذا كله شيء جيد موضوعياً، ينجم عن القرار. ولكن مع كل ذلك، إن تشكل إجماع رسمي عربي ضد قرار ترامب مهم حتى بحدوده لأنه يُحكِم العزلة على ترامب ونتنياهو. وهذه مسـألة سياسية في غاية الأهمية في المعركة ضد القرار. ولهذا إن أي اعتراض على موقف مجلس الجامعة العربية يجب ألّا يخدش هذا الإجماع وهذه العزلة. فكونه ضعيفاً وغير كافٍ من وجهة النظر الشعبية، أو من وجهة نظر ما يجب أن يكون عليه، لا يجوز أن يصبّ الماء في طاحونة ترامب ويخرجه من عزلته وإظهاره كأنه مؤيَّد من أطراف عربية أو فلسطينية. وهو في هذا الموضوع بالذات ليس كذلك. وتزداد أهمية إظهار عزلة قرار ترامب فلسطينياً وعربياً بالنسبة إلى الانتفاضة الفلسطينية الشعبية من خلال تأكيد عزلته إسلامياً بعد عقد القمة الإسلامية في تركيا، كما إظهار عزلته الدولية من جهة الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند وعدد كبير جداً من دول العالم، فضلاً عما يواجهه القرار أميركياً وحتى داخل المؤسسة. إن تأكيد هذه العزلة على كل المستويات، ضرورة بالنسبة إلى الانتفاضة المندلعة في فلسطين شعبياً ضد قرار ترامب، كما بالنسبة إلى تقدير الموقف لدفعها إلى مستوى أعلى في مطالبها لتصبح انتفاضة شعبية شاملة متواصلة طويلة الأمد، تصرّ على دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات. أي تحرير القدس والضفة الغربية بلا قيدٍ أو شرط. وذلك مع الاحتفاظ بحق تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وبحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي أخرجوا منها. فالجماهير الشعبية وقيادتها من الفصائل، أو من داخل صفوفها، حين تتأكد أن عدوها الصهيوني وشريكه الأميركي، في حالة عزلة، والعزلة تزيد من الضعف الذاتي، سترتفع المعنويات من ناحية الاستمرارية كما من ناحية تقدير الموقف تقديراً صحيحاً من أجل مواصلة المعركة حتى تحقيق أهدافها.
لا يوجد صور مرفقة
|