بقلم: الدكتور عصام نعمان ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 10-06-2024 - 248 لغاية ظهر يوم السبت الماضي ، كانت فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية هي المنتصرة في حرب غزة ، و"اسرائيل" هي المنهزمة بإعتراف فريق من قادتها السياسيين والعسكريين . بسرعةٍ ، ومن دون مقدّمات لافتة ، تغيّر الوضع في ساعات بعد الظهر إذ أعلنت "اسرائيل" نجاحها في إستعادة أربعة من أسراها أحياء ، ليبدأ للتو أصحاب الرؤوس الحامية من جماعة بنيامين نتنياهو بإطلاق تصريحات جنونية تدعو الى الإقتصاص من أعداء الكيان الصهيوني على مستوى المنطقة برمتها.
كيف كان الوضع ، وهل تغيّر على نحوٍ يشي بإحتمالات خطيرة ؟
الحقيقة انه ، بعد اكثر من ثمانية أشهر من القتال الضاري ، لم تستطع حكومة نتنياهو أن تهزم "حماس" وسائر فصائل المقاومة في قطاع غزة . "حماس" ظلّت متحصّنة في الأنفاق الممتدة تحت كامل مساحة مدينة غزة وسائر بلدات القطاع ، وتقوم مع حليفاتها بعمليات قتالية يومية مدمّرة ضد القوات الإسرائيلية التي ما أن تحتل زاوية في أحد الأحياء حتى تُضطر الى الإنسحاب منها للقتال في حيّ آخر ، فتعود "حماس" وحليفاتها الى السيطرة على الحيّ الذي تقهقر منه الإسرائيليون.
الى ذلك ، يبدو أن "اسرائيل" تفاجأت بما تملكه المقاومة الإسلامية (حزب الله) في لبنان من قدرات عسكرية وتكنولوجية إذ تمكّنت خلال مدة وجيزة من شلّ معظم مستعمرات الصهاينة في شمال فلسطين المحتلة وتهجير سكانها وإشعال الحرائق فيها لدرجة أن صحيفة "يديعوت احرونوت" (2024/6/4) كشفت ان حزب الله أشعل اكثر من 96 حريقاً في يوم واحد . فوق ذلك ، اكدت أجهزة إعلام إسرائيلية أن اكثر من 500 الف من سكان الكيان غادروه الى غير رجعةٍ منذ اندلاع طوفان الأقصى قبل 8 أشهر .
ظهر يوم السبت الماضي ، شنّت "اسرائيل" هجوماً صاعقاً على مخيّم النصيرات ومحيط مستشفى العودة الواقعين في وسط قطاع غزة ، وارتكبت أربع مجازر بحق السكان المدنيين ذهب ضحيتها اكثر من 1000 بين شهيد وجريح ، وادّعت بعدها انها تمكّنت من إستعادة أربعة من أسراها الأحياء. لكن ذلك لم يحجب إفتضاح عدّة واقعات لافتة :
• مركز اكسيوس الإعلامي وصحيفة نيويورك تايمز الاميركيان كشفا أن عناصر من الوحدة العسكرية الاميركية المخصصة لمساعدة القوات الإسرائيلية في إستعادة الأسرى كانت مشاركة في الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات.
• وسائل إعلام اسرائيلية واميركية أكّدت إستخدام الرصيف البحري الاميركي العائم قبالة ساحل غزة في عملية إستعادة الاسرى .
• مقتل رئيس وحدة "يمام" (كوماندوس) الاسرائيلية الخاصة أثناء الهجوم على مخيم النصيرات ومعه قتل ثلاثة من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين ، احدهم يحمل الجنسية الاميركية.
• تبيّن ان الأسرى الأربعة المحررين كانوا محتجزين في احد المنازل بمخيم النصيرات وليس في الأنفاق ما يعني ان إدعاء "اسرائيل" وجوب إحتلالها مدينة رفح لإستعادة الأسرى كان للتمويه ولتغطية سيطرتها على معبر رفح المفتوح على صحراء سيناء المصرية.
• تنطّح بعض نواب حزب الليكود لمطالبة زعيمهم نتنياهو بالإستمرار في القتال لإستعادة سائر الأسرى وتوسيع دائرة الحرب لتشمل لبنان بغية القضاء على جبهة الإسناد التي تدعم المقاومة في غزة.
أحدثت مجازر مخيم النصيرات ومحيط مستشفى العودة غضبة شعبية وسياسية واسعة، بدت معها حرب غزة وكأنها قد تتطور الى حرب اقليمية . صحيح ان نتنياهو حقق "كسباً" معنوياً داخلياً محدوداً بإستعادته الأسرى الأربعة ، متفادياً بذلك سقوط حكومته ، ومتخذاً من تحريرهم مبرّراً لإستمراره في الحرب ، لكن سكرة "النصر" هذه ، بعد اكثر من ثمانية أشهر على إندلاع طوفان الأقصى ، لن تذهب بعقله الى حدّ المغامرة بشن حربٍ على لبنان . لماذا ؟
لأن "اسرائيل" غير قادرة عسكرياً على مواجهة حزب الله في وقت تنشغل بحرب مستعرة مع جميع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة كما في الضفة الغربية ، ومع تنظيم أنصار الله في اليمن وفصائل المقاومة العراقية المتحالفة مع أطراف محور المقاومة في العراق وسوريا . تكفي الإشارة في هذا المجال الى ما يقوله أبرز المعارضين لحرب نتنياهـو على غزة : الجنرال يتسحاق بريك ، المسؤول السابق عن الكليات العسكرية الإسرائيلية . ففي مقالةٍ له في صحيفة "معاريف" (2024/6/4) شدّد على النقاط الآتية :
• "نحن الآن في خضم حربٍ تشكّل تهديداً وجودياً مباشراً لدولة اسرائيل" .
• "من يتابع الدمار في مستوطنات الشمال ، يُدرك انه ليس لدينا دفاع حقيقي في مواجهة صواريخ وقذائف ومسيّرات حزب الله" .
• "كيف سيتمكّن الجيش الإسرائيلي من القتال في 6 قطاعات في آن معاً رغم خسارتنا في حربنا ضد "حماس" بسبب التآكل الذي طرأ على سلاح البر في العقود الأخيرة " ؟
• "ليس لدى دولة اسرائيل "النَفَس الطويل" المطلوب في حرب اقليمية شاملة . فهناك نقص شديد في الذخيرة وشتى انواع الأسلحة ، ونقص لوجستي ، وصيانة أجهزة الجيش جرت خصخصتها وتسلّمتها شركات مدنية ليست قادرة خلال الحرب على تأمين التزوّد بالوقود والذخيرة والغذاء والمياه وقِطَع الغيار للقوات".
• "التغيير الفوري للمسؤولين عن تقصير 7 تشرين الاول/اكتوبر 2023 من المستوى السياسي والعسكري وتأليف حكومة جديدة هو وحده الكفيل بإعادة القطار الى السكة ".
هذا الكلام لا يروق بطبيعة الحال لنتنياهو ، فماذا تراه يفعل ؟
لعلنا نجد الجواب لدى حليفه جو بايدن . فقد لمّح الرئيس الأميركي في سياق مقابلةٍ أجرتها معه مجلة "تايم" الأميركية (2024/6/4) الى ان رئيس الحكومة الاسرائيلية ربما يطيل أمد الحرب في قطاع غزة في محاولةٍ منه للتشبث بالسلطة.
لكن ، هل التشبث بالسلطة ينقذ كيان الإحتلال من حربٍ وصفها الجنرال بريك بأنها "تشكّل تهديداً وجودياً لدولة اسرائيل" ؟
هكذا تواجه "حماس" وحليفاتها في المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية مشهديةً غير مسبوقة عربياً وإقليمياً وعالمياً . فالشمال الفلسطيني المحتل ، بمستعمراته وقواعده العسكرية ومرافقه الإقتصادية وغاباته الكثيفة ، يحترق وسكانه يفرون بعشرات الآلاف الى وسط "اسرائيل" وجنوبها اللذين يبدوان اكثر أمناً ، وجبهات الإسناد في لبنان والعراق واليمن تنهال بلا هوادة على الجليل الأعلى المحتل والجولان السوري المحتل وعلى حيفا وأم الرشراش (ايلات) بمسيّراتها وصواريخها وقذائفها ، وتظاهرات الطلاب في شتى الجامعات بدول الشرق والغرب ضد "اسرائيل" واميركا ناشطة يومياً في صناعة ظاهرةٍ عالمية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر ، والولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات غارقة في حربٍ تستنزفها في اوكرانيا ضد روسيا ، و"اسرائيل" تنزلق بإطراد الى حمأة أزمةٍ سياسية ساخنة تؤجهها نوازع وافكار وأهواء قادتها السياسيين الممعنين في الإختلاف والخلاف ...
امام هذه المشهدية العالمية غير المسبوقة لا يبقى امام "حماس" وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية إلاّ خيار واحد أحد : المقاومة والمزيد من المقاومة على امتداد الوطن المحتل من النهر الى البحر مهما كانت التحديات والتضحيات.
والصبر دائماً مفتاح الفرج والنصر .
لا يوجد صور مرفقة
|