بقلم: الدكتور أمين حطيط
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 16-12-2023 - 333 من الوجهة العسكرية العملانية يمكن القول إنّ حرب «إسرائيل» على غزة، الحرب التي شنّت بعد عملية طوفان الأقصى الناجحة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غزة، يمكن القول إنّ هذه الحرب في جولتها الحالية دخلت في المرحلة الأخيرة منها دون ان يتشكل في الميدان أيّ إرهاصات او مؤشرات تنبئ بأنّ «إسرائيل» قادرة على تحقيق نصر ما أو صورة شبه نصر، لا بل يمكننا القول إنّ «إسرائيل» باتت في العمق مقتنعة بأنّ تحقيق إنجاز عسكري تبتغيه هو أمر متعذّر مع يقينها بأنها لن تستطيع إطلاق الأسرى ولن تستطيع تفكيك المقاومة، أما التهجير الذي تسعى إليه لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة الى مصر فهو رغم كلّ الضغوط والإغراءات المتعدّدة الموارد والاتجاهات أمر ليس يقينيّ التحقق. في ظلّ هذا الإخفاق تشعر «إسرائيل» وراعيتها أميركا بالعزلة العالميّة وبشكل غير مسبوق في تاريخها، حيث إنّ أميركا ظهرت وحيدة في مجلس الأمن الأسبوع الفائت وهي تشهر سلاح الفيتو لتسقط مشروع القرار الذي أيّدته 13 دولة من أصل 15، وهو مشروع يدعو الى وقف إطلاق النار في غزة لوقف المذابح والمجازر التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين بسلاح وذخيرة أميركيّة فتاكة، كما أنّ الإضراب العالمي الشامل الذي شهده العالم بالأمس أيّ يوم الاثنين 11/12/2023 أكد على العزلة الدولية لمحور الإجرام والقتل المتشكل من «إسرائيل» وأميركا. بيد أنّ الحركة الدولية لمواجهة سياسة الإجرام والقتل الصهيوأميركي المنفذة على أرض قطاع غزة تستمرّ في السعي لوقف آلة القتل والتدمير، والتوحّش اللاإنساني، إذ إنها وبعد أن عطلت أميركا مشروع قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن تتجه الجهود إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة حيث لا فيتو من أحد ولا قدرة لأميركا على التعطيل، تتجه الجهود لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة ليكون هذا القرار ثمرة سريعة مباشرة للإضراب العالميّ دعماً لغزة واستنكاراً للجرائم المرتكبة بحقها ويكون أيضاً استجابة لرسالة الأمين العام للأمم المتحدة والتي استند فيها الى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة معتبراً أنّ الفعل الإسرائيلي في غزة يهدّد الأمن والسلم العالميين ويجب وقفه. الى جانب ذلك من اللافت أيضاً ان تسجل حركة شعبية ونقابية متواصلة في الغرب للضغط على حكومات الدول هناك، والدعوة الى وقف العدوان والامتناع عن ارتكاب الجرائم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني بيد إسرائيلية وسلاح وذخيرة أميركية، ما يُظهر أنّ العالم قد يكون للمرة الأولى، استيقظ بهذا الشكل على حقيقة «إسرائيل» العدوانية والإجرامية وحقيقة مظلومية الشعب الفلسطيني الذي حُرم من أرضه بطرده منها ومنعه من العودة إليها رغم كل القرارات الدولية التي تنص على الحقوق تلك وفي طليعتها حق العودة. بيد انّ هذا الإنجاز الاستراتيجي الكبير لصالح القضية الفلسطينية ما كان ليحصل لو لم يظهر صمود وأداء أسطوري للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في غزة بشكل خاص، وكذلك الدعم والإسناد المؤثر الذي قامت به مكونات محور المقاومة من لبنان الى سورية والعراق وصولاً الى اليمن وإيران وإقدامهم على فتح جبهات المساندة التي قدّمت الدعم للصمود الفلسطيني في قطاع غزة، دعماً ينفذ على كلّ جبهة وفقاً لطبيعتها وجغرافيتها وقدراتها. فعلى الجبهة الرئيسيّة في قطاع غزة أفشلت المقاومة الفلسطينية العدو الإسرائيلي حتى الآن في تحقيق أيّ من أهدافه المعلنة للمرحلتين المنفذتين في إطار العدوان البريّ الذي ينفذه ضدّ القطاع تحت تسمية «المناورة البرية»، بحيث انّ المسؤولين والإعلام الإسرائيلي اعترفوا بهذا الفشل صراحة، اذ قال ضابط إسرائيلي كبير سابق إنّ «حماس ظهرت في غزة إبان عملية تبادل الأسرى مرتين في مكان يُفترض انّ الجيش الإسرائيلي يسيطر عليه، وسلّمت الأسرى فيه»، أما صحيفة «هآرتس» فإنها في اليوم 65 للحرب نشرت قائلة بانّ «المناورة العسكرية فشلت في توفير شروط لصفقة أخرى لعودة الأسرى»، موقف اتخذته الصحيفة بعد ان اضطر الجيش الإسرائيلي لنشر أخبار فشل عملية تحرير أسير ومقتله هو ومن جاء لتحريره. أما على جبهات المساندة وأوّلها جبهة لبنان، فقد تمكنت المقاومة من إنتاج واقع ميدانيّ ذي بعد استراتيجي خلط الأوراق وأدخل العدو في دوامة دفعته الى الهذيان العسكري والسياسي وإطلاق تهديدات يعرف هو قبل غيره أنه غير قادر على تنفيذها سواء في ذلك ما يطلبه من نزع السلاح وإنشاء منطقة أمن إسرائيلي بين الليطاني والحدود الدولية مع فلسطين المحتلة او تعديل القرار 1701 ليحوّل قوات اليونيفيل الى حرس حدود لـ «إسرائيل» تعمل تحت الفصل السابع أو ما يشبهه، حيث فرضت المقاومة على تلك الحدود واقعاً أمنياً يتشكل للمرة الأولى منذ العام 1948 ما أجبر «إسرائيل» على اعتماد استراتيجية دفاعية جدّية والتمركز الدفاعي الفعلي على الحدود مغادرة منطق التمركز الظاهر عند آخر متر من الحدود. اما على جبهة اليمن فقد ارتسم مشهد ضدّ المصالح الإسرائيلية الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، حيث انّ القوات المسلّحة اليمنية وفي بيانها الأخير المتضمّن منع مرور أيّ بضاعة او خدمات لـ «إسرائيل» على متن أيّ سفينة تعبر بحر العرب او مضيق باب المندب او البحر الأحمر ما يعني فرض حصار من الجنوب يحاصر الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، في فعل له من الدلالات الاستراتيجية التي تفسّر بأنه خسائر كبرى تلحق بـ «إسرائيل» لجهة تقليص مجالها الحيوي الاستراتيجي وحرمانها من ممرّ مائي هامّ لاقتصادها واتساع مسرح العمليات المقاوم الذي يواجهها. يبقى أن نتوقف عند الجبهة العراقية السورية ضدّ القوات الأميركية وهذه الجبهة التي تحركت بشكل فاعل ضدّ القواعد العسكرية الأميركية في الدولتين وطرحت مصير تلك القواعد على بساط البحث بشكل جدّي، طرح سيفضي ولو بعد حين إلى خروج هذه القوات من الدولتين مع ما يشكل خروجها من ربح لمحور المقاومة وخسارة لأعدائه وفي طليعتهم «إسرائيل». 1 ـ خسرت في لعب دور الضحية المحاصَرة من قبل أعداء يريدون رميها في البحر وظهرت بأنها الجلاد المجرم الذي يتلذذ بارتكاب جرائم الإبادة الجماعيّة والقتل والتدمير والتهجير. 2 ـ خسرت صورة الدولة الحضارية القوية ذات الجيش الذي لا يُقهر والذي يوحي بالثقة ويؤمّن الأمن للمستوطنين، وظهرت بأنها كيان يملك وسائل القتل والتدمير ولا يتقن القتال ولا يقدر على الربح في مواجهة مقاومة نازلتها في حرب لا متناظرة من الجيل الرابع كبّدتها فيها خسائر بشرية ومادية ومعنوية جسيمة غير مسبوقة. 3 ـ خسرت عندما تقلص فضاؤها الاستراتيجي الحيوي في الجنوب وعندما تجرأت حكومة اليمن في صنعاء على فرض حصار اقتصادي عليها يحاصر حصارها لقطاع غزة. 4 ـ خسرت عندما دفعت هي وأميركا الى عزلة عالمية تعيشها للمرة الأولى في حياتها. في مقابل تلك الخسائر الجسيمة لم تحقق «إسرائيل» شيئاً من أهدافها باستثناء القتل والتدمير وارتكاب الجرائم التي ستكون يوماً ما محلّ ملاحقة لمسؤوليها على المستويين السياسي والعسكري باعتبارهم مجرمي حرب، فـ «إسرائيل» أتقنت كيف تخسر وأخفقت في تحقيق شيء من ربح يُعتدّ به، ما جعلها تنتقم لخيباتها بتصعيد القتل والتدمير، ولذلك تطلب الوقت الإضافي، وتمدّها أميركا به مؤملة بان تفتك بصمود أهل غزة فيهجرون القطاع ويهدونها نصراً تطمئن اليه، وهو امر لن يحصل في ظلّ إرادة فلسطينية فولاذية ورفض مصري قائم
لا يوجد صور مرفقة
|