بعد العملية البطولية التي نفذتها كتائب شهداء الاقصى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣, تقاطر حكام العالم الغربي، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، إلى إسرائيل كي يعلنوا التضامن معها، ويساندون حقها في الدفاع عن النفس، وبذلك أطلقوا يدها بأن تقترف ما يحلو لها من جرائم ضد الشعب الفلسطيني في غزة تحديدا، وكذلك في الضفة والقدس.
ولكي نفهم مدى أحقية إسرائيل في الدفاع عن النفس، لا بد من تحديد هذا الحق وتأطيره قانونيا. فحق الدفاع المشروع عن النفس (م. ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة)، هو حق الجهة أو الدولة الواقعة تحت عدوان من قبل جهة ما، دون أن تكون البادئة بالعدوان، في أن ترد العدوان عنها، بنفس الطريقة، وبنفس الحجم والأسلوب، ومباشرة. ويتوقف حقها حين تتمكن من كبح العدوان.
في الحالة التي هي قيد الدرس لدينا، إسرائيل هي دولة معتدية، ليس فقط كونها قائمة على أساس غير شرعي منذ العام ١٩٤٨, بل لأنها لم تنفك تعتدي على المواطنين الفلسطينيين وتحاصرهم، وتشن عليهم حروبا متكررة، وتستولي على كرومهم، وتزج بأفرادهم في السجون، وتهدم بيوتهم، وتسلك معهم كل ما يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان.
من ناحيته الشعب الفلسطيني هو في حالة دفاع عن النفس، كونه يقع تحت احتلال إستيطاني إحلالي، يسعى إلى تجريده كليا من وطنه، ويحاول إبادته أو طرده. وهذه أهدافةموثقة على ألسنة مسؤولين إسرائيليين، وفي خارطة رفعها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أمام الأمم المتحدة، وتخلو تماما مما يدل على غير إسرائيل.
يعطي القانون الدولي للشعب الواقع تحت الاحتلال، والممنوع من تقرير مصيره، الحق باستخدام كافة الوسائل المتاحة، بما فيها اللجوء إلى القوة لتحرير نفسه ووضع حد لاغتصاب حقوقه. وبالتالي العملية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية تقع في هذا الاطار، وتعتبر استثناء لمبدأ حظر اللجوء إلى القوة المنصوص عليه في المادة ٢ فقرة ٤ من الميثاق.
ويعتبر الشعب الواقع تحت الاحتلال، ضحية لعدوان مستمر، وبالتالي، فإن شرط الرد المباشر يبقى صحيحا بالنسبة لدفاعه عن نفسه.
وبما أن الدفاع عن النفس يبقى محقا طالما أن العدوان لم يزل، فإن العمل المقاوم يبقى ساريا طالما أن الاحتلال لا زال قائما.
بالمقابل، لا تعتبر إسرائل في حال دفاع عن النفس، لكونها كما سبق وبينا، كيانا معتديا محتلا مستوطنا إحلاليا، يمنع الشعب الفلسطينيين من تقرير مصيره.
وعلى افتراض أن إسرائيل كانت في حالة دفاع عن النفس، بعد عملية ٧ اكتوبر، فإن ما قامت به بعد يوم من العملية، قد فقد عنصر الرد المباشر، وأصبح عملا انتقاميا غير شرعي، بل هو عدوان موصوف، كونه تخطى مكان وقوع العملية أي غلاف غزة، وشكل غارات بالطيران ضد أهداف مدنية، وليس ضد من قاموا بعملية ٧ اكتوبر.
يأتي أخيرا ضخامة الرد وفظاعته، فبينما من شروط الدفاع عن النفس أن يكون متناسبا ومتساويا مع الفعل الأساسي، أي العدوان إن كان هناك عدوان، من جانب المقاومة الفلسطينية، وهو ما نفيناه، فإن ما قامت به القوت الإسرائيلية وما زال مستمرا يشكل عدوانا فظيعا، تميز بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، .
تقوم دولة الاحتلال بكل تلك الجرائم لتنفيذ أهداف لا تخجل بالتصريح عنها علنا وتتمثل بالتهجير القصري لسكان غزة، وتطهير قطاع غزة من ساكنيه العرب، والاستيلاء عليه والانتقال إلى عمل الشيء نفسه في الضفة الغربية والاستحواذ على كل الاراضي الفلسطينية.
إن ما ترتكبه الدولة المغتصبة للأرض الفلسطينية يشكل جرائم لا مثيل لها سوى ما اتهم به النظام النازي.
إن تواطئ الانظمة الغربية مع الكيان الإسرائيلي وتشجيعه على العدوان ومده بالمعونة والأسلحة، ومنع مجلس الأمن من اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في غزة، لوقف الجرائم التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني، تجعل تلك الأنظمة ممثلة بالشخصيات الرسمية الناطقة باسمها شريكة مع العدو في جرائمه، ومسؤولة مثله أمام القانون عن الجرائم المرتكبة، ويجب ملاحقة المسؤولين الغربيين على قدم المساواة مع المسؤولين الصهاينة أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو محاكم جنائية خاصة، بالإضافة إلى المحاكم الجنائية الوطنية.