يواصل الكيان الصهيوني دراسة خياراته المتبقية من عدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة، عبر دراسة سيناريوهات لم ولن تتحقق لأنه لم يستطيع تدمير المقاومة أو كشف خططها وأسرار قوتها حتى اللحظة، بل يمارس سياسات الهروب نحو الأمام وترك الخلف كما هو، ويناقش مع خياله الخصب التوسعي سيناريوهات ما بعد المقاومة أو ما بعد حماس لكنه لم يتخطاها بعد.
وأمام ذلك يسعى العدو الإسرائيلي جاهداً للبحث عن مشهد يمكنه فبركته لكي يزيل بعض من وصمات العار اللاصقة في جبينه والتي تزداد منذ عدوانه الفاشي على قطاع غزة، متخبطاً بين دماء شهدائها وصيحات أطفالها ونسائها، ومنقاداً خلف حكومة يقودها أناس يوصفون بالمجرمين من أبناء جلدتهم أنفسهم، وبالتالي فإن شعب غزة ومحور المقاومة وكل العرب في مرمى خطوات عدوانية غير مسبوقة ترسم لهم، ولا يمكن تخيل مدى البشاعة التي قد تصلها تلك الخطوات، ولا يكمن الحل إلا في التصدي لها عبر وحدة الساحات وقواعد اشتباك تتناسب مع فداحة المخطط له.
إن همّ هذا الكيان الآن تبرير وحشيته أمام المجتمع الدولي الذي ثار غربه قبل شرقه ضدّ ممارساته- كهدف أول- ورأينا جيش حربه منذ أيام وهو يقصف محيط مشفى الشفاء بغزة ويحاصره دون أن يقتحمه أو حتى يدمره – وذلك لن يصعب عليه لطالما دمّر مشافٍ قبله- تاركاً مرضاه يموتون الواحد تلو الآخر وجرحى النازحين في باحاته يحتضرون ويموتون أيضاً في المشهد ذاته من نقص ونضوب كل شيء، ويكتمل المشهد بصور أطفال الحاضنات وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة دون غذاء أو دواء، في وقت نطالع فيه ترهات الناطق باسم جيش حربه أفيخاي أدرعي يلوم وزارة الصحة الحمساوية "على حدّ تعبيره" لرفضها الحصول على مساعدات السولار الإنسانية، عارضاً في الوقت نفسه صوراً كاريكاتورية مستفزة لشهيد المقاومة أحمد ياسين الذي ما زال يشكل رعباً في ذاكرتهم السمكية العفنة، ويتجدد مع كل قذيفة من نوع "الياسين" تحطم دباباتهم التذكير بأن دمه ما زال يرسم الشعار بأن "دخول غزة لن يكون نزهة" حتى لو جرى على دبابة تم تطويرها بإضافة دروع وزنها أكثر من عشرة أطنان على دبابة القتل الأمريكية "أبرامز" لتصبح بأطنانها الستين تابوتاً جماعياً لكل من يحاول أن تطأ قدميه بساط مقدسات المقاومة سواء في غزة، أو من قبلها جنوب لبنان، أو في أي مكان يمكن أن ترتكب فيه الحماقات الصهيونية.
وفي سياق الهدف الأول نستقرئ أن "إسرائيل" تعمل جاهدةً على تدبير فبركة في ساحة أو محيط أو ربما تحت هذا المشفى لتثبت مزاعمها بأنه مقرّ لحكومة حماس أو لأسلحتها، وأن حصارها لحاضنات الأطفال لم يكن عملاً وحشياً بل "دفاع" عن أبرياء بني صهيون الغزاة، كما تحاول تبرير الدمار الذي تصاعد أكثر فأكثر مع تزايد مطالبات أهالي أسرى العدو لدى المقاومة وانضمام الشارع الأمريكي لهم في ضمان سلامة أسراهم واستعادتهم لأنهم باتوا يموتون مع عمليات القصف الصهيونية غير الآبهة بهم حتى اللحظة.
أما الهدف الثاني الذي يجول في بال حكومة العدو المتطرّفة حالياً هو البحث عن أنموذج سلطة لا حول له ولا قوة يمارس الحكم نيابةً عنهم في غزة والضفة الغربية في آن معاً، بالتزامن مع رسائل "أدرعي" لأهل غزة مطالباً إياهم بالنزوح نحو جنوبها بحجة أنها مناطق آمنة في وقت لا توفر "إسرائيل" جهداً في قصف شمال أو وسط أو حتى جنوب غزة، بالتوازي مع اقتحامها الضفة رغم عدم وجود نموذج حمساوي فيها، إذ تقتل أبنائها وتدمر منازلهم وتحولها إلى ثكنات العسكرية دون أدنى ذريعة أو حجة، ولا تبرير لذلك سوى ما تفكر به "إسرائيل" من فرض أنموذجها الذي تتوهم أنه "أصبح قاب قوسين أو أدنى" لتتمكن من تمرير سياساتها في تصفية القضية الفلسطينية بطرق أقل عاراً وقتلاً ودماراً.
وفي وسط جعجعة العدو الصهيوني المستمرة دون طحين أو فائدة، ينشط على هدفه الثالث، والذي يتضمن إعادة إنعاش مسعاه في توسيع الجبهات بأي وسيلة، وجر المنطقة إلى حرب كبرى تمكنه من التفرّغ دون ملامة لتصفية شعب غزة بعد فشل سيناريو التهجير ومواجهته من المقاومة ومن الدول العربية في آن معاً، وبعد استفزازه لسورية وإيران، وبعد حكمة ووقار خطاب السيد حسن نصر الله قائد المقاومة الوطنية اللبنانية، وما انتهجه من إتباع قواعد الاشتباك المتدحرجة مهما زادت حماقة العدو، حيث لاحظنا أن العدو تعمد قصف محيط مشفى الشفاء مستغلاً الأبرياء كرهائن لإشعال الغضب بأي وسيلة كانت، ومع ذلك تواصل المقاومة خطواتها المتناسبة مع حجم الاشتباك، وتتصيد الأهداف ومراكز التجسس الصهيونية، وتخلي المستوطنات وتسبب الهلع لكل صهيوني حاقد، وتظهر أسلحتها الجديدة ومسيّراتها بشكل تدريجي يتناسب ودراسة واقع المعركة، مهما علا صوت المشككين والمطالبين بالحرب سواء عن حسن أو سوء نية، فالمقاومة هدفها بالنهاية تحقيق النصر على العدو لا الاستجابة لاستفزازاته ومساعدته في نيل مطالبه الشيطانية، والمقاومة أكدت وتؤكد أن عيونها على الميدان.