بين دمشق وبكين، أُزيلت العوائق إعلاناً لمرحلة جديدة، عنوانها الاتفاق الاستراتيجي، بما يُحقق مصالح البلدين، ويعمل على تحييد همجية العقوبات الغربية والأميركية على البلدين، وفي العمق، هو إعلان رسمي على البدء بمشروع الحزام والطريق.
لا شك بأنّ زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى بكين، تأتي في توقيت دولي بالغ الحساسية، لجهة الاصطفافات الجديدة، وبروز تكتلات اقتصادية وسياسية، لكن سورية وموقعها الجيواستراتيجي، وإنْ شكّل في سنوات سابقة عنواناً لحروب تمكنت دمشق من تخطيها، لكن هذا الموقع، تراه الصين الإمبراطورية الاقتصادية، منفذاً لتعزيز نفوذها في عموم الشرق الأوسط….
إذاً يبدو واضحاً أنّ السياسة الصينية، تبحث عن منافذ إقليمية ودولية أكثر اتساعاً، مع أولويات تُعدّ من منظور دمشق أوراقاً ذهبية، لا سيما أنّ الدولة السورية مُقبلة على مرحلة جديدة، عنوانها إعادة الإعمار، واستثمارات اقتصادية هائلة، عبر الاستفادة من موقع سورية.
والجدير بالذكر، أنّ الرئيس الأسد في وقت سابق، قد أكد أنّ إعادة الإعمار وما يرتبط بها من استثمارات، لن يحظى بها إلا أصدقاء دمشق.
الحفاوة الكبيرة التي استُقبل بها الأسد في الصين، تُشير صراحة إلى مصالح كبرى تجمع البلدين، والأهمّ أنها مصالح لا يمكن للصين تحقيقها إلا من خلال التعاون مع دمشق، إذ ترى الصين في زيارة الرئيس الأسد إلى الصين، فرصة لدفع العلاقات بين دمشق وبكين إلى مستوى جديد، ما يعني أنها لا تخرج عن إطار أهداف بكين في المنطقة التي ترتكز على توسيع انخراطها عبر الانتقال من التبادل الاقتصادي إلى حلّ النزاعات بشكل تفاوضي ومدّ نفوذها من خلال هذا المساعي.
الدبلوماسية الصينية شهدت تحوّلات هامة، فالرعاية لاتفاق إعادة العلاقات الإيرانية السعودية، ودخولها على خط الحرب الروسية الأوكرانية، عبر محاولات تقريب وجهات النظر، والعمل على هندسة متأخر تفاوضي يُنهي الحرب، كلّ ذلك يؤكد بأنّ الصين باتت تحظى بمعادلة إقليمية ودولية، تُمكّنها من تحقيق مناخ سياسي، يكون أرضية صلبة للبدء بمشاريع اقتصادية، واستقبال الرئيس الأسد للمرة الأولى بعد الحرب، يؤكد بأنّ الصين قد دخلت فعلياً على خط الأزمة السورية، ومحاولة كسر الطوق الأميركي، وإرسال رسالة غاية في الأهمية، مضمونها أنّ دمشق اليوم باتت ضمن الاهتمام الصيني، ولعلّ الطائرة الصينية التي أقلت الأسد إلى الصين تؤكد هذا الواقع، مُضافاً إلى ذلك، الاهتمام الروسي والإيراني، ما يؤكد بأنّ الغرب وواشنطن لم يعد لديهم أيّ تأثير مُهدّد للدولة السورية، سواء سياسياً أو عسكرياً وحتى اقتصادياً.
ومن الواقعية السياسية، فإنّ الاستثمار الاقتصادي، يحتاج إلى مناخ سياسي مستقرّ، الأمر الذي تدركه الصين جيداً، من هنا جاءت تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، والتي قالت: نرى بأنّ زيارة الرئيس بشار الأسد ستعمّق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون في مجالات مختلفة بين البلدين، بما يدفع العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد، وبالتالي فإنّ هذه الزيارة سواء لجهة استقبال الأسد، أو تصريحات الساسة الصينيين، تؤكد واقعاً لا يمكن تجاهله. هو واقع عنوانه الرئيس، بداية مرحلة جديدة، مع إزالة عوائق منع الإستثمار، والعمل على حلّ سياسي، مع كسر الطوق الأميركي.
من الواضح أنّ السياسة الصينية الجديدة، تنطلق من محدّدات اساسية للتوصل إلى حلول سياسية، الأمر الذي يُشكل بموجبه عامل جذب لدول المنطقة، والتي امتعضت جراء التدخلات الأميركية في دول المنطقة، والتي لم تُفضِ إلا إلى إشاعة الفوضى واللاإستقرار، ليكون إيقاف التدخل الأميركي في سورية، عنواناً صينياً جديداً، ولا بدّ من مجابهته بالوسائل كافة، ولعلّ بنود الاتفاقية الاستراتيجية التي وُقّعت بين دمشق وبكين، اعتمدت مقاربات جديدة وواضحة، في اعتبار دمشق شريكاً استراتيجياً ينبغي تعزيز واقعه السياسي والاقتصادي، وعدم السماح للولايات المتحدة، باستثمار هذا الملف من أجل إطالة أمد الصراع في سورية وعليها، مع التأكيد على أنّ دمشق باتت ضمن منظومة سياسية واقتصادية وحتى عسكرية، ما يعني أنّ الملف السوري بات قاب قوسين من إغلاقه، تمهيداً لإطلاق عملية إعادة الاعمار، وعودة سورية إلى موقعها الإقليمي الفاعل والمؤثر.
ختاماً فإنّ زيارة الرئيس الأسد إلى الصين، وإنْ كانت تحمل عناوين استراتيجية، إلا أنّ هذه الزيارة وفي هذا التوقيت، تُعدّ إعلاناً لعودة الأسد إلى الساحة الدولية، بعد المحاولات الأميركية لعزله سياسياً، وإقصاء تأثيره وفعاليته الإقليمية والدولية، لتكون هذه الزيارة وأبعادها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، معادلة ستؤرق واشنطن كثيراً، وتُجبرها على إعادة النظر في سياساتها، ومنظورها للملف السوري…