سعّرت أميركا الحرب الاقتصادية على سورية بشكل وحشي وإجرامي بعد أن وقفت على فشلها في الميدان وعجزها عن إسقاط سورية في الحرب الكونية التي قادتها أميركا ضدّها وتقلبت فيها الخطط والاستراتيجيات وحشدت لها الدول والمنظمات مع الأموال والإعلام، كلّ ذلك كان بقصد الإجهاز على سورية بوصفها القلعة الوسطى في محور المقاومة وحلقة الوصل الرئيسية بين شرقه وغربه، فضلاً عن كونها المكوّن الذي له الخصوصية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
كانت أميركا ولا زالت تعتبر انّ امتلاك مفتاح دمشق معطوفاً على امتلاكها السيطرة والنفوذ في الدول العربية على الخليج، يُمكّنها من امتلاك السيطرة على كامل الشرق الأوسط حيث الطاقة وشبكة الممرات الدولية التجارية، سيطرة تنطلق منها لتدعيم خططها واستراتيجيتها القائمة على رفض التشارك والتعددية في أيّ نظام عالمي مستقر، لكن الطموح الأميركي لم يتحقق فانقلب الى حقد ورغبة في الانتقام من سورية، واتباع سياسة تحرمها من منجزاتها في الحرب الدفاعية التي فرضت عليها منذ العام 2011، وكان القرار الأميركي حرباً متجدّدة على سورية تقوم على مفردات ثلاث تتكامل في ما بينها لتحرم سورية من الاستقرار ولتحول دون أيّ جهد لإطلاق الاستثمار فيها لإعادتها الى الوضع الطبيعي قبل الحرب، وقامت “خطة الحقد والثأر الأميركي” ضدّ سورية على عناصر متعدّدة سياسية وأمنية واقتصادية، تتضافر في تأثيرها بحيث:
أ ـ تمنع سورية من استعادة وحدة أراضيها والسيطرة والسيادة عليها.
ب ـ تمنع سورية من إعادة علاقتها الإقليمية والدولية بوصفها عضواً فاعلاً ذا طبيعة استراتيجية في المشهد الإقليمي والعلاقات الدولية.
ج ـ تمنع سورية من استعادة أمنها واستقرارها للانصراف الي تحقيق رفاه شعبها.
د ـ تمنع سورية من إعادة صهر الشعب السوري وتوحيده وطنياً واستعادة وتفعيل العلاقات البينيّة بين شرائحه وتفتح السبل لعودة السوريين النازحين من وطنهم الى دول الجوار والخارج.
هـ ـ تمنع إطلاق عجلة الاقتصاد وإعادة البناء لما دمرته الحرب في سورية.
و ـ كما تمنع سورية من استغلال ثرواتها الطبيعية التي تعطلها أو تسرقها أميركا الآن…
لقد أطلقت أميركا هذه الخطة الخبيثة ضدّ سورية بعد هزيمة مشروعها الأصلي فيها، ونفّذت تلك الخطة على شكل “هجوم عدوانيّ مرتدّ على سورية” ترجم بحرب سياسية واقتصادية وأمنية وإعلامية ونفسية توخّت أميركا منه “إطالة أمد الصراع” ومنع توقف المواجهة والضغط على الشعب السوري لينفك عن قيادته، أو ينسلخ عن الوطن الأمّ، فضلاً عن تهميش سورية وحرمانها من الانتظام في المشهد الإقليمي والدولي وشبكة العلاقات الدولية كما تتيحه لها جغرافيتها السياسية.
في ظلّ هذه المواجهة، تأتي زيارة الرئيس بشار الأسد للصين لتشكل إصراراً سورياً على السير في طريق الدفاع الوطني والإقليمي الفاعل وتثبيت موقع سورية في شبكة العلاقات الدولية المنتظمة وتفعيل دورها في العلاقات الدوليّة وفقاً للأهمية الموضوعية لهذا لدور، ولذلك نستطيع أن نقول إنّ التفاهمات والاتفاقيات التي وقعت بين الصين وسورية خلال تلك الزيارة تشكل الردّ القوي على الحروب التي تشنها أميركا وتستهدف بها ليس سورية فقط بل والصين أيضاً، وهنا نتوقف عند العناوين التالية:
1 ـ الأهمية الشكلية والبروتوكولية والحفاوة البالغة التي أحيط بها الرئيس الأسد وزوجته والوفد السياسي والاقتصادي الكبير المرافق، ما يظهر انّ الصين تتعامل مع سورية بوصفها دولة منتصرة وانّ في هذه الدولة من العناصر المتعدّدة التي تستحق البذل في سبيله، وفي مواجهة الإصرار الأميركي على عزل سورية ومحاصرتها وتهميشها.
يبدو الإصرار الصيني المتقدّم الوصف، وهذا الأمر يصبّ في مصلحة الطرفين الصيني والسوري ضدّ عدو أو خصم مشترك.
2 ـ الأهمية الاستراتيجية للتفاهمات والاتفاقات التي وقعت، في هذه النقطة وفي ظلّ نظام عالمي قيد التشكل قائم على التعددية بعد الفشل الأميركي في فرض الأحادية، يبدو بالغ الأهمية بإعلان الشراكة الاستراتيجية التي لا أعتقد أنه كان إعلاناً متوقعاً، شراكة بين دولة تعتبر أحد أهمّ عملاقين استراتيجيين واقتصاديين في العالم، ودولة واجهت حرباً تدميرية عليها بشكل وحشي وإجرامي وثبتت في مواقعها واحتفظت بعناصر قوتها الاستراتيجية، وانّ إعلان هذه الشراكة يشكل مصلحة للطرفين كلّ في موقعه وانْ كانت كفة سورية معتبرة ومميّزة في هذا الإطار، فانتظام سورية في شراكة استراتيجية مع الصين سيفتح لها الباب واسعاً للانتظام في المنظمات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية القائمة في العالم مثل بريكس وشنغهاي وسواهما، ما يشكل إجهاضاً لسياسة لحصار والتهميش الأميركي ويمنح سورية موقعاً في نظام عالميّ تعدّدي.
3 ـ الأهمية الاقتصادية لنتائج الزيارة، وهو ما يتوق الشعب السوري لرؤيته على أرض الواقع وبشكل سريع في ظلّ الحصار الكيدي الأميركي الإجرامي.
هنا نتوقف عند الاستعداد الصينيّ الواضح للاستثمار في سورية رغم السياسة الأميركية المناهضة والتي تعتمد قانون قيصر اللاشرعي واللاأخلاقي، الذي أدّى الى مآسٍ لحقت بالشعب السوري. وفي هذا المجال نتوقع من الصين التي غادرت في سلوكها “منطقة الحذر والحيطة وتجنّب الاحتكاك” واعتمدت سياسة “الدفاع الرصين والإقدام” انّ الصين هذه ستقدم على الاستثمار في سورية رغم منظومة ما يسمّى “عقوبات أميركية” وسيشكل فعلها رافعة للاقتصاد السوري يتخطى “خطة الحصار والحقد الأميركي”. وستشكل هذه العملية منفعة مزدوجة للطرفين أيضاً.
4 ـ أما العنوان الرابع فهو يتضمّن “طريق الحرير الجديد” او ما يسمّى “خطة الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين لتشكل أوسع خطة ارتباط واتصال وتبادل اقتصادي عالمي يربط الشرق الآسيوي من أقصاه الى الغرب الأوروبي في أقصاه عبر الشرق الأوسط. هذه الخطة التي أقلقت وأزعجت أميركا لأنها رأت فيها مجالاً واسعاً لتصاعد النمو الاقتصادي الذي يستفيد منه العملاق الصيني بما يملك من قدرات لا يملكها سواه، قدرات يمكن استعمالها وتنظيمها من حجب سطوة الاقتصاد الأميركي المترنّح وتمنعه من المنافسة، لذلك كانت الخطة الأميركية المضادة التي أطلقها بايدن من الهند وأعلن فيها عن “الممر الاقتصادي” الهندي – الأوروبي عبر الخليج و”فلسطين المحتلة” حيث تكون “إسرائيل” ممرّاً يراه بايدن قادراً على منافسة طريق الحرير الصيني، وهو تطلع في غير محله، إذ يكفي القول إنّ طريق الحرير الجديد هو طريق بري متواصل يشمل عدداً كبيراً من الدول وفيه غنى التعددية والتنوّع والاتساع ما يجعله متقدّماً على خطة قد لا تبصر النور لأكثر من سبب، وفي طريق الحرير الصينيّ تتقدّم أهمية سورية ويتعزّز دورها بحيث تشكل حلقة وصل وربط مهمة بين الشرق والغرب بشكل يسقط خطة العزل والحصار والكيد الأميركي.
كثير سيُقال وسيُكتب في أهمية زيارة الأسد للصين (2023)، في هذه الفترة الزمنية بالذات ونكتفي في هذا المقام بهذا القدر الذي رأينا أن نحصره بتأثير ومفاعيل هذه الزيارة على الحرب الدفاعية التي تخوضها سورية في مواجهة “حرب الانتقام الكيدي” التي تشنّها أميركا عليها إثر فشلها في الحرب الكونية، ولذلك يمكننا القول إنّ الأسد في بكين كان يخوض معركة دفاعية عن سورية وكان في بكين يحشد الطاقات بشكل علمي ومنهجي وعقلاني مدروس يمكنه من الانتصار في هذه المعركة، وتالياً في هذه الحرب كما انتصر في ما سبقها…