*أي مجتمع مستقر وآمن يمتاز بانتشار التخصص في كل منحى من مناحي مكوناته البشرية والمادية ويستلزم ذلك نشوء شبكة واضحة من العلاقات بين هذه التخصصات ومنتسبيها و يحكمها الدستور والقانون تبعا لدرجة تطور هذا المجتمع علميا واجتماعيا.*
*والتخصص هذا يشمل الأفراد و المجموعات ، وتشجع الدولة أفرادها على الانخراط في التخصص وتوفر كل السبل اللازمة لذلك من تعليم وتأهيل وتدريب وتوفير الفرص للأفراد لتشكيل مجموعات إنتاجية تخصصية في الجوانب المادية واللامادية من حياة الناس.*
*فنجد أن العناوين العريضة مثل الصناعة والزراعة والتجارة والتكنولوجيا ... إلخ تذوب تماما في المجتمعات التخصصية وتحل مكانها مفاهيم أدق وعلوم أشد تفصيلا .*
*وتسعى المجتمعات الآمنة والقوية للربط بين الاختصاصات الدقيقة المستجدة من كل مجال ( مثال نجد ربطا بين علم الفضاء بتفاصيله و علم الاجتماع بتفرعاته أو الزراعة في تفاصيل دقيقة أو نجد ربطا بين علوم الكمبيوتر والصحة والجغرافيا ... إلخ ).*
*هذا النوع من الخلط يسمى علميا ( شراكة أو تشاركية ) وهو ذو نتائج مفيدة لأنه نجم عن سابق حسن نية وتنسيق وشفافية ومرجو منه التطوير والربحية والازدهار .*
*وتمتاز هذه الشراكة في الدول الآمنة إلى إعطاء دور للسلوك الديني في إطار محدود يوصف بأنه تعبدي وروحي فقط وهو أقل الجوانب التي يسمح لها بالتشاركية مع باقي التخصصات .*
*أما في الدول غير المستقرة وغير الآمنة والخاضعة للنزاعات والحروب والتدخلات الخارجية فالوضع مختلف تماما .*
*ففن الخلائط يزدهر بصورتين :*
*1. مدفوعة من الخارج ( دول معتدية أو دول متطفلة ) وتكون صورة منظمة هدفها إثارة البلبلة والفوضى وعدم الاستقرار.*
*2. مصنعة داخليا وفقا للأنظمة الحاكمة لتلك الدول ويكون هدفها تثبيت أركان الأنظمة وتحقيق رؤية واحدة تسخر الخلائط لخدمة هذا الهدف .*
*في الحالة الخارجية تكون فنا وعلما مدروسا يسعى في نتائجه لخدمة الدول المعتدية .*
*وأما في الحالة الداخلية فهي ليست علما وإنما تقليد أعمى في أغلب الحالات ووصفات جاهزة تطبق بدون جدوى وتخلط الحابل بالنابل في هدر واضح .*
*طبعا فن الخلائط المدفوع من قوى خارجية هو الأخطر على الدول ويحصل بين علوم بينها تفاوت زمني ولايخدم بعضها بعضا كأن نطبق مثلا علم الإحصاء بأرقى معادلاته على مجتمع مفكك وغير ملتزم بتعليمات وواجبات ونتائج الإحصاء .*
*وهنا يحصل التناقض في المجتمع نتيجة تطبيقات نتائج الجولات الإحصائية في ظل عدم الاستجابة .*
*وللتوضيح أكثر كأن نؤمن نسخة رقمية من الكتب المقدس لمجتمع غالبيته أمية لاتقرأ أو لاتمتلك تقنيات القراءة الرقمية فتصبح نتائج التطبيق خاصة بالنخبة ويفقد الفعل محتواه.*
*عموما وعت دوائر الاستخبارات الخارجية أهمية فن الخلائط فسخرت جزءا كبيرا من جهدها عبر وسائل عديدة منها الإعلام و البعثات الدبلوماسية و البرامج والخطط العلمية الموردة للدول المتوقع لها الفوضى فأرسلت تطبيقات وأبحاث لا تتناسب وحالة تلك الدول وقامت عبر عملائها بخلط كل شيء مع العنصر العبادي الديني فصار للجانب الديني شراكة وتفويض مع كل شيء إنطلاقا من خصوصية هذه الدول وهذا ماميزت به نفسها الدول العربية والإسلامية بلا استثناء فقبلت التطور إلى جانب السلفية في كل شيء تقريبا ففي السياسة وهي الأخطر وفي تقبل العلوم التجريبية وفي قواعد الحروب وفي الاقتصاد ... إلخ فصار لزاما أن يكون هناك ترخيص ديني لأي نوع من التخصصات من علم الجنين إلى علم الفضاء إلى علم القروض المالية وهكذا نجح فن الخلائط في تمرير كل أنواع التخلف عبر الشراكة بين المتناقضات المتفاوته زمنيا ولا تقبل الانسجام مع بعضها أصلا بسبب فرق تاريخ المنشأ إذا لايمكن مثلا أن تستعمل علوم الهندسة الوراثية في بلد يستعمل الحمار في حراثة التربة وبنفس الوقت رجل الدين يحرم هذا ويحلل ذاك !*
*من هنا نجد أن الضرورة تقتضي رفض هذا الفن الاستعماري الجديد والعودة للتشخيص السليم لإمكانيات المجتمع واستعداده التدريجي وتقبله للتطور وشراكة الاختصاصات والاستفادة من تحقيق سيادة الدستور والقانون على الجميع فهي المدخل لتحقيق الشراكات بدلا من فن الخلائط .*