تلقى كيان الاحتلال الصهيوني ضربة قاسية ومعلمة عسكرياً وأمنياً وسياسياً، نتيجة العملية البطولية الجريئة التي نفذها جندي عربي مصري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأسفرت عن نجاحه في قتل جنديين وضابط وإصابة آخر بجروج قبل أن يستشهد.. وقد أدى هذا الهجوم، الذي أحدث زلزالاً داخل كيان الاحتلال، الى صدمة كبيرة لدى المسؤولين الصهاينة ومنظومتهم الأمنية والعسكرية لدى تلقيهم نبأ الهجوم، لأنهم كانوا يعتقدون أنّ أمنهم مؤمن من جهة الحدود مع مصر، وهناك سياج على طول الحدود مجهز بانظمة مراقبة وانذار تحمي الحدود…
لكن ما هي دلالات هذه العملية البطولية الاستشهادية، ونجاحها في تحقيق هدفها الذي أراده منها الجندي المصري الذي استشهد خلالها:
أولاً، من الواضح أنّ الجندي المصري قد استعدّ جيداً لتنفيذ عمليته البطولية، وهو على معرفة كاملة بالمنطقة الحدودية، خصوصاً أنه من عناصر القوة المصرية المتواجدة على الحدود مع فلسطين المحتلة، المولجة بتأمينها.. ولهذا فقد عرف كيف يتجاوز الشريط الحدودي، من دون أن يلاحظه جنود الاحتلال وأجهزة الرقابة الاسرائيلية، ودخل الى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونفذ هجوماً مركباً، تمكّن بداية من قتل جندي صهيوني، وثم انتقل الى مكان آخر وقتل جندياً ثانياً، وكمن في المنطقة لعدة ساعات، إلى أن جاءت دورية عسكرية صهيونية فاشتبك معها فقتل ضابطاً منها وجرح آخر قبل أن يستشهد…
هذه الوقائع والطريقة التي نفذ فيها الهجوم تدلل بأنّ العملية لم تكن عفوية، بل كان مخططاً لها وجرى الاستعداد لتنفيذها بدقة متناهية، حيث كان الجندي الشهيد يعرف مسبقاً هدفه، ويدرك أنّ عمليته ستنتهي باستشهاده، وبالتالي فإنّ العملية لم تكن وليدة اللحظة، وإنما خطط لها مسبقاً، بغضّ النظر عما إذا كان هناك من ساعده ام لا، لأنه لم يتبيّن وجود عناصر أخرى شاركت في العملية أو التحضير لها، وبالتالي فإنّ الجندي المصري تمكن من تحقيق هدفه من العملية، وهو قتل أكبر عدد ممكن من الضباط والجنود الصهاينة قبل أن يستشهد..
ثانياً، من البيّن أنّ الجندي المصري قام بتنفيذ هذه العملية الاستشهادية الشجاعة بدافع وطني وقومي، وهو أمر لم يحصل لأول مرة، فقد سبق أن نفذ جنود مصريون عمليات، أبرزها كانت عملية الجندي سليمان خاطر الذي نجح خلالها في قتل عدد من السياح الصهاينة سنة 1985… فالجندي المصري الذي يتابع يومياً عبر وسائل الإعلام ما يجري في القدس المحتلة والضفة الغربية من اعتداءات على المقدسيّين والمسجد الأقصى، وهدم للمنازل واعتقالات وتنكيل واجتياحات للمدن والمخيمات وارتكاب مجازر ضدّ أبناء الشعب الفلسطيني، والأسرى في سجون الاحتلال، وكذلك العدوان الأخير على قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، أنّ الجندي المصري الذي يتابع كلّ ذلك لا يمكن ان يقف متفرّجاً ولا يفعل شيئاً للانتقام من الصهاينة المحتلين، وبالتالي فإنّ ما قام به الجندي المصري من عمل بطولي إنما هو ردّ فعل طبيعي يعبّر عن شعور وطني وقومي في العداء لهذا الكيان الصهيوني المحتلّ لأرض فلسطين والذي يرتكب يومياً الجرائم الوحشية بحقّ الشعب الفلسطيني، وأنّ الاتفاقيات الموقعة مع هذا الكيان لا تستطيع أن تمنعه من القيام بمثل هذا العمل الفدائي..
ثالثاً، من الواضح أنّ العملية وما أحدثته من زلزال داخل كيان العدو شكلت ضربة موجعة بالصميم لاتفاقيات كامب ديفيد، حيث تأكد أنّ كلّ الجهود التي بذلت على مدى أكثر من أربعة عقود لم تنجح في إنهاء حالة العداء بين الشعب المصري وجيشه من ناحية، وكيان الاحتلال الصهيوني من ناحية ثانية، وها هي هذه الجهود تتلاشى من خلال عملية الجندي المصري التي أكدت أنّ حالة العداء هذه لا تزال قائمة ومتجذرة، وان الاتفاقيات الموقعة مع العدو لم تلغها ولم تضمن أو تؤمّن الأمن لكيان الاحتلال، وهو الأمر الذي أقلق قادة العدو وأكدت عليه تصريحات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه غالانت، والتي أشارت إلى أنّ الهجوم خطير ومؤلم بالنسبة لكيان الاحتلال…
رابعاً، من اللافت أنّ العملية البطولية أعادت بعث الشعور الوطني والقومي وتظهير حالة العداء المتجذرة لدى الشعب المصري ضدّ كيان الاحتلال، وهو أمر أظهرته سرعة تفاعل الشعب المصري مع العملية على مواقع التواصل الاجتماعي ونشر صور الجندي الشهيد منفذ العملية والتعبير عن التفاخر بما قام به من عمل بطولي، وهذا بحدّ ذاته إنجاز مهمّ حققته العملية، التي اكدت أنّ محاولات تحييد مصر عن الصراع العربي الصهيوني لم تنجح، وان الشعب المصري يؤكد مجدّداً من خلال العملية البطولية، وردود فعله أنه لا يزال في قلب الصراع ولم يغادره رغم مرور أكثر من أربعة عقود على توقيع اتفاقيات كامب ديفيد…