الحكم judgment هو إثبات علاقة أو نفيها بين فكرتين أو مفهومين. وثمة نوعان من الأحكام:
أحكام وجود وهي تلك التي يطلقها العلم كونه يدرس الواقع كما هو،
وأحكام وجوب وهي تلك التي تطلقها العلوم المعيارية (المنطق والأخلاق والجمال) كونها تدرس ما ينبغي أن يكون، وتنطلق في أحكامها من وجوب الفكرة أو الشيء، أي من قيمة الفكرة أو الشيء، فهي أقرب إلى الفلسفة منها إلى العلوم الوضعية، ويُقال عنها إنها أحكام قيم.
والحكم في المنطق الصوري، عند أرسطو[ر] هو إثبات علاقة أو نفيها بين حدين، والحدود هي الألفاظ التي تعبر عن المعاني، والقضية proposition هي التعبير اللفظي عن الحكم، أي إنها العبارة المفهومة التي يمكن وصفها بالصدق أو الكذب، وتتألف القضية من ثلاثة حدود: «موضوع» يُحكم عليه، و«محمول» يُحكم به، و«رابطة» copula وهي فعل الكينونة التي يُعبر عنها في اللغات الأجنبية بفعل «وجود» ويدل عليها الضمير «هو» في اللغة العربية.
ويسمى بحث القضايا أو الأحكام في المنطق الصوري، ببحث التصديقات، لأنه يمكن قبول الحكم (تصديقه) أو عدم قبوله (تكذيبه)، فالأحكام المنطقية إما مصادقة على أساس تجريبي، وإما مصادقة على أساس برهاني، يقوم على استخلاص الأحكام البرهانية من الأحكام التجريبية بالاستقراء أو بالاستدلال.
لهذا يعالج بعض المناطقة مبحث القضايا تحت اسم «الأحكام»، وقد يلتبسُ الأمر بشأنهما، فيؤخذ كل من اللفظين القضية والحكم على أنهما مترادفان. والحكم من الناحية النفسية هو عملية ذهنية نفسية تحدث في زمن معين، إذ يمكن قبول الشيء أو رفضه، وعلى هذا النحو، فالقضية هي تقرير في صورة رمزية لفظية أو غير لفظية، لابد أن تكون صادقة أو كاذبة، بينما الحكم هو النشاط الذهني الذي يتدخل في إثبات القضية أو إنكارها.
والحكم عند مِلْ[ر] J.S.Mill هو ما يتعلق بالواقعة وليس بالتصور، ولهذا يرفض مِل الحكم من حيث هو عملية ذهنية تربط بين فكرتين، وتنطوي على معنى الاعتقاد.
تصنيف الأحكام
يصنف كَنْت[ر] الأحكام (لا القضايا) ضمن نوعين: الأحكام التحليلية والأحكام التركيبية بنوعيها، القبلية priori وهي أحكام ذاتية، لا تصدق إلا في مجال التأثر الحسي الذاتي، والبعدية posterior وهي أحكام موضوعية أو أحكام تجربة.
أنواع الأحكام
الحكم الأخلاقي: ويتجلى في صورة أمر أو تقويم، وهو معياري، ويعبر دوماً عن مطلب أخلاقي. ويميز كَنت بين نوعين من الأحكام، الحكم الشرطي: ويتمثل في النصائح التجريبية، ومثاله، «إذا أردت أن تعيش سعيداً فكن صالحاً»، وهو حكم تحليلي، ويطبق المبدأ الآتي: «من أراد الغاية أراد لها وسائلها».
أما الحكم القطعي: فهو «حكم تركيبي قبلي»، وهو بمثابة أمر ضروري كلي سابق على التجربة، ويربط الإرادة بالواجب مستقلاً عن أي مفهوم تجريبي، ويُعبر عن القانون الأخلاقي ويتجلى في صورة الأمر الآتي: «اخضع للقانون» ولو لم يكن في خضوعك أية مصلحة أو منفعة، وشعاره «افعل ما يجب وليحدث ما يحدث»، ويعد الفعل في الحكم القطعي خيراً في ذاته.
الحكم الجمالي: ويتجلى في صورة «آمر جمالي» يشبه إلى حد ما «الآمر الأخلاقي»، من حيث إنه قبلي ضروري مثله، وإن لم يكن مطلقاً وغير مشروط كالآمر الأخلاقي. فالحكم «الوردة جميلة»، هو أمر يمليه الشعور الجمالي، ويعبر عن ذاتية، ولا يعبر عن ضرورة منطقية أو رياضية، وهو بوصفه ضرورة موضوعية، لأنها تفترض وجود «حس مشترك». ويعد الحس المشترك بمثابة «المعيار المثالي» لأنه يجعل من الحكم الذوقي الخاص حكماً نموذجياً، أي ليس شعوراً خاصاً، بل هو شعور عام مشترك.
وللحكم الجمالي شروط «صورية» أربعة، وقد وصفها كَنت استناداً إلى المقولات الأربع (الكيف، الكم، الإضافة، الجهة):
1ـ لابد أن يكون متنزهاً عن كل غرض،
2ـ الحكم الجمالي ليس حكماً منطقياً ولا مجرد معرفة عقلية،
3ـ غائي دون تصور لأي غاية محددة،
4ـ ويعبر عن ضرورة ذاتية كونه يفترض وجود «حس مشترك».
وعلى هذا النحو، فالحكم الجمالي يعبر عن غائية ذاتية لأن الانسجام بين الموضوع الجميل وبين الذهن يستند إلى علاقة ذاتية بين المخيلة والفهم. أما الحكم الغائي الذي ينصب على الغايات الواقعية للطبيعة، فهو لا يعبر عن توافق بين جزئيات الطبيعة أو تفاصيلها، من دون اعتبار للذات، فهو يقرر غائية موضوعية.