كلمة مجمع مصطلح حديث، وهو ترجمة الكلمة الفرنسية Académie التي كثيراً ما ترد معربةً: أكاديمية. ولها أصل في كل من اللغتين اللاتينية واليونانية، هو في الأولى Academia وهو في الثانية Akadêmeia نسبة إلى دوحة أكاديموس Akademos القريبة من أثينا؛ التي كان يلقي فيها أفلاطون محاضراته ودروسه.
والمجمع جمعية علماء يمارس أعضاؤها اختصاصاً واحداً محدّداً يميز المجمع، ويجتمعون في مقرِّه لدراسة قضايا ذلك الاختصاص. فأنواع المجامع عديدة، منها مجمع اللغة، ومجمع الموسيقى، ومجمع الفنون الجميلة، ومجمع الزراعة، ومجمع الرقص،… وسواها.
ويمكن عدّ مدارس الكوفة والبصرة في اللغة والفقه، وجمعية (جماعة) إخوان الصفا ودار الحكمة في بغداد، بل عكاظ والمربد بعضاً من ضروب المجامع، وأنشأ الخلفاء الأمويون في إسبانيا عدة مجامع، كان أشهرها مجمع طليطلة الذي كان يجتمع فيه أربعون عالماً ثلاثة أشهر في السنة، وقد أخذ كثير من مجامع تلك الأيام المعنى العام لمدرسة عليا كمجمع البطالسة في الإسكندرية.
ظهر استعمال كلمة مجمع في إيطاليا في بدايات عصر النهضة، فقد أُسِّس مجمع فلورنسا الأول في عام 1442، ثم ظهر استخدامها في فرنسا في أوائل القرن السادس عشر، وتوالى في إيطاليا إنشاء المجامع التي كثيراً ما كانت تمثل الطليعة المعرفية في مناطقها على الأقل، كمجمع كروسكاCrusca الذي أنشئ في عام 1587 في فلورنسا، واتخذ من دراسة اللغة الإيطالية ووضْعِ معجم لها ونشْرِه هدفاً. وتتابعَ إنشاء المجامع في أوربا خاصة في فرنسا التي وضع فيها ريشيليو A.Richelieu - تأسيسه المجمع الفرنسي في عام 1634- أسس سياسة رعاية الإبداع والفكر وجميع فروع العلم وتوجيهها ورقابتها، ثم استخدم كولبير Colbertالمنهجية العلمية في إنشاء المجامع، وطبّق ما استحدثه من تنظيم على مجامع فرنسا. ولقد كانت تلك المنهجية من أهم أسباب اتخاذ المجمع الفرنسي مثالاً في إنشاء كثير من مجامع البلدان الأوربية والشرقية؛ كالمجمع السويدي الذي يمنح جائزة نوبل في الآداب، والعديد من المجامع العربية.
طرأت على بنى المجامع في نهاية الثلث الأول من القرن السادس عشر تطورات عديدة متتالية عرفت لأهميتها بالحركة المجمعية، وجاءت في إطار التنوير في عصر النهضة وما رافقه من توسع آفاق المعرفة الفكرية ونمو الشعور القومي، فكان أهم ما أصاب بنى المجامع منها خضوعها لنظم دقيقة، وكان على رأس كل منها أمير يرعاها ويمولها، يساعده مراقبون، واتخذ كلٌ منها شعاراً يرمز إلى أهدافه، وكان عليها أن تجتمع بانتظام في مواعيد ثابتة وأن تعمل على تحقيق أهدافها. لقد أصبحت المجامع في عصر النهضة حاضنات الأفكار الجديدة، كما عَرَفت كيف تتغير، وتتحول؛ لتبقى متسقةً مع البيئة المحيطة بها. وأصبحت - إلى حين - أداة طيِّعةً في يد السلطة الملكية أو التقليدية، واقتسمت معها النفوذ والسيطرة المتصاعدين في أوربا. لذلك، ألغت الثورة الفرنسية المجامع إلا أنها ما لبثت أن أعادت مضطرة تأسيسها من جديد، لتؤدي في المجتمع دورها الذي رسمه عصر النهضة.
لقد أصبح لمعظم البلدان الغربية في القرن العشرين مجامع متخصصة في العلوم، والآداب، والفنون الجميلة، وفي غيرها… وضم كثير منها أعلاماً من بلدان أخرى، وقد لا تسمى في بعضها مجامع كما هو حال أغلبها في المملكة المتحدة.
رافقت تطوراتُ النهوض باللغة تطوراتِ النهضة العربية الحديثة التي تميزت بيقظة الشعور القومي ونموه، فكانت في تطورها شبيهة إلى حد كبير بما رافق عصر النهضة والتنوير في أوربا من العناية باللغة وإحياء دور جمعياتها وإنشاء المجامع. ولا شك أن تطور إنشاء المجامع في الوطن العربي قد تأثر كثيراً بما جرى من تطوير لها في أوربا التي سبقته في ذلك أكثر من قرن.
كانت أقطار الوطن العربي إبّان عصر نهضتها تحت وطأة احتلالٍ أجنبيٍ أخرج اللغة العربية من التعليم والإدارة، وكاد يقضي عليها في الثقافة، لذلك كان صون اللغة هدفاً أساسياً للشعب بمثقفيه وأحزابه السياسية ومفكّريه؛ لأنه يعني صون شخصية الأمة وهويتها، واتسقت في الدعوة إلى إحياء اللغة العربية وصونها أدوار قادة الفكر في عصر النهضة العربية الحديثة: الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي ورشيد رضا وعبد الله النديم وسعد زغلول، وأوصت المؤتمرات الإسلامية والعربية باستعمالها وحدها في التعليم والإدارة. وأدت الصحافة دوراً مرموقاً في الدعوة إلى إحياء اللغة العربية، فدعت إلى إنشاء مجامع وجمعياتٍ للعناية بها، وكان أحمد فارس الشدياق أول من دعا في جريدته «الجوائب» في عام 1870إلى إنشاء مجمع للغة العربية. وأنشئ أول مجمع في عام 1882 باسم المجمع العلمي الشرقي ببيروت، وكان من مؤسسيه الشامي فارس نمر الذي أصبح عضواً في مجمع القاهرة بعد نصف قرن. وتتالت محاولات كثيرة لإنشاء مجمعٍ، كان من بينها في مصر المجمع الذي أنشأه الشيخ توفيق البكري، وتوقف عام 1893 بعد أن عقد عشرات الجلسات، وجمعية ترقية اللغة العربية التي رعاها الأمير فؤاد بمصر، وكان أعضاؤها مصريين وسوريين، فلجنة المصطلحات العلمية في وزارة المعارف التي كان من أغراضها وضع أسماء عربية صحيحة في الخرائط الجغرافية، ومجمع في شرقي الأردن أصدر الأمير عبد الله أمراً بتأسيسه في عام 1924، وأنشئت مجامع وجمعيات في العراق وسورية ولبنان، إلا أنها اندثرت جميعها؛ لأنها لم تحظ من الدولة بالدعم المعنوي والمادي معاً، شأنها في هذا المصير شأن مثيلاتها في إيطاليا وأوربا من قبل، إن هذا الدعم هو شرط حياة المجامع واستقرارها.
كان أول المجامع التي استكملت شرط الحياة والاستقرار، المجمع العلمي العربي بدمشق الذي أحدث في سنة 1919، يليه مجمع القاهرة في عام 1932، ثم أنشئ مجمع بغداد في عام 1947، وتوالى بعدئذ إنشاء المجامع في الأقطار العربية الأخرى، فكان المجمع الأردني، والليبـي، والسوداني، والجزائري، والفلسطيني، والأكاديمية المغربية، وقد أنشئ في الهند «المجمع الإسلامي الهندي» في عام 1976 برعاية الجامعة الإسلامية في أليغار Aligarh (مدينة شمالي الهند) على غرار مجمعي دمشق والقاهرة، وكان من أهم أغراضه إشاعة اللغة العربية في الهند وتنشيط الدراسات التي تُعنى بالآداب والتاريخ والعلوم والحضارة العربية ونشر المخطوطات.
ويلاحظ أن كثيراً من المجامع العربية مرّ بطور لجنةٍ للترجمة، وأنها جميعاً من صنع الدولة وبرعايتها وتمويلها، باستثناء المجمع الإسلامي الهندي. وأهداف المجامع العربية وأغراضها واحدة تقريباً، أهمها النهوض باللغة العربية وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون وتخليصها من الدخيل الأجنبي وتيسير تعلمها ووضع المصطلحات والمعاجم اللغوية والمختصة، بل إن أغراض المجامع اللغوية متشابهة كلها؛ لأن نمو الشعور القومي كان من أهم دوافع إنشاء المجامع ومن أهم خصائص عصري النهضة في أوربا وفي الوطن العربي والبلاد الإسلامية، ولذلك أيضاً كان التشابه كبيراً فيما بينها في الأغراض، وكان الأخذ من المجمع الفرنسي يسيراً ومرغوباً لهذه الأسباب ولما يتصف به تنظيمه من منهجيةٍ.
وقد يَرِد التساؤل حول جدوى تعدد مجامع اللغة الواحدة، كتعدد المجامع العربية واللغةُ العربية واحدة؛ ألا يخشى أن يؤدي تعددها إلى مزيد من التشتت والضياع إذا ما اختلفت آراء المجامع وقراراتها، وتمسك كل منها برأيه؟ إن بعض البلدان المشتركة في اللغة الأم كفرنسا وكيبك على سبيل المثال أَوكَلت إلى أحدها (فرنسا) اتخاذ القرار في شؤون اللغة واتبعت ما يصدره مجمعها من قرارات. وإن ما يدعو إلى الطمأنينة هو أن المجامع العربية أيضاً سارعت إلى توحيد جهودها بإنشاء اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية [ر] للتنسيق بينها، وجعلت مقره في القاهرة.
يلاحظ أخيراً في مجمعي البلدين الإسلاميين الجارين تركيا وإيران - أو ما يقوم مقامهما فيهما- أن صعود المدّ القومي جعل من أهداف كل منهما أيضاً تخليص اللغة التركية مما دخلها من اللغتين العربية والفارسية؛ وتخليص الفارسية مما دخلها من العربية؛ وأن وضع المعاجم والمصطلحات وقواعد اللغة كان من أهم أغراضهما.