العقيدة dogma هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقِده، ويرادفها الاعتقاد والمعتقَد، وجمعها عقائد. إذ تدل العقيدة على اعتقاد ثابت راسخ بشأن موضوع عادة ما يكون ذا صبغة دينية ذات أساس مقدس يطاع من دون مناقشة من أعضاء الجماعة، ويعد من يحاول تغييره أو الاعتراض عليه كافراً، ويكون عرضة للإدانة والعقاب الشديد، كما هي الحال في جميع عقائد الديانات السماوية كعقيدة البعث والحساب.
وفي اللغة االيونانية، تعني كلمة «عقيدة» كل ما يبدو حسناً أو خيراً، ثم صارت تعني إرشاداً أو توجيهات شرعية، وأخيراً عقيدة مفروضة، والعقيدة حكمة أصلها إغريقي، وتدل على النظرية التي تقرها السلطة، ويلتزمها الأفراد الواقعون تحت سلطانها، أو هي المبدأ الذي يقوم عليه المذهب، ويسلّم معتنقوه بصحته ابتداءً على أنه نوع من الإيمان، ولذلك ارتبطت الكلمة بالدين. وقد استخدم أفلاطون هذا المصطلح في محاورة «القوانين»، ودلّ به على فعل الاعتقاد الصحيح المفروض من الآلهة، كما أطلقه الكتَّاب الإغريق على القوانين العامة وأفكار المدارس الفلسفية المختلفة كالعقيدة الأورفية، والفيثاغورية.
ويفيد هذا بأن لمصطلح العقيدة معنيين رئيسيين: أحدهما ديني يدور حول عقائد الوحي، كما يقال: أركان الإسلام، وتعني مبادئه الإيمانية الموحى بها، والتي لا تفسير لها سوى أنها أوامر الله تعالى، ويقوم الإسلام بالتسليم بها ولا يقوم بغيرها، والآخر فلسفي خاص بمجالي المعرفة واليقين. ويتعلق كل منهما بمجموعة من حقائق الوجود والطبيعة وما بعد الطبيعة، وتكوّن نسقاً عاماً من الأفكار تُقبل كما هي، ولا تناقش، وتطاع في ذاتها ولا تخالف، ثقةً في مصادرها: الشرع، السلطة، العرف، العقل المحض أحياناً. وهذا المصدر يعلو على جميع الذين يتقبلونه إيماناً لا برهاناً، وثقة لا فهماً، وطاعة لا مناقشة.
وقد يصطبغ هذا المصطلح بصبغة اجتماعية، إذ يرتبط بمذاهب اجتماعية معينة، ويطلق عليه لفظ أيديولوجيا idelogy، وتكون العقيدة هي الرأي المعترف به بين أفراد مذهب واحد، كما هو الأمر في الماركسية Marxism حديثاً، والكونفوشيوسية confucianism والمزدكية mazdism والرواقية stoicism قديماً.
والعقائدية (دوغماتية) dogmatism من الناحية الدينية (اللاهوتية) جانبٌ من اللاهوت الذي يهتم بالدعوة المسيحية، وبدراسة العقائد والأخلاق بالمعنى الديني، والإيمان بالعقائد الكنسية، ومبادئ الإيمان المستمدة من الكتب المقدسة التي تعد حقائقَ لا تُنازع، وتعلو على النقد، يقدسها المؤمنون بها، وتُطلق في الدين على ما يؤمن به الإنسان ويعتقده كوجود الله، وبعثة الرسل، والعقاب والثواب وغيرها. والعقائدية أو الاعتقادية في تطور المفاهيم الدينية مطلب للإيمان faith، ويُزْعَمُ أن قوى العقل قادرة على بلوغ الحقيقة إذا اعتمد الإنسان عليها بطريقة منهجية، ويفيد هذا في جعل الاعتقادية صفة عقلانية، إذ يرى علماء الدين أن العقائد الإيمانية مطابقة لأحكام العقل. ويتجلى ذلك بالقول ـ أولاً ـ إن العقل شرط ضروري وكاف لمعرفة الحقائق الدينية، وثانياً الإعراض عن جميع العقائد التي لايمكن إثباتها بالمبادئ العقلية، وثالثاً هو الدفاع عن العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع، من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية، وهذا يولّد النزعة الإيمانية الكامنة ـ إلى حد ماـ في كل النظريات المثالية، وتعبر عن إخضاع العلم بالدين.
والعقائدية في الفلسفة ترادف التزمتية أو التوكيدية والوثوقية والقطعية أو الجزمية، وهي مذهب اليقين، مذهب من يثق بالعقل، ويؤمن بقدرته على إدراك الحقيقة، والوصول إلى اليقين، وهي مقابلة للرَّيْبِية skepticism[ر: الشكية]، التي يطلق عليها في بعض الأحيان اسم الوثوقية السلبية. وقد قيل إن الفلاسفة الوثوقيين هم الذين يثبتون وجود الحقائق الكلية، وتكون أحكامهم على الأشياء بالإيجاب أو السلب أحكاماً مطلقة.
وللوثوقية دلالة لاتخلو من التهكم، وهي إطلاقها على التسليم بالآراء أو التعصب لها من دون تمحيص، ومحاولة فرضها على الآخرين من دون برهان. ويترجمها بعضهم بـ: «الدوغمائية»، ويدل فلسفياً وعلمياً على طريقة في التفكير تقوم على أساس مفاهيم وصيغ لا تقبل التغيير، بغض النظر عن الشروط النوعية للمكان والزمان، أي تتجاهل مبدأ أن الحقيقة ينبغي أن تكون ملموسة.
ويعدّ بعضهم كل نظرية إيجابية تتعلق بالعالم قطعية، فالوثوقية صفة عقل يثق بنظرياته ويعترف بما لها من سلطان، من دون التسليم بإمكان اشتمالها على الخطأ والضلال. وعدّ كَنْت Kant الفلسفات العقلانية كلها ابتداءً من ديكارت إلى «ڤولف» Wolff فلسفات عقائدية، لأنها تقدم نظريات عن العالم تقطع بصحتها، وكأنها حقائق يقينية لا تنازع فيها، ومن ثم قدم مذهبه النقدي بديلاً لها، ولذلك عُدَّت العقائدية المذهب المقابل للفلسفة النقدية criticism. وتناهض العقدية الاجتهاد، وترقى أن تكون جموداً مذهبياً، ولذلك يترجمها البعض بالجمود المذهبي (القطعية).
والعقيدة في الإسلام هي المجاهرة بالإيمان بوحدة الله ونبوة محمد، والشهادة هي الأساس البسيط للمؤمنين، وتستعمل في شعائر الصلاة، وقد ارتبطت العقيدة بالأخلاق. وأثير حولها في الفكر الإسلامي نقاش طويل في علم الكلام، ومع مرور الزمن جسدت المدارس الدينية المختلفة والفرق عقائدها ومبادئها في وثائق شكلية، واختلفت فيها الفرق الإسلامية بين أشاعرة ومعتزلة ومرجئة.