الزجل : ضرب من فنون الأدب والموسيقى الذي ساد الحياة في الأندلس حتى عمّ مجالسها، وهو ينظم في فقرات بالعامية، وسميت زجلاً لأن مردديه يرفعون أصواتهم فيه في أثناء إنشاده.
والزجل نوع من أنواع الشعر الذي لم يلتزم ناظموه بالإعراب، واستعملوا في نظمه كل بحور الشعر الفصيح القائمة على أسس العروض، فنسجوا منه وفق ما تقتضيه لغتهم الدارجة أزجالاً ما زال الجيد منها محفوظاً حتى اليوم.
ابتُكر الزجل في الأندلس، في مطلع القرن السادس الهجري، على يد، ابن قزمان، الملقب بـ «إمام الزجالين»، وهو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان الأصغر، وهو سليل عائلة قرطبية كلها من النوابغ. وقد ظل يتنقل بين عواصم الأندلس وحواضرها منتجعاً صلات أمرائها إلى أن توفاه الله في قرطبة في شهر رمضان عام 555هجرية. من أزجاله قوله:
وعريش قلبي قد قام على دكان
بحال رواق
وأسد قد ابتلع ثعبان
في غلظ ساق
وفتح فمه بحال إنسان
فيه الفواق
وانطلق يجري على الصفاح
ولقى الصباح
من أشهر صناع الشعر الزجلي أبو عمر بن الزاهر الإشبيلي، وأبو الحسن المقري الدالي، وأبو بكر بن مارتين، ومن ثم صاحب الوزارتين الشاعر لسان الدين بن الخطيب. وعن طريق هؤلاء وغيرهم اشتهر فن الزجل وذاع في الأندلس كلها قبل أن ينتشر في جميع مدن المغرب العربي من أقصاه إلى أقصاه، ومن ثم عمّ شيئاً فشيئاً سائر أرجاء الوطن العربي الكبير.
يقول ابن خلدون في مقدمته عن الزجل: «وهذه الطريقة الزجلية لهذا العهد، هي فن العامة بالأندلس من الشعر، وفيها نظمهم حتى إنهم لينظمون بها سائر البحور الخمسة عشر، لكن بلغتهم العامية ويسمونه ـ الشعر الزجلي».
ويبدو أن ابتكار فن الزجل إنما جاء تلبية لرغبة رواده الأوائل في الغناء، الأمر الذي جعل بعض الباحثين يعتقدون أن ابن قزمان جاء بالزجل بدافع فطري للغناء والطرب، على الطريقة الشعبية، حتى لكأن الزجل وضع للغناء أو التطريب، أو أن حاجة الموسيقى إلى الغناء اقتضت ابتداع أو ابتكار الزجل، شأنه في ذلك شأن الموشحات.
لقي الزجل(اصطلاحاً) في المغرب، عندما جاءها من الأندلس اسم «لكريحة»، تشجيعا ًكبيراً ولاسيما من ملوك وأمراء المغرب، حتى قيل إن هذا الفن لم ينشأ في الأندلس وإنما في ديوان الخليفة عبد المؤمن الموحدي الذي كانت له يد طولى في تثبيت أصوله واعتماد أوزانه. ففي عصر هذا الخليفة وما بعده ظهرت مقطعات وأزجال المتصوف الأندلسي أبي الحسن علي النميري المعروف بالششتري، التي استحسنها المغاربة فراح شعراؤهم من الزجالين ينسجون على غرارها.
قدم الحسن الششتري في أواسط القرن السابع الهجري إلى المغرب، ولم يترك مدينة إلا زارها وتجول في أسواقها قبل أن يشد رحاله إلى المشرق العربي ويستقر في مصر حيث توفاه الله عام 668هـ/ 1169م، ومن أزجاله المتداولة حتى اليوم قوله:
شويخ من أرض مكناس
وسط الأسواق يغني
إش عليا من الناس
وإش على الناس مني
إش عليا يا صاحب
من جميع الخلايق
الذي هو تهواه
هو خالق ورازق
لا تقل يا ابني كلمة
إلا إذا كنت صادق
يتألف الزجل بصورة عامة من مقطعات كل واحدة منها جزءان: قَفْل وغصن. والقفل الأخير يطلق عليه، اسم «خرجة»، مثل الموشحة. والخرجة يجب أن تتفق مع المطلع وزناً وقافية إذا كان المطلع قفلاً. وقد تطور هذا القالب في القرن العاشر للهجرة في المغرب تطوراً أعطاه زخما ًفي التلحين بفضل الزجال حماد الحمري الذي أضاف إليه ما يعرف اليوم بـ«المذهب » الذي يتكرر في أعقاب كل غصن من أغصان القصيدة الزجلية، وهذا القالب في النظم هو الشائع اليوم عند الزجالين في شتى أرجاء الوطن العربي.
أشهر الزجالين، في القرن العشرين: محمود بيرم التونسي، وأحمد رامي، وحسين السيد وغيرهم في مصر. وعمر الزعني، وفيلمون وهبي من لبنان. وسلامة الأغواني، وعمر حلبي، وعلي دياب من سورية.