فنون الرسم المطبوع هي فنون الرسم فوق أسطح لاستخدامها في طبع نسخٍ متعددة مستنسخة من الأصل الواحد، ويعني مصطلح الغرافيك عموماً تلك الخطوط المرسومة أو المحفورة أو المطبوعة على سطح من الورق أو الخشب أو المعدن. وبتقصي أقدم الرسوم التي تركها الإنسان القديم في المغاور تبين أن تلك الرسوم تحمل آثاراً خطية فوق أسطح الصخور والجدران، وعليه فإن هذه الرسوم تعد أول أعمال الغرافيك وأقدمها. أما آثار الرسم المحفور المطبوعة مثل الأختام السومرية الأسطوانية المصنوعة من الطين المشوي لمهر الوثائق و تعريف المناطق والأشخاص، فإنها لا ترمي إلى الحصول على نسخ مطبوعة متشابهة، وذلك بأن تكرار الطبعة أو الحصول على النسخ المتشابهة لم يصيرا هدفاً ممكناً إلا بعد اختراع الورق وانتشار صناعته في العالم بدءاً من منتصف القرن الخامس عشر بحيث صار بالإمكان عد هذا التاريخ تاريخ ولادة فن «الغرافيك» في أوربة بكل أشكاله.
وقد عُرفت أقدم أشكال الحفر على الخشب في كورية عام 751م، وفي الصين أيضاً حيث وجدت لوحة تحكي قصة بوذية مؤرخة في عام 878م.
اهتم فن الحفر في الصين بطباعة الكتاب وإخراجه، ومن الصين انتقلت هذه الحرفة إلى اليابان، وارتبطت بطباعة الكتاب منذ عام 1582 م، ولكنها تطورت بمعزل عن الكتاب، وفي منتصف القرن الثامن عشر استخدمت الطباعة الملونة في اليابان رواسم عدة (كليشات) وصلت إلى قمة ازدهارها على يد الفنان هوكوساي (1760-1849) Hokusai ممثل المدرسة الاتباعية اليابانية في الحفر على الخشب.
بقي فن الحفر في الصين مرتبطاً بخدمة الكتاب نصوصاً ورسوماً توضيحية حتى بداية القرن السادس عشر، وظهور الفنان الألماني المبدع ألبرخت دورر[ر] Durer، وفنانين آخرين مثل هولبين (1497-1543)، ولوكاس (1494-1533)، وكراناخ الأصغر الذي ابتكر طريقة الظل والنور، وفيها استخدم راسمان في الطباعة لإخراج تأليف ثرٍ بمشتقات اللون الواحد، وقد حوّل كل هؤلاء الحفر على الخشب إلى فن تشكيلي خالص.
انتقل فن الحفر والطباعة إلى أوربة مع الرحالة العرب في القرون الوسطى. وقد وُجدت في النمسة أول لوحة حفر على الخشب مطبوعة مؤرخة في عام 1491، كما وجدت لوحة أخرى في مدينة كراكوف في بولندة عام 1491، وتوسعت في أوربة تقانة الحفر على الخشب؛ إذ أحدث الفنان توماس بويك في عام 1775 انعطافاً هاماً باستخدامه الحفر على صفائح الخشب المقطوعة أليافها عرضياً، فحصل على أدق الخطوط والتأثيرات الغرافيكية، وقد استخدمت طريقته هذه لدقتها في نسخ أعمال مشاهير الفنانين في التصوير (الزيتي) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
تزامن مع الحفر على الخشب فن الحفر على سطوح المعادن الذي ارتبطت بدايته بتقانة النيلّو Niello التي يزاولها الصياغ، وتعتمد حفر الرسم على صفيحة معدنية، وتعبئة الخطوط المحفورة بمعجون أسود أو أزرق. شهد النصف الثاني من القرن الخامس عشر حفر المونوغرافيين، وهم فنانون من هولندة وفرنسة وألمانية طبعوا أسماءهم على أعمالهم مرموزة بالحروف أو الكلمات مثل: سيد عام 1446، وسيد ورق اللعب... ومنذ نهاية القرن الخامس عشر وفي القرن السادس عشر تطور فن الحفر بتقانة المنقاش، وبه نسخت أهم أعمال مشاهير الفنانين. وإلى جانب الحفر بالمنقاش ظهرت تقانة الحفر بالماء القوي أي الحفر بالحموض على سطوح معدنية، ومن أهم الفنانين الذين استخدموا تلك التقانة وأبرعهم دورر، ورامبرانت، وبيرانيزي. وثمة طريقة أخرى تستخدم فيها الحموض لتخشين السطح المعدني باستعمال مساحيق أهمها الراتينج أو القلفونة المسحوقة، وتسمى هذه الطريقة صبغة الماء aquatint وتفرعت عنها طرق عدة أهمها طريقة السكر. وفي عام 1642 لجأ الفنان لودفيغ فون شيفن إلى الطريقة السوداء mezzotint التي شاع استخدامها في نسخ اللوحات الزيتية في نهاية القرن الثامن عشر في بريطانية وفرنسة وألمانية، ومن تلك الطريقة اشتقت طريقة أخرى هي طريقة الشمع الطري، وفي القرن الثامن عشر أحدثت طريقة ترمي إلى اقتفاء آثار الرسم المنفذ بأقلام الباستيل أو الطباشير.
ومن فنون الحفر المعروفة الطباعة الحجرية lithography إحدى أهم فروع الطباعة والغرافيك التي اكتشفها الباحث الألماني ألويز سنفلدر A.Senfelder، واكتسبت أهميتها من إعلانات دومييه، وتولوز لوتريك الفنية.
أفاد فن الغرافيك منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى اليوم من تطورات التصوير الضوئي الذي ابتكر تقانات رديفة لفن الحفر التقليدي مثل الطباعة الضوئية والهليوغرافيورا والكليشة الزجاجية المغطاة بمادة حساسة. واشتهرت في بولندة طريقة الحفر الكهربائي (ألكتروتنتا) التي تعتمد الحفر بمرور تيار كهربي ضعيف الشدة عبر محلول ملحي، إضافة إلى طرق الحفر العميق على الجلد المدبوغ والحفر على الزجاج.ومن الطرق الهامة في الحفر العميق على المعدن طريقة الحفر الجاف بالإبرة الحادة dry point.
عرف العصر الحديث مجموعة أخرى من وسائل الحفر والطباعة مثل الحفر على صفائح من اللينليوم، أو الجص بدلاً من صفائح الخشب، والزنكوغراف zincographie، والشاشة الحريرية serigraphie، والطبعة الوحيدة، والحفر على الصفائح المعدنية الثخينة. إن وسائل الطباعة الغرافيكية في تقدم مستمر، وتزيد في تطورها وسائل التقانات الحديثة والدعاية والإعلان وطرق البرمجة الضوئية والليزرية والكمبيوتر وغيرها.