أرض سورية تُعرف بهضبة الجولان، أو المرتفعات السورية أيضاً، تقع في جنوب غربي سورية، تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي مهم، جعلها بؤرة صراع ونزاع بين القوى التي حكمت المشرق العربي في عصور التاريخ المختلفة، وهي اليوم واحدة من بقاع النزاع الساخن في العالم، تشغل 68.6% من مساحة محافظة القنيطرة.
يقع الجولان المحتل بين خطي العرض 32 درجة و41 دقيقة، و33 درجة و15 دقيقة شمالاً، وخطي الطول 35 درجة و37 دقيقة، و35 درجة و57 دقيقة شرقاً، يشغل مساحة 1276كم2، من أصل 1860كم2 مساحة محافظة القنيطرة قبل احتلالها عام 1967. وللجولان شكل مغزلي متطاول من الشمال باتجاه الجنوب، بطول قدره 63كم، وعرض يراوح بين 11- 12كم، وحدوده جغرافية طبيعية واضحة، يرسمها وادي نهر اليرموك وخانقه العميق (350- 500م) في الجنوب، والجروف والمنحدرات القاسية المطلة على سهل الحولة وبحيرة طبرية من علو 300- 550م في الغرب. وتنطبق الحدود الجغرافية الطبيعية في الجنوب مع حدود سورية مع المملكة الأردنية، وفي الغرب مع الحدود السورية ـ الفلسطينية. أما حدود الجولان في الشرق فتتفق مع مجرى وادي الرقاد ومجراه الأدنى، وادي الطعيم، وحدوده في الشمال هي حضيض جبل الشيخ المكون من الصخور الرسوبية، وخط التقائها مع الصخور الاندفاعية- البركانية المكونة لهضبة الجولان، حيث حفر وادي السعار مجراه الذي يمكن عدّه الحد الشمالي للجولان.
أرض الجولان نتاج الحركات الصدعية- الانهدامية التي ولدت الوادي الانهدامي السوري- الإفريقي الممتد من مرعش إلى وادي الزمبيزي في شرقي إفريقية. فإلى الشرق من غور الحولة وطبرية، ارتفعت هضبة الجولان التي غشتها الحمم واللابات الاندفاعية ـ البركانية، وبالتالي فسطحه حجري بازلتي وعر يعلو 300-600م فوق سطح البحر في الجنوب الغربي، ويشرف على بحيرة طبرية الواقعة على مستوى -212م، وعلى سهل البطيحة (-198م)، لكنه يرقى إلى 850-900م وسطياً في الشمال الشرقي.
وعموماً ينحدر سطح الجولان من الشرق والشمال الشرقي إلى الغرب والجنوب الغربي الذي يصبح أقل وعورة، وتظهر فيه مساحات منبسطة سهلية. وتبرز على سطح الهضبة مجموعة من المخاريط البركانية يصل عددها إلى 31 مخروطاً، يضاف إليها فوهة بركان مجهض، امتلأ بمياه بحيرة مسعدة. أبرز هذه البراكين وأعلاها، بركان تل الوردة (1227م)، لكن أكبرها هو بركان «تل أبو الندى» (1204م)، إضافة إلى براكين مهمة أخرى مثل تلال الأحمر والبرعم والعرام وأبو خنزير ويوسف والفرس، وقد خربت قوات الاحتلال الصهيوني تل الفرس لغايات عسكرية. وتتلاحم المخاريط البركانية في الشرق لتشكل سلسلة جبال الجولان التي ترتفع لأكثر من 1000م وسطياً، والبراكين هذه أحدث نشأةً من جسم الهضبة التي تنتصب فوقها، ونظراً لحداثة نشأة الجولان جيولوجياً، لم تؤثر عوامل الحت والتعرية إلا في هوامش جسم الهضبة التي خددتها الأودية العميقة والضيقة.
المناخ والمياه:
إن انفتاح الجولان من جهة الغرب، وقربه من البحر المتوسط ساعدا على وصول المؤثرات البحرية الملطفة لأوضاع عناصر المناخ السائدة في بلاد الشام، ومنها منطقة الجولان، ذات الصيف الجاف والمعتدل في المرتفعات، والحار في الغرب الواطئ، والشتاء البارد المطير في الشرق والشمال، والمعتدل المطير في الغرب والجنوب، وتراوح المتوسطات السنوية للحرارة بين 14- 19 درجة، ومتوسطات الصيف بين 22- 26 درجة، ومتوسطات الشتاء بين 6- 11 درجة، وتكون درجات حرارة البطيحة وشواطئ طبرية والحمة عالية عموماً، أما الحرارة القصوى فتزيد على 40 درجة، والدنيا تقل عن -7 درجات، ويتشكل الصقيع والثلج في الشمال والشرق، بينما ينعم السكان في الشتاء بالدفء في الجنوب. وتحمل الرياح الغربية السائدة نسبة عالية من الرطوبة التي تراوح معدلاتها السنوية بين 50- 83%، لكنها قد تنخفض إلى 30% في الجنوب، الذي لا يتأثر بالرياح الشرقية والجنوبية الشرقية القارية- الجافة. ومع تصاعد الهواء بازدياد الارتفاعات شرقاً، يتبرد وترتفع رطوبته النسبية، ويصبح الطقس لطيفاً في الصيف والربيع. أما في الشتاء، فتنعقد السحب وتهطل الأمطار. ويعد الجولان من المناطق المطيرة في سورية، وتراوح أمطارها بين 400- 1000مم سنوياً، تزداد في الشمال والشمال الشرقي، وتتناقص في الجنوب، وتقدر كمية مياه الأمطار والثلوج الذائبة بنحو 1.2 مليار م3 سنوياً، أما في الصيف فيتشكل الندى الكثيف الذي يبلل الأرض والنباتات، ويقلل من قسوة الجفاف وانقطاع الأمطار.
مياه الجولان كثيرة، ومع ذلك فهو فقير إلى الجريان السطحي، إذ يظهر الجريان الدائم بهوامش المنطقة، مثل نهر بانياس ونهر الأردن ورافده اليرموك، ووادي الرقاد الأدنى، واستفادته من مياهها محدودة جداً في الأراضي السورية، ويفقد الجولان قسماً كبيراً من مياهه السطحية نتيجة انسياح مياه الأمطار على الصخور البازلتية، وطبيعة التربة المتكونة عليها والمعوّقة لتسرب المياه المطرية فيها، مما يقلل غزارة الينابيع والعيون، وكذلك مخزون الجيوب المائية والحوامل المائية الجوفية، باستثناء هوامش الجولان الغربية والجنوبية التي تتفجر عند أقدامها الدنيا ينابيع مهمة، مثل نبع بانياس وتصريفه السنوي الوسطي 180 مليون م3، وينابيع الحمة ومياهها معدنية حارة، ومعدل تصريفها السنوي 63 مليون م3، أما ينابيع الداخل الجولاني فكثيرة (نحو 80 ينبوعاً) لكن غزارتها متدنية، ويقدر تصريفها مع تصريف السيول بنحو 23ـ24 مليون م3 سنوياً، ويضاف إلى هذه المصادر المائية السطحية قرابة 120 مليون م3 من المياه الباطنية المتجددة. وفي الجولان الكثير من البرك، أكبرها بركة أو بحيرة مسعدة التي تحوي نحو 3 ملايين م3 من المياه العذبة. وتعد الثروة المائية هذه واحدة من الموضوعات الحساسة في النزاع العربي ـ الصهيوني، إذ يسيطر الكيان الصهيوني على معظمها منذ عام 1967.
تربة الجولان: موضعية ومنقولة، أصولها الصخور البازلتية ـ الاندفاعية، تنتمي إلى زمرة ترب شرق البحر المتوسط البنية اللون، وهي رقيقة غنية بالأحجار ومبعثرة، معرضة للانجراف في الشمال والشمال الشرقي، وثخينة شبه متصلة في الجنوب والجنوب الغربي. أما نبات المنطقة، فهو من الأنواع النباتية المتقهقرة وبقايا الغابة الشجرية، والأعشاب التي كانت تغطي معظم أنحاء الجولان، ولم يبق منها سوى 15% من مساحته اليوم، مغطاة بمساحات غابية مبعثرة من البلوط والسنديان والملول والزعرور وخلافه، في حين تغطي الأعشاب الجولان بنسبة عالية، مما جعل منه مرعى جيداً. كذلك تراجعت الثروة الحيوانية بفعل الإنسان فلم يبق من أنواع الحيوان سوى القليل من الثدييات واللواحم والطيور المستوطنة، وكذلك الزواحف والكثير من الحشرات.
السكان:
ترجع البدايات المبكرة المؤكدة لإعمار الجولان والكشف عن مواقع استقرار سكاني، إلى العهد الكنعاني، وقد استمر هذا الإعمار عبر جميع العهود التاريخية حتى اليوم، عاش الجولان في أثنائها فترات مد وجزر سكاني، بل وهجر ثم إعادة استيطان، آخرها إعادة إعماره في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ثم تهجير سكانه عام 1967، وإنشاء مستعمرات صهيونية فيه يقرب عددها من 40 مستعمرة حتى عام 2002.
السكان الأصليون هم أحفاد القبائل العربية التي امتهنت حرفة تربية الحيوانات في مراعي الجولان وخارجه، بتطبيق نظام (النجعة)، إلى جانب أشكال متواضعة من الاستقرار الريفي في الجنوب الجولاني، لكن الإعمار الثابت الحديث أخذ يظهر في أعوام 1878-1897، حين أسكن العثمانيون آلاف المهجرين الشركس في عدد من المواقع، أصبحت قرى حول مدينة القنيطرة، يسكنها نحو 11000 نسمة. كذلك استوطن نحو 2000 من التركمان واليوروك قرى على طريق القنيطرة ـ فلسطين، أعقب ذلك تحول أعداد متزايدة من البدو الرحل إلى ريفيين مستقرين، فأخذ عدد السكان بالنمو، ولاسيما في النصف الأول من القرن العشرين بنمو مدينة القنيطرة التي صارت مركزاً إدارياً تابعاً لمحافظة دمشق، وسوقاً وعقدة مواصلات مهمة بين سورية وفلسطين ولبنان الجنوبي. لكن الطفرة السكانية وزيادة التوسع العمراني في الجولان حصلت بعد عام 1948، بتحوله إلى منطقة مواجهة عسكرية مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، ووصول أفواج اللاجئين الفلسطينيين إليه، وما رافق ذلك من نشاط ونمو اقتصاديين، فوصل عدد سكانه إلى نحو 153 ألف نسمة عام 1967، يعيشون في 273 تجمعاً سكنياً، أكبرها مدينة القنيطرة[ر] (28 ألف نسمة)، التي أصبحت مركز محافظة القنيطرة عام 1964، ثم فيق فالعال فالخشنية.
وقد خلا الجولان من السكان بعد احتلاله عام 1967 وتهجير أهله، باستثناء عدة قرى في لحف جبل الشيخ، يقدر عدد سكانها بنحو 16 ألف نسمة، لكن المحتلين مالبثوا أن أقاموا فيه مستوطنات لهم بعد إزالتهم 110 قرى وتدمير الباقي. وتراوح أعداد المستوطنين الصهاينة في الجولان بين 17 ألف و20 ألف مستوطن.
أما السكان الجولانيون المهجرون، فقد نزحوا إلى محافظتي دمشق ودرعا بالدرجة الأولى وإلى محافظات سورية أخرى، كما هاجرت أعداد منهم إلى أقطار عربية وإلى أمريكة أيضاً، ويقدر عدد النازحين بنحو 250 ألف نسمة (عام 2002) على التراب السوري.
وقد بُنيت مساكن الجولان من المواد الأولية المحلية، فغلب عليها الحجر البازلتي والسقف المستوي، باستثناء السقف القرميدي المسنم في مساكن الشركس، وقد غزا الإسمنت والحديد المساكن الحديثة، لكن الاحتلال الصهيوني عطل عملية الإعمار والعمران منذ عام 1967.
اقتصاد الجولان:
يفتقر الجولان إلى الثروات الباطنية باستثناء المياه الحارة والكبريتية لعين النقيب وعيون الحمة الأربع، وكذلك أحجار ومواد البناء الطبيعية، وتكاد ثرواته الطبيعية تقتصر على مياهه وتربته ومناخه، واستثمارها من قبل سكانه، لذا قام اقتصاد الجولان على الزراعة وتربية الحيوانات بالدرجة الأولى، وكانت نسبة العاملين فيهما عالية تصل إلى 63% من مجموع السكان العاملين، لكن الأراضي المزروعة فعلاً لم تكن تتجاوز 40 ألف هكتار من أصل 107150 هكتاراً صالحة للزراعة، إضافة إلى 17500 هكتار من المراعي، والزراعة بعلية باستثناء 2147 هكتاراً مروية.
وتحتل زراعة الحبوب المركز الأول في قائمة المحاصيل الزراعية، كما ينتج الجولان الذرة والقطن والخضر المختلفة، أهمها البواكير التي تُزرع في الأنحاء الدافئة في البطيحة وحول بحيرة طبرية، وتدر على زراعها أرباحاً مجزية. وتنتشر في الجولان زراعة الأشجار المثمرة، أهمها الكرمة والتفاح والكرز في الأنحاء الشرقية، ثم الزيتون، وكذلك الحمضيات والموز في الأنحاء الغربية والجنوبية الدافئة.
وقد اشتهر الجولان بتربية الأغنام والأبقار وحيوانات العمل التي تراجعت أعدادها بعد دخول الآلة إليه، كما ازدهرت فيه تربية الدواجن والنحل، إضافة إلى صيد السمك من بحيرة طبرية.
أما الصناعة فمتواضعة، وتشتمل على صناعة مواد البناء والطحن وتصليح الآليات، إضافة إلى صناعات غذائية يدوية صغيرة مثل عصر الزيتون والعنب وصناعة الألبان، وصنع البسط والسجاد والألبسة الصوفية المحلية، كذلك اقتصرت التجارة على تبادل محدود للمنتجات الزراعية محلياً، ومع الداخل السوري، وكان مربو المواشي يصدرون العجول إلى فلسطين حتى عام 1948. أما مواصلات الجولان فكانت جيدة تربطه بالداخل السوري وبلبنان وفلسطين بطرق للسيارات، انقطعت الحركة عليها ودُمر معظمها بعد الاحتلال، كما هي حال جميع منشآت الخدمات والبنية التحتية للجولان.
تاريخ الجولان:
يكاد يخلو الجولان من مواطن العصور الحجرية القديمة، ومشاغل الأدوات والأسلحة الصوانية لإنسان ما قبل التاريخ، وإن عُثر على بعضها فهو منقول بوساطة صياد قادم من أحد المواطن الهامشية المنتشرة على أطراف الجولان، والسبب هو الانفجارات والثورات البركانية العائدة للرباعي الأعلى والحديث وما قبلهما، وانعدام الحجر الصواني من الجولان البركاني ـ الاندفاعي، لذا فإن تاريخ المنطقة يبدأ عملياً مع دخول القبائل الكنعانية إلى الغرب السوري في الألف الثالث قبل الميلاد. وتشير رسائل تل العمارنة أن الجولان كان ضمن أملاك الامبراطورية الفرعونية، إثر الاتفاق الحثي ـ المصري عام 1286ق.م، لكنه مالبث أن أصبح في حوزة الآراميين الذين بسطوا نفوذهم على منطقة السامرة (الضفة الغربية اليوم)، في عهد ملك دمشق الآرامي حزئيل (886-875ق.م)، وظل الجولان مرتعاً للقبائل الآرامية ومعبراً مهماً بين أقاليم سورية الشمالية والجنوبية لموقعه الجغرافي المتوسط، حتى غزو الآشوريين لإقليم باشان (حوران والجولان)، وسقوط مملكة آرام دمشق بيدهم سنة 732ق.م، وتبع ذلك سقوط السامرة سنة 721ق.م، ثم خضع لحكم المملكة البابلية الحديثة. وفي القرن الخامس قبل الميلاد وقع الجولان بيد الفرس الذين امتد حكمهم على سورية إلى حوض نهر الأردن والعاصي، في عهد الملكين قورش ودارا، ومما يؤكد ذلك أن اسم قرية المغيِّر القديم «طيلستان» فارسي، وآثارها تعود إلى ذلك العهد. ثم جاء الحكم المقدوني بعد هزيمة الفرس على يد الإسكندر الكبير عام 333ق.م، لينتقل الحكم بعد ذلك إلى السلوقيين عام 300ق.م. ويبدو أن شكلاً من أشكال الاستيطان بدأ في الجولان في 16 موقعاً تقريباً من العهد اليوناني ـ السلوقي، منها قرية «سلوقية»، لكن الجولان بقي ساحة صراع بين السلوقيين والبطالمة في مصر، مما حد من التوسع العمراني، حتى سقطت سورية الطبيعية بيد الرومان سنة 64ق.م. وتميز العهد الروماني بعد إخضاع السكان المحليين من الإيطوريين والأنباط، وطرد اليهود من مدن بلاد الشام، بإدخال تنظيمات إدارية شملت الجولان الذي تُرك لسكانه، فنعم بنوع من الاستقرار، وقامت فيه مواقع استيطانية وصل عددها إلى 182 موقعاً تقريباً، تربطها شبكة من الطرق والمنشآت العسكرية، لكن الاستقرار تزعزع حين نصَّب الرومان حكاماً من اليهود على فلسطين وجوارها، وأخذ الحكم الروماني ينهار مقابل صعود قوة بيزنطة، في زمنٍ احتدم فيه الصراع البيزنطي ـ الساساني، كما تصاعدت المواجهة بين الوثنية الرومانية والديانة اليهودية من جهة، والديانة النصرانية الناشئة من جهة أخرى.
وكان أبرز أحداث الجولان وجنوبي سورية في العهد البيزنطي، ازدياد أهمية الوجود العربي، إذ كان الجولان في أواخر القرن الثالث الميلادي موطن قبائل تنوخ التي نزلت بلاد الشام قبل الإسلام، تبعهم أبناء عمومتهم الضجاعمة ثم الغساسنة، وقد استخدم البيزنطيون الجميع في حربهم ضد الفرس الساسانيين. وكان القرن الرابع الميلادي أزهى أيام الغساسنة، إذ امتد نفوذهم إلى حوران والجولان والبلقاء وحوض دمشق، وخلفوا في الجولان عشرات المواقع والآثار العائدة للعهد البيزنطي، الذي تنسب إليه معاصر الزيتون والعنب، دليل الاستقرار الزراعي، وكذلك انتشار نموذج المسكن الحجري الصرف دليل الاستيطان السكاني الدائم، ويرجح أن المنطقة كانت تتمتع في زمن الغساسنة بما يشبه الحكم الذاتي تحت إمرة أمير منهم.
تميز تاريخ سورية في العهد البيزنطي باستمرار النزاع بين البيزنطيين وأنصارهم المناذرة، إلى أن فتح العرب المسلمون بلاد الشام بعد معركة اليرموك (13هـ/636م) التي دارت رحاها في موقع الواقوصة (الياقوصة في الجولان) وأصبحت المنطقة جزءاً من الدولة الإسلامية. وقد دخلت الجولان أفواج كثيرة من بطون القبائل العربية العاملة في جيوش الفتح، لكن معظمهم تابع الزحف شمالاً، فلم يبق منهم في الجولان إلا القليل في العهد الراشدي الذي أصبح فيه الجولان كورة من كور جند الشام. ومنذ ذلك الحين أصبح تاريخ المنطقة متصلاً بتاريخ الدولة الأموية والعباسية، وعاش الجولان ركوداً واستقراراً عمّ حياة سكانه من أبناء القبائل العربية المختلفة الذين عملوا في الرعي والزراعة. أعقب ذلك تحول الجولان إلى ساحة صراع في زمن الحروب الصليبية، وتعرض للغزو الصليبي واحتلال بانياس وقلعة الصبيبة (نمرود)، التي حولها الصليبيون إلى قاعدة، يشنون منها غاراتهم على الجولان والطرق المؤدية إلى دمشق وغيرها، وأدى ذلك إلى خراب الديار، فهجرت القرى والحقول، وتحول الجولان إلى مراع ترتادها العشائر البدوية سعياً وراء الكلأ والماء، وازداد تخريب الجولان بتعرضه للإعصار المغولي الذي عصف بها في أثناء زحف جيوش المغول إلى فلسطين مروراً بالجولان مرة، ثم مرورها به ثانية بعد انهزامها في معركة عين جالوت[ر] عام 1259م على يد السلطان قُطُز وقائد جيشه بيبرس، وظل الجولان على وضعه من الركود وغلبة البداوة عليه حتى العهد العثماني.
بعد معركة مرج دابق عام 1516، بدأ عهد الحكم العثماني لسورية ومصر وغيرهما من البلدان العربية، وقد دام الحكم العثماني حتى أواخر الحرب العالمية الأولى وعام 1918، وكان الجولان خلال القرون الأربعة من هذا العهد، مجرد معبر تمر فيه الطريق الرئيسة بين دمشق وفلسطين ومنها إلى مصر، أُقيمت عليها مخافر ومراكز حماية للتجار والقوافل، أهمها مركز القنيطرة. لكن أبرز أحداث التاريخ الخاص بالجولان في العهد العثماني دخول مجموعات بشرية مختلفة إليه واستيطانها أنحاءه، ففي القرن السادس عشر دخله التركمان، وفي القرن السابع عشر تدفق عليه أبناء عشيرة النعيم وبطونها، واستوطنت هذه العشيرة أجزاء من الجولان، إلى جانب حرم عشيرة الفضل التي سبقتها بدخول الجولان في القرن السادس عشر، إضافة إلى المستقرين من بطون قبائل عربية قديمة العهد بالجولان، كذلك وطّن العثمانيون مجموعات من الشركس والتركمان في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وكان الجولان مقسماً إدارياً إلى قضاء القنيطرة التابع لدمشق وقضاء فيق (الزوية) التابع لحوران. ومن أحداث العهد العثماني أيضاً، احتلال الجولان من قبل الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا، إبان الحملة المصرية على سورية.
بعد انتهاء الحكم العثماني دخل الجولان تحت الانتداب الفرنسي الذي ضم سورية ولبنان، وأصبحت حدوده الغربية والجنوبية حدوداً سياسية مع كل من فلسطين والمملكة الأردنية، وصار منذ عام 1923 وحدة إدارية سورية مؤلفة من قضائين. وكان للفرنسيين في مدينة القنيطرة ثكنة عسكرية، انسحب الجنود منها حين دخلت القوات البريطانية سورية لمساندة القوات الفرنسية الدوغولية أواخر الحرب العالمية الثانية.
ما كادت سورية تحصل على استقلالها حتى داهمتها حرب عام 1948، وقيام دولة الكيان الصهيوني المعادية على امتداد الحدود الغربية للجولان، فتحول الجولان إلى منطقة عسكرية وجبهة مواجهة حصينة، وتركزت فيها القوات المسلحة السورية، كما تدفق عليها نحو 16000 لاجئ فلسطيني، ونحو 15200 مواطن سوري، بحثاً عن عمل فيها، وفي عام 1964 دخل الجولان في إطار محافظة هي محافظة القنيطرة.
الجولان المحتل:
بعد 21 سنة من تحرر الجولان من الحكم الفرنسي، وقع عام 1967 تحت الاحتلال الصهيوني، فبعد الحرب العربية- الصهيونية الأولى عام 1948، واتفاقية الهدنة المشتركة في 20/7/1949، أصبحت الحدود السورية مع فلسطين المحتلة تضم أربع مناطق منزوعة السلاح، كان الجيش السوري حررها من الاحتلال الصهيوني في أثناء الحرب المذكورة، وهي منطقة بانياس، ومنطقة الحولة ـ كَعْوَش، ومنطقة العامرية ـ الحاصل، ثم منطقة بحيرة طبرية مع شريط الحمة وشاطئ بحيرة طبرية الشرقي. وقد تعرضت هذه الأراضي الموضوعة تحت الإدارة السورية لاعتداءات صهيونية متكررة، واحتلت إسرائيل أجزاء واسعة منها حتى عام 1967، الذي توجت فيه اعتداءاتها بغزو الجولان في عدوان 5 حزيران 1967، فاحتلته إضافة إلى مساحات من أراضي محافظة القنيطرة، تقع في جبل الشيخ، ووصلت في احتلالها إلى قمم جبال الجولان الشرقية، وجبل الشيخ الجنوبي. وترافق احتلال الجولان بتهجير سكانه قسراً، باستثناء سكان قرى جبل الشيخ، تلاه نقل سكان إسرائيليين إلى مستوطنات في الجولان، أُقيمت بعد الاحتلال مباشرة.
وفي عام 1973، قامت سورية في حرب تشرين بتحرير ما مساحته 100كم2 من أراضي الجولان المحتل، على امتداد شريط يساير خط الهدنة الجديد، ويضم مدينة القنيطرة وقرى الحميدية والقحطانية (المدارية) وبئر العجم والبريقة والرفيد وغيرها، لكن إسرائيل لم تتراجع عن سياستها الأساسية الهادفة إلى احتلال الأرض العربية والتوسع فيها إلى الحدود التي رسمتها المطالب الصهيونية للدولة الصهيونية الكبرى، فغيّرت معالم المنطقة المحتلة بتدمير المراكز العمرانية والمنشآت العربية والمؤسسات وبيوت العبادة، وأزالت عشرات التجمعات السكنية من الوجود، ودمرت مدينة القنيطرة قبل تسليمها لسورية بأيام، كما اتجهت إلى تحصين المواقع والمستوطنات الصهيونية تحصيناً قوياً، وربطتها بشبكة كثيفة من الحواجز والتحصينات العسكرية، إضافة إلى زيادة عدد المستعمرات إلى 40 مستعمرة في عام 2002. وتهدف خطة الاستيطان الإسرائيلية إلى زيادة أعداد المستعمرات، أو رفع عدد سكان القائم منها، بحيث تستوعب 50000 مستوطن. لكن أخطر خطوة في هذا الاتجاه التوسعي ـ الاستيطاني كان إصدار قانون ضم الجولان إلى الكيان الصهيوني، الذي قدمته الحكومة الإسرائيلية إلى الكنيست في 14/12/1981، وتنص مادته الأولى على الآتي: «يسري قانون الدولة وقضاؤها وإدارتها على منطقة مرتفعات الجولان»، وبذا أخذت إسرائيل تتعامل مع مسألة الجولان على أنه جزء منها.
جاءت مقاومة عملية الضم من المواطنين السوريين الذين بقوا تحت الاحتلال الإسرائيلي وعدم التخلي عن الهوية السورية الوطنية، انسجاماً مع مقررات ومبادئ «الوثيقة الوطنية» التي صدرت عن مؤتمر وطني عقد في قرية مجدل شمس في أواخر عام 1980، وقد أعلن المواطنون السوريون في الجولان الإضراب العام إثر صدور قانون الضم، ردت عليه السلطات الإسرائيلية باستخدام شتى وسائل القمع والإرهاب والقهر والحرمان، فاعتقلت الكثيرين وهدمت المساكن وفرضت ضرائب جديدة، وصادرت أراضي جديدة وغير ذلك من إجراءات أدت إلى صدامات بين قوات الاحتلال والمواطنين.
أما الحكومة السورية فقد رفعت الأمر إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، واستصدرت منهما قرارات مفادها أن قرار إسرائيل لاغ وباطل، أسقطها الفيتو الأمريكي، كما احتجت جامعة الدول العربية، وأدانت الموقف الأمريكي. وفي عام 1991، كان الجولان محور مفاوضات «السلام مقابل الأرض» بين سورية وإسرائيل في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، وبقيت المشكلة قائمة، والكيان الصهيوني مازال يحتل 1176كم2 من الأرض السورية.