الصحافة journalism هي إحدى وسائل الإعلام، وهي نشرات يومية أو أسبوعية تقدم من خلالها المعلومات العامة حول الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وبسبب اتساع سوقها وازدياد الطلب عليها، أصبحت الصحافة ذات موضوعات عديدة تتصف بالشمولية أحياناً وبالتخصص أحياناً أخرى، وباتت تستقطب اهتمام الباحثين والعاملين في المجالات المختلفة، وهي تستفيد يوماً بعد آخر من التطورات الواسعة التي يشهدها العالم المعاصر في المجالات العلمية والتقنية التي وفرت لها عوامل التطور والانتشار بصورة لم يسبق لها مثيل.
وتعد الصحافة أقدم من المذياع الذي ازداد انتشاره بقوة منذ الثلاثينيات، من القرن العشرين، وبقيت الأكثر تأثيراً في توجيه الرأي العام وتكوينه حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حين أخذت تظهر منذ الخمسينيات من القرن العشرين الوسائل السمعية البصرية، وفي مقدمتها التلفاز، والتي راحت تنافس الصحافة في قدرتها على توجيه الرأي العام، ومع ذلك لم تفقد الصحافة حتى اليوم موقعها المتميز في بنية الثقافة.
نشوء الصحافة وتطورها التاريخي:
ليس من اليسير رصد البدايات الأولى لتاريخ العمل الصحفي في تاريخ الإنسان، ذلك أن تدوين المعلومات بغية نشرها من خلال الصحف تعود إلى الحضارة اليونانية، فقد كانت السلطة تدوّن الأخبار والقرارات التي ترغب في إبلاغها للمواطنين على أوراق تلصق على الجدران في أماكن مخصصة، بغية إعلامها للناس.
كما عرف عن العرب قبل الإسلام أنهم كانوا يعلقون المواثيق والعهود على جدار الكعبة بغية إعلانها على الملأ، إضافة إلى أنهم كانوا يختارون من القصائد أجملها ويعلقونها على جدار الكعبة لجعلها مقروءة، وكان ذلك يقوم مقام النشر في العصور الحديثة، لأنها أشبه ما تكون بصحف اليوم، وبلغ أثر المعلقات في الحياة الاجتماعية قبل الإسلام حداً جعلها هدفاً للوافدين إلى مكة على اختلاف شرائحهم للوقوف على ما يجري فيها من نشاطات وأحداث ومستجدات تتصل بالحياة السياسية والتجارية والأدبية.
أما في العصور الحديثة، فقد ظهرت الصحافة للوهلة الأولى في عصر النهضة، على هيئة رسائل إخبارية تكتب باليد ويتداولها التجار المعنيين بها، وغالباً ما كانت تتضمن شرحاً للأحداث التي تتعرض لها الدول بما في ذلك أخبار الحروب، والأوضاع الاقتصادية، والأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد، وغالباً ما كان التجار يستفيدون منها لمعرفة أفضل الطرق لتسويق سلعهم في البلاد المختلفة.
منذ عام 1597 أخذت تظهر صحف أمستردام، وهي أولى المنشورات المطبوعة المنتظمة، في كل من ألمانيا وسويسرا وبلجيكا باللغات الإنكليزية والفرنسية، وتسلك طريقها إلى باريس ولندن، وغالباً ما كانت هذه الصحف تخضع لمراقبة الحكومات المحلية، وتأخذ منها الموافقات الرسمية على النشر، وكان لهذه الدول حق التدخل في إدارة المؤسسات الصحفية، وانتقاء الأخبار وتوزيع المطبوعات، وما له صلة باتخاذ القرارات.
غير أن تطورات كبيرة للصحف ظهرت في المراحل التالية لعصر النهضة، وخاصة مع انتشار الطباعة، واستخدام تقاناتها، فقد أصبحت تتناول فيما بعد موضوعات اجتماعية وثقافية وسياسية متنوعة، إضافة إلى أنها أصبحت، مع تزايد إمكانية التحكم بها، قادرة على توجيه الرأي العام والتحكم به، ولهذا ازداد الاهتمام بها من قبل القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة، لما لها من تأثير في توجيه السلوك الإنساني تبعاً للغايات التي تتطلع إليها هذه القوى. وسرعان ما أسهم ذلك في ظهور المطبوعات الدورية (الأسبوعية والشهرية والفصلية) التي استخدمت وسائل إيضاح جديدة ومثيرة وصور للأحداث والأشخاص ذات العلاقة بالموضوعات التي تتناولها هذه الصحف.
وفي بدايات القرن العشرين، أخذت تكتمل الملامح العامة للصحافة، وأخذ دورها في توجيه الرأي العام يزداد أيضاً، وظهر ذلك بأوضح صورة له في الحربين العالميتين، فقد انتشر المراسلون العاملون في المؤسسات الصحفية في مختلف بقاع العالم، لرصد تغيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولتوظيف الأخبار والمعلومات، لما يفيد الجهات المنتجة لها من سياسيين واقتصاديين واجتماعيين ودعاة دينيين.
نشوء الصحافة العربية:
أخذت الصحافة العربية بالظهور منذ بدايات القرن التاسع عشر، فأسست في القاهرة أول جريدة مصرية عام 1828، وهي جريدة الوقائع المصرية، وصحيفة الأهرام عام 1876 ومازالت مستمرة حتى اليوم، وتعد من أقدم الصحف العربية المنتشرة حالياً. وفي أثناء تلك الفترة توالى صدور الصحف المصرية حتى جاوز عددها 150 صحيفة في بداية القرن العشرين، وأكثر من 500 صحيفة عام 1930.
وفي بيروت تأسست جريدة «حديقة الأخبار» عام 1858، وتلتها مجموعة أخرى من الصحف جاوز عددها 25 صحيفة في بداية القرن العشرين، وارتفعت إلى نحو 180 صحيفة عام 1930.
أما في سورية فقد تأسست أول صحيفة رسمية عام 1865 باسم «سورية» وكانت تطبع باللغتين العربية والتركية، إلا أنها توقفت عن الصدور مع سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، غير أن الصحف السورية استمرت في الصدور حتى بلغ عددها قرابة 200 صحيفة في مطلع عام 1930.
أنواع الصحف وأشكالها:
تستخدم كلمة الصحافة للدلالة على معانٍ متعددة، فتأتي بمعنى الحرفة، ويراد بها الجانب المتعلق بإنتاج الصحف، وتجارتها وما يتعلق بها من مهن كالتصوير والتوزيع والتسويق؛ فالعمل الصحفي يغطي مجمل الفعاليات التي تؤدي إلى إنتاج الصحافة وتداولها في الأسواق، وقد تأتي الكلمة أيضاً بمعنى المنشورات التي تتم طباعتها، ويتم توزيعها وتداولها في الأوساط المختلفة، وقد تأتي بمعنى أشمل؛ إذ يراد منها الوظيفة التي تؤديها في المجتمع، فيقال إن الصحافة تؤدي دوراً إيجابياً أو سلبياً في توجيه الرأي العام، تبعاً لدرجة توافقها مع الفلسفات الاجتماعية السائدة.
وتختلف أنواع الصحف باختلاف غاياتها وأهدافها والفلسفات الاجتماعية التي تقوم عليها، ويصنف الباحثون الصحف وفق معايير عديدة، منها بحسب دورية الصدور، وبحسب التغطية المكانية، وبحسب المضمون، وبحسب الاتجاه، وبحسب قنوات النشر، فتصنف بحسب دورية الصدور؛ إذ يمكن أن تكون يومية أو أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية أو فصلية، وقد تكون صحافة غير دورية أيضاً يأتي صدورها بحسب المناسبات والأوضاع المحيطة بها.
أما فيما يتعلق بمعيار التغطية، فيلاحظ أن بعض الصحف تجاوز حدودها القومية، وتصل إلى أنحاء مختلفة من العالم، مثل: الهيرالدتربيون الدولية International Herald Tribune، ويوإس اي توداي USA Today الأمريكيتين، والفايننشال تايمز Financial Times البريطانية وغيرها، في حين تحظى صحف أخرى بأهمية سياسية واجتماعية واقتصادية عالمية، مع أنها ذات طابع قومي، مثل: نيويورك تايمز The New York Times التي تحمل في زاويتها العليا عبارة: «أنها تنشر من الأخبار ما يستحق النشر» All the news that is fit to print، والواشنطن بوست The Washington Post، واللوموند Le Monde الفرنسية، والتايمز The Times، والغارديان The Guardian البريطانيتين وغيرها، كما تنتشر في معظم بقاع العالم صحف محلية على مستوى المدن، حتى المدن الصغيرة. ومن الصحف العربية الذائعة الصيت عالمياً «الحياة» و«الأهرام الدولي» و«النهار» و«السفير» و«الشرق الأوسط»، وكلها تطبع في أكثر من بلد في الوقت ذاته لتصل القارئ في اليوم ذاته.
كما يصنف الباحثون الصحافة أيضاً بحسب أهدافها؛ إذ تنتشر صحف عامة يراد منها الجمهور الواسع من السكان، وتستهدف توجيه الرأي العام وتغييره وفق الأهداف التي تتطلع إليها، وصحف متخصصة تستهدف توجيه الرأي العام إلى شرائح سكانية محددة تولي اهتمامها بموضوعات خاصة ذات طابع سياسي تارة، أو اجتماعي تارة ثانية، أو علمي أو اقتصادي، ومنها تأتي الصحيفة الإعلانية والتجارية وغيرها. كما تنتشر في كثير من دول العالم الصحف الصفراء Tabloids التي تولي اهتمامها بتتبع أخبار المشاهير من السياسيي أو الاقتصاديين أو الاجتماعيين، والفنانين من الشخصيات المعروفة في تلك الدول.
ويضاف إلى ذلك تصنيف الصحف بحسب وسائط النشر التي تعتمدها، وقد ظهر هذا التصنيف مع انتشار الصحافة الإلكترونية على شبكة الاتصال العالمية (الإنترنت) والصحافة المرئية من خلال المحطات الفضائية المنتشرة في معظم بقاع العالم.
وظائف الصحافة:
تؤدي الصحافة وظائف اجتماعية واقتصادية وسياسية متنوعة، فهي إخبارية في عرضها للأخبار والأحداث المنتشرة في حيزها المكاني، وهي تحليلية في تصدِّيها للأخبار والعمل على تفسيرها ومعالجتها، وقد تؤدي وظائف استطلاعية من تحقيقاتها الميدانية التي يراد منها الكشف عن جوانب القصور في أداء بعض المؤسسات للمهام المنوطة بها، فتصبح الصحافة وسيلة مراقبة أساسية على المؤسسات التنفيذية، وقد توضح مجموعة كبيرة من القضايا التي تفسر جوانب القصور في المؤسسات التنفيذية فتنطق بحالها، وتدافع عنها، وتساعد على معالجتها لدى المؤسسات الفاعلة في اتخاذ القرار، وقد تعمل الصحافة أيضاً على توجيه الرأي العام وتغييره تبعاً للغايات السياسية والاجتماعية والدينية التي يتطلع إليها المعنيون بها، وقد تؤدي الصحافة أيضاً وظائف تجارية واقتصادية وإعلانية تتمثل في ترويج البضائع، وتسويقها داخل حدود الدولة وخارجها.
ولهذا تأخذ الصحف أنواعاً مختلفة باختلاف الموضوعات التي تهم الناس من جهة، وتهم المعنيين في السياسة والاقتصاد والاجتماع من جهة ثانية، وقد توصف الصحف بأنها متنوعة أيضاً، إلا أنها تأتي متخصصة في محتوياتها ومضامينها.
فالصحافة السياسية تهدف إلى توجيه الرأي العام لخدمة القضايا السياسية التي تهم الدول الأحزاب والمنظمات، وتسعى إلى نشر أفكارها وقيمها في الأوساط الاجتماعية المختلفة، وبالنظر إلى تنوع المصالح السياسية في العالم، أما الصحافة الدينية فتهدف إلى توجيه مشاعر الناس وأحاسيسهم نحو القضايا الدينية وجعلها الأساس الذي تبنى عليه أنماط سلوكهم الاجتماعي، في حين تهدف الصحافة الاقتصادية إلى توجيه مشاعر الناس وأحاسيسهم نحو قضايا اقتصادية محددة، أما الصحافة الإعلانية فتهدف إلى ترويج سلع محددة دون غيرها والتشجيع على اقتنائها، وعندما تفقد الصحافة وظيفتها هذه، فإنها تفقد مسوّغات وجودها الأساسية، وتسهم بطريقة غير مباشرة في تبديد الرأي العام وتشتيته، وتنمي أوجه التناقض فيه، وتجعل الباب مفتوحاً لتأثير المؤسسات الصحفية الأخرى في توجيهه، وتحريض الاتجاهات المتنافرة في كثير من الأحيان.