بقلم: ر عدنان منصور
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 11-01-2022 - 653 تشكل منطقة غربي آسيا، لا سيما منها منطقة الخليج، أهمية سياسية وجغرافية واقتصادية واستراتيجية كبيرة، لدولها بشكل خاص، وللدول العظمى التي سادت فيها لفترة طويلة، حيث كان لها تأثيرها المباشر ولا يزال، على سياساتها، وأحداثها، وأوضاعها، وتطوراتها. هذه المنطقة ظلت محط أنظار، ومركز إغراء، يفتح شهية كلّ طامع ومغامر ومستغل. فموقعها الجيو سياسي والاستراتيجي، وما تحويه من كميات هائلة من الطاقة (النفط والغاز)، يجعلها في صلب اهتمامات الدول الكبرى، ومجالاً حيوياً لسياساتها الاقتصادية، والمالية والعسكرية والاستراتيجية بعيدة المدى، نظراً لاحتوائها على أكبر مخزون نفطي وغازي في العالم، ما دفع بالدول الكبرى للبحث عن موطئ قدم ثابت لها، كي تظلّ تظفر بالثروات وتتحكّم بها، وتضمن تدفق النفط إليها، وبالتالي، تتحكّم بالأسعار، وتوجّهها وفق ما يخدم اقتصاداتها، من خلال ما تنفقه الدول النفطية على السلع المستوردة، وفي مقدّمها مشتريات الأسلحة الهائلة، وما تستثمره من رساميل في هذه الدول الكبرى. إنّ أهمية الموقع الجيوسياسي والأمني والاقتصادي والبشري للخليج تكمن في تحكمه بالممرات التجارية البحرية الحيوية للاقتصاد العالمي، وانتشار دوله على مساحة كبيرة تحيط به من كلّ جوانبه إذ تبلغ مساحة الدول الخليجية بما فيها إيران والعراق 4.643.000 مليون كلم٢، أيّ 46.5% من مساحة أوروبا، مع العلم انّ إيران والمملكة العربية السعودية تشكلان معاً 92% من مساحة الدول الخليجية الكلية. إنّ السعودية التي تعتبر المصدّر الأول للنفط تمتلك ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم بعد فنزويلا، كما تأتي إيران لتحتلّ المرتبة الرابعة عالميا في احتياطها النفطي، والثانية في مخزونها من الغاز، لتليها قطر حيث يحويان معاً على %30 تقريباً من احتياط الغاز العالمي. من المؤسف القول انّ الخلافات التي استحكمت بين بعض دول الخليج وإيران، كان من نتيجتها ان زعزعت الثقة بين دول وشعوب المنطقة، وأجّجت الصراعات، وأثارت المخاوف هنا وهناك. كما انّ الدول الكبرى التي هيمنت واستعمرت هذه المنطقة، تركت وراءها حقل ألغام، يسقط فيه كلّ من يريد ان يبتعد عن فلك سياساتها، ودوائر نفوذها، ويهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية. لذلك كان من صالحها أن تبقى دول المنطقة سوقاً استهلاكية متخمة بمنتوجات الدول المصدّرة لها، ويأتي إنفاقها العسكري، على حساب التنمية المستدامة، ويبعدها عن المساهمة في المجالات العلمية والبحثية والتكنولوجية والصناعية المتقدمة. استناداً الى معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI لعام 2020، فإنّ المملكة العربية السعودية احتلت المرتبة السادسة في حجم إنفاقها العسكري، الذي بلغ 57.7 مليار دولار متقدّمة عن كلّ من ألمانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية، فيما بلغ الإنفاق العسكري لإيران 15.8 مليار دولار، مع العلم انّ الإنفاق العسكري للسعودية وصل الى 80.8 مليار دولار عام 2014، وإلى 87.2 مليار دولار عام 2016، لتحتلّ المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين، وتتقدّم على روسيا، والهند وبريطانيا، والمانيا وفرنسا. وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي SIPRI، فإنّ السعودية تصدّرت ما بين عامي 2016 و 2020 قائمة الدول في العالم، باستيرادها للأسلحة، وحلت في المرتبة الأولى، حيث شكل حجم مشتريات المملكة من السلاح 11% من حجم مبيعات الأسلحة العالمية. في حين تجاوز الإنفاق العسكري لإيران والسعودية، وعُمان، والكويت والإمارات العربية المتحدة، وقطر، الـ 100 مليار دولار عام 2020 وانّ 80% من مشتريات السلاح للسعودية يأتي من الولايات المتحدة. إنّ الحروب التي شهدتها منطقة الخليج، كلفت شعوبها مئات المليارات من الدولارات، ناهيك عن الخسارة والضرر البالغ، الذي أصاب الناتج القومي للدول المنخرطة في هذه الحروب بشكل مباشر أو غير مباشر بالإضافة الى الخسائر البشرية وهي الأهمّ، وما رافق هذه الخسائر، من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والأمية والتضخم، وهدم البنى التحتية، وشلّ مرافق الخدمات، وضرب النسيج الوطني، وزرع الأحقاد والكراهية. أحقاد لا تزال تتفاعل داخل شعوب المنطقة، وبحاجة الى وقت غير قصير، كي تتبخر من النفوس، وتمحى من ذاكرة الأجيال. أمام الخلافات المستحكمة التي نشهدها اليوم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها من جهة، والمملكة العربية السعودية ومعها غالبية دول مجلس التعاون الخليجي وحلفائها من جهة أخرى، نتساءل: ألم يحن الوقت بعد لإيجاد صيغة عمل مشترك لعلاقات أوثق، تخفف من الاحتقان، وتأخذ بالاعتبار مصالح شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها وسلامها؟! ألا تحتم مصالح شعوب المنطقة عليها، التعاون الفعّال والتنسيق بين دولتين مهمّتين رئيستين: إيران والمملكة العربية السعودية، نظراً لما تقوم به كلّ منهما من دور سياسي بارز ومؤثر، وما تمتلكه الدولتان من عوامل النفوذ، والقوة العسكرية والاقتصادية، وأيضاً تأثيرهما على مجريات الأحداث في المنطقة وتطوراتها وتداعياتها! إنّ التناقضات والخلافات السياسية والفكرية، والعقائدية، وإنْ وجدت داخل المنطقة، فهذا لا يعني انّ هذه الخلافات يجب أن تشعل في كلّ مرة فتيل الصراعات والحروب، لتفرّق شعوب المنطقة عن بعضها البعض، ولتضعف قواها، وتضرب اقتصاداتها، وتعيق التنمية البشرية لشعوبها، بدلاً من أن توحّد مسارها، وتُنمّي قدراتها، وتنهض بها. هناك من القواسم المشتركة بين إيران والسعودية، كما بين شعوب المنطقة، ما يستدعي إيجاد صيغ سلمية، وخارطة طريق لعلاقات متينة مبنية على المصالح المشتركة، والتفاهم والحوار بدلًا من تأجيج بؤر توتر في أكثر من مكان في المنطقة. هنا نتساءل: لصالح من صبّت الحرب الإيرانية العراقية، ولخدمة من كانت، ومن المستفيد؟! في صالح من صبّ الغزو العراقي للكويت؟! وفي صالح من صبّت الحرب الأميركية على العراق وغزوه؟! وفي صالح من تحركت البروباغندا العالمية ضدّ إيران وبرنامجها النووي السلمي، في الوقت الذي تغضّ فيه الدول الراعية لدولة الاحتلال الصهيوني، النظر عن الترسانة النووية الإسرائيلية التي تهدّد أمن وسلامة واستقرار المنطقة كلها. إنّ ما بين إيران والسعودية، ودول المنطقة، ما هو أكبر بكثير من سياسات التفرقة المزروعة والمصطنعة، بحكم روابط التاريخ والجغرافيا، والثقافة والروحانية، وتفاعل حضارات شعوبها على مرّ القرون الطويلة، وعطاءاتها للإنسانية قاطبة، والانتماء لمنطقة تتقاسم فيها شعوبها الأمل والهدف المشترك في بناء مستقبل يسود فيه السلام والأمن والاستقرار ورغد العيش. هناك سياسات مشبوهة لجهات خارجية وإقليمية، تعمل بكلّ قوة، لإبعاد واجهاض ايّ تقارب أو تواصل إيراني عربي، وبالذات بين إيران والمملكة العربية السعودية، حفاظاً على مصالحها ونفوذها. فهل الذي يفرّق الأمتين الإيرانية والعربية في الوقت الحاضر، ويمنع التواصل بينهما، أكبر من الذي يجمعهما من قواسم مشتركة؟! فهل الذي يجمع قبرص والسويد مثلاً، او مالطا وألمانيا، او اليونان والبرتغال، في إطار الاتحاد الأوروبي، أكبر وأعمق من القواسم المشتركة، والروابط التاريخية والجغرافية والثقافية والروحانية والتجارية التي ربطت بلاد فارس بالمنطقة العربية لقرون طويلة؟! فما بين إيران والعالم العربي أكبر وأعمق بكثير مما كان بين دول الاتحاد الأوروبي. لكن الفرق الأكبر، هو أنّ الإرادة الاوروبية الواعية، ونضوج الفكر السياسي، وإدراك الحكام الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية لأهمية التفاهم والتعاون، ونبذ فكرة الحروب، والبحث عن التكامل الاقتصادي ومن ثم الوحدة، دفعتهم الى تجاوز الخلافات والأحقاد وويلات الحروب وما ألحقته من دمار طال الجميع، وذلك من أجل النهوض من جديد بأوروبا الموحدة، رغم كلّ التحديات ورواسب الماضي، ورغم الفوارق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، واللغوية، والحضارية والتاريخية. ما تنتظره من إيران والسعودية ودول المنطقة، إرادة على مستوى المسؤولية، كإرادة الحكام الذين شهدتهم أوروبا، كي يحدثوا التغيير الجذري، ويضعوا الحدّ لعقليات متحجّرة رافضة لأيّ حوار او تعاون إيراني سعودي عربي، ولأيّ قرار شجاع يقرّب الأمتين لما يخدم مصالحها المشتركة، وذلك إذعاناً لتأثير القوى الخارجية النافذة وضغوطها، ولما يقوم به الكيان «الإسرائيلي» من دور معطل في هذا المجال. إنّ النخب على مستوى الدول والشعوب في إيران والسعودية، والمنطقة، مدعوّة للعمل من خلال نهج واضح، تترك فيه جانباً سلبيات الماضي، وأن تجتمع على ما يقرب وجهات النظر والمواقف، دون شروط مسبقة، ودون حساسيات مفرطة او تشنج من هنا او هناك. نهج يكون كفيلاً في إرساء أسس قوية لتعاون مستقبلي فعّال، مبني على الاحترام والثقة المتبادلة، والاعتراف الصريح بخصوصية الأنظمة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحلّ الخلافات العالقة بالطرق السلمية. إنّ التواصل ومدّ الجسور والحوار البناء، واستعادة الثقة بين الرياض وطهران، وأيضاً بين طهران ودول المنطقة، كفيل أن يتخلى كلّ طرف عن حذره، ومخاوفه، وهواجسه تجاه الآخر، لينطلق بعد ذلك، بعلاقات مبنية على أسس متينة، تحصّن في ما بعد استقلال وسيادة دول المنطقة، ويجعلها قادرة على مواجهة خطط وسياسات القوى الأجنبية الطامعة بثرواتها وطاقاتها. فهذه القوى لها سياساتها وأهدافها المباشرة الرامية الى تأجيج الخلافات بين دولها، وتفكيك أواصر علاقاتها، كي تضعفها وتعيق تنميتها، ومن ثم التحكم بقراراتها. من أجل تهيئة المناخ لإرساء تعاون مشترك يخدم شعوب المنطقة، فإنّ إيران والسعودية بالدرجة الأولى، بحكم موقعهما، وأهميتهما، ودورهما، ونفوذهما، مدعوتان الى بذل الجهود الحثيثة، بغية إعادة الثقة بين دول المنطقة وشعوبها، والعمل معاً، على وقف الحرب الإعلامية بينهما، وتبادل الاتهامات التي كثيراً ما خرجت عن الضوابط والأعراف والأصول، متجاوزة كلّ حدود، لا سيما عندما تمسّ الطوائف والمذاهب بالمباشر، ويُساء بشكل جارح الى القوميات، والأشخاص، ما يحرّك العصبيات والنعرات القومية والعرقية، ويزيد من حدة التطرف الفكري والمذهبي، ويعمّق الشرخ والأحقاد والكراهية، يكون من نتيجته ابتعاد دول المنطقة وحكامها وشعوبها عن بعضهم البعض. وهذا ما يصبّ في صالح دول الهيمنة الاجنبية، ويخدم أهدافها البعيدة. وهذا ما تقوم به بالتحديد الولايات المتحدة، وما تريده وتفعله لإبعاد وإفشال ايّ تقارب إيراني سعودي، أو إيراني عربي. وهذا ما أتاح المجال للعدو «الإسرائيلي» أن يستغلّ هذا الخلاف والانقسام الإيراني السعودي العربي، ليطرح نفسه على ساحة المنطقة المشرقية، كبديل، وشريك، وحليف، محققاً له إنجازات كبيرة لم يكن يتوقعها يوماً، أتت على حساب مصالح شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها، لتزيد من حدة الانقسامات والخلافات بين دولها. إنّ التعاون البناء بين دولتين كبيرتين في غربي آسيا: إيران والسعودية ومعهما دول الخليج والجوار، يتطلب منهما، فتح الأبواب أمام التبادل التجاري، وتشجيع الاستثمارات، وتبادل الخبرات العلمية على المستويات كافة، وتعزيز الروابط الثقافية، وتنشيط الحركة السياحية، ووضع الأسس لسوق اقتصادية مشتركة، وإعطاء الأولوية لبلدان المنطقة في مجال التبادلات التجارية والخدمية، والمشاريع التنموية المشتركة، وتبادل الخبرات الأكاديمية والبحثية والتعليمية، والجامعية، والعلمية. إنّ التعاون بين طهران والرياض ومعهما دول المنطقة، وما يمكن له مستقبلاً ان يؤسّس لتكامل اقتصادي في ما بينها، يعزز من حضورها على الساحة الدولية، ويتيح لها مواجهة التحديات الخارجية، ومواكبة التحوّلات العالمية، على صعيد الاتصالات والمعلوماتية، والأبحاث العلمية والمعرفية، والاكتشافات والاختراعات في مختلف المجالات. إنّ صيغة جديدة يجب ان تلجأ اليها دول الخليج، وبالذات إيران والسعودية، تهدف إلى إعادة تهذيب التاريخ المشترك، وإزالة الرواسب السلبية التي علقت في بطون الكتب، وأذهان الناس، عرباً كانوا أم فرساً، عن عمد أو عن جهل، بحيث تتناول البرامج التربوية والإعلامية لهذه الدول، الجوانب التاريخية والثقافية، والفكرية والحضارية المشتركة، كي تقرب شعوب المنطقة في ما بينها، وتنسيها الأحقاد ورواسب الماضي. ألن يوفر التعاون المشترك إذا ما حصل بين إيران والمملكة العربية السعودية، الأمن والاستقرار وبناء الثقة بين دول وشعوب المنطقة كلها بدلاً من اللجوء الى التسلح واعتباره الضمانة لأمنها واستقرارها؟! وهنا نتساءل: هل استطاعت دول المنطقة بما أنفقته من مئات المليارات على التسلح خلال الأربعين سنة الأخيرة، حيث تجاوز إنفاق السعودية لوحدها على السلاح خلال العقود الأربعة الترليون ومائتي مليار دولار، ان تبعد الحروب والنزاعات، والكراهية، والخوف والهواجس عن شعوبها؟! وهل استطاع هذا الكمّ الهائل من الإنفاق العسكري أن يوفر لشعوب المنطقة الأمن الحقيقي والاستقرار، وأن يبعد المنطقة عن الصراعات، والتوترات، والتجاذبات والاستقطاب، والحروب والتدخلات الأجنبية؟! ألم تؤدّ النزاعات والخلافات والحروب التي اندلعت في المنطقة إلى تعزيز الوجود الأجنبي، وتكريس هيمنته على حساب السيادة الوطنية، ومنع قيام كتلة إقليمية كبرى في المنطقة للاضطلاع بدورها السياسي والاستراتيجي؟! وما دام البعض يعتمد على الدول الكبرى، وجعلها الشرطي لحماية أمنه، فما الداعي اذن لكلّ هذا الإنفاق على التسلح، ولهذا الفائض في كمية السلاح، عندما نسمع الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، يطالب علناً دون ضوابط وباستفزاز قبيح، دولاً في المنطقة بدفع ما يتوجب عليها لحمايتها، وينبّهها ويحذرها من أنّ أنظمتها لن تستطيع الصمود لأسبوعين دون حمايته لها؟! ألم يؤدّ عدم إغلاق الملفات الساخنة بين بلدان المنطقة، لا سيما بين إيران والسعودية، والبحث عن الحلول لمشاكلها، وإيجاد صيغ مشتركة لصون الأمن الإقليمي لدولها، الى ترسيخ الدور العسكري الأجنبي، وتثبيت مواقعه هنا وهناك، دون احتساب العواقب والنتائج الخطيرة التي تحدّ من سيادتها وقرارها الحرّ المستقلّ، وتضعها في مرمى قوى الهيمنة والتسلط والإبتزاز؟؛ إنّ أوهام الخطر الإيراني على أمن منطقة الخليج، ما هو إلا بروباغندا تروّجها من آن الى آخر، دول هيمنت بكلّ شراسة على المنطقة، كي تظلّ تمسك بالفريسة من كلّ جانب، وبكلّ ما تحمله الفريسة من خزائن، وثروات وطاقات. وبالتالي، إبعاد الأنظار عن الخطر الحقيقي الذي يشكله الكيان «الإسرائيلي» بترسانته النووية على أمن دول المنطقة وشعوبها. إنّ صراعات الماضي، والخصومات والنزاعات بين دول الخليج، ليست بالأمر الحتمي. فهناك ولا شك عوامل تهدئة وصيغ سليمة لعلاقات طيبة متينة، تستطيع إذا ما توفرت النوايا الحسنة، تحديد أطر سليمة لعلاقات قوية مبنية على التفاهم بين دوله، لما فيه المصلحة المشتركة للجميع. لقد عرف التاريخ التقاء العرب والفرس، في مراحل وأوقات عدة، تطورت بعد الفتح الاسلامي لبلاد فارس، وجرى التفاعل بين الأمتين، فاغتنت فارس بالروحانية، كما اغتنى العرب من الحضارة الفارسية في مجالات اللغة ومتفرّعاتها، والهندسة والكيمياء والرياضيات، والأدب والشعر، والجغرافيا والتأريخ، وأدب الرحلات، والفقه والحديث، بحيث أنّ المتتبّع لهاتين الحضارتين، لا يستطيع أن يغفل أسماء فارسية سطعت في دنيا العرب، أمثال ابن سينا، والغزالي، وابن المقفع، والزمخشري، وسيبويه، والبخاري، وعمر الخيام، والقزويني، والخوارزمي والبسطامي وسعدي الشيرازي، وبديع الزمان الهمذاني، الى آخر هذه القائمة التي تحمل مئات الأسماء من رجال الفكر والأدب، والفلسفة والطب والكيمياء وغير ذلك من العلوم. فكلاهما أثر وتأثر، فعل وتفاعل، أخذ وأعطى، فجاء هذا الاحتكاك ليؤكد على حقيقة تاريخية، وهي أنّ التعاون والتفاهم بين فارس والمنطقة العربية، كان يؤدي دائماً الى منافع متبادلة بين الطرفين، كما أنّ العداوة والنزاعات والخصام كان يلحق بالطرفين الضرر والخسارة. إنّ المصلحة العربية والإيرانية، وبصورة خاصة، بين إيران والسعودية، تقتضي اليوم التحرّر من العقد، ومن الحساسيات التي تستحكم في العقول، والتطلع الى مستقبل واعد تحدّده سياسات مشتركة مقرونة بروح التفاهم والتعاون، لما فيه صالح شعوب المنطقة ومستقبلها، وحريتها، واستقرارها، وسيادتها، وحماية أمنها القومي، وأبعادها وهو الأهمّ عن الأحلاف ودوائر النفوذ والهيمنة الغربية. ألا يستدعي التفاهم والتعاون البناء، والتنسيق المشترك بين الرياض وطهران، ودول الخليج، الى إخراج القواعد العسكرية الأجنبية من أراضي المنطقة؟ فأيّ أمن قومي يمكن ان يتحقق لدول المنطقة في ظلّ القواعد العسكرية المتواجدة على أراضيها، وفي ظلّ الأساطيل البحرية الحربية التي لا تغادر مياهها؟! إنّ الأمن القومي للدول لا يستورد، ولا يؤجّر، ولا تصونه إلا دوله، ولا يُصان أبداً من قوى الهيمنة الأجنبية التي عانت منها شعوب المنطقة، الحروب والويلات والدمار والتهجير، وكانت وراء فصائل القوى المسلحة التي قوّضت أمن واستقرار دول في المنطقة المشرقية، وضربت بالصميم النسيج الوطني لشعوبها، حيث لا تزال حتى الآن نعاني من تداعياتها وكوارثها الرهيبة. إنّ تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين المحورين الرئيسين: طهران والرياض وحلفائهما، كفيل أن يحافظ على التعايش المشترك السليم، بدلاً من أن تتعايش دول عديدة في المنطقة مع القطع العسكرية الأجنبية التي تجوب مياه الخليج شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وانتشار القواعد العسكرية على طول شاطئه، حيث تجتاح أجواءه المقاتلات ليلاً نهاراً، مع كلّ ما يحمله هذا الواقع من أثر سلبي، ومن انتقاص لسيادة دول المنطقة وقرارها الحرّ المستقل. إنّ دول المنطقة، تواجه تحديات العصر، ومعطياته ومفاهيمه، من خلال التكتلات الاقتصادية الضخمة. لذلك فإنّ أيّ تنسيق وتعاون جماعي في المنطقة، يكون محوره الرياض وطهران، يستطيع إيجاد شراكة إقليمية فاعلة تصبّ في صالح الجميع، تراعي استقلال دولها، وسيادتها الوطنية، وتعزز الاستقرار والأمن، وتفسح المجال أمام شعوبها لتحقيق التنمية المستدامة، واستعادة الثقة بين الأطراف من جديد، حيث دول المنطقة بأمسّ الحاجة اليها اليوم، لتكون الركيزة الرئيسة لتفاهم وتعاون حقيقي. إنها الإرادة القوية المطلوبة من دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية وإيران. فإذا ما التقت وفعلت، تستطيع أن تغيّر وجه المنطقة نحو الأفضل، وبالتالي تسطر تاريخاً جديداً مشرّفاً يليق بشعوبها وتطلعاتها.
لا يوجد صور مرفقة
|