تؤكد جميع التطورات الميدانية في الجغرافيا السورية، أن حبات الساعة الرملية لرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بدأت بالهروب من بين أصابعه لتسقط عليه، مشكلة كثباناً غاص به من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه، وأن عقارب الساعة التي اتخذها سياسة في لعبة المراوغة للتهرب من التزاماته في منطقة «خفض التصعيد» وما تعهد به خلال لقاءات سوتشي السابقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدأت تلك «العقارب» بلدغه، مع إصرار روسيا على ضرورة وضع النقاط على الحروف بشأن جميع الاتفاقات التي تمت في سوتشي، وخاصة إزاء فتح طريق حلب- اللاذقية أو ما يسمى «M4 ».
يحق القول في أردوغان «انقلاب السحر على الساحر» فالرجل الذي حشد عدداً كبيراً من مسلحي الميليشيات الموالية له في مناطق شمال شرق سورية، وخاصة على تخوم منبج وعين العرب بريف حلب بهدف احتلال مناطق جديدة من الأرض السورية، واستهداف ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، بات اليوم يستجدي مجرد الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه، حيث أكدت مصادر دبلوماسية تركية مطلعة، أن أنقرة جمّدت حالياً العملية العسكرية التي هددت مراراً بتنفيذها ضد «قسد».
إدراك النظام التركي أي ورطة حشر بها دفع به إلى تفعيل جميع القنوات الدبلوماسية والعسكرية للتواصل مع من يمكنه من انتشاله من ورطته تلك، فسارع وزير دفاع النظام التركي خلوص أكار إلى الاتصال بنظيره الروسي سيرغي شويغو للبحث في القضية السورية، وخاصة أن القوات الروسية إضافة إلى الجيش العربي السوري، قطعت الطريق على عدوان أردوغان، عبر سلسلة من المناورات في مناطق التماس مع قوات الاحتلال التركي والميليشيات الموالية له في شمال شرق سورية، ونشر صواريخ «S300» في مطار الطبقة، كما أن وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو سارع بالطيران إلى طهران في محاولة للهروب نحو الأمام، باحثاً عن مساعدة إزاء ورطته في سورية.
أردوغان الذي كان يمني النفس بمكسب كبير في شمال شرق سورية، وهو المطمئن إزاء سيطرة التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم «جبهة النصرة» على مناطق إدلب، أخفق في حساباته، وفي رهانه على احتلال مناطق جديدة في شرق الفرات مقابل تنفيذ اتفاق سوتشي بما يخص طريق حلب – اللاذقية، فوجد نفسه أمام «خفي حنين» في الأولى، وملزماً بخصوص الثانية، وخاصة مع المعلومات التي تؤكد أن وفداً روسياً تقنياً من وزارة الدفاع الروسية سيصل إلى أنقرة الأسبوع المقبل للاجتماع مع نظيره التركي لوضع النقاط على حروف اتفاق بوتين- أردوغان الأخير فيما يخص وضع اللمسات الأخيرة على إجراءات فتح طريق «M4»، على أن تعقب ذلك اتصالات بين وزارتي خارجية البلدين وعلى مستوى رؤساء استخباراتهما.
حماقة أردوغان، وسعيه إلى شن عدوان على أراض سورية، بهدف القضاء على ميليشيات «قسد»، أتت أوكلها بخلاف ما يمني النفس، فالتنسيق بين الميليشيات والولايات المتحدة الأميركية ازداد منذ بدء التصريحات التركية والتهديد والوعيد بشن العدوان، كما أن حدة الخلاف بين أنقرة وواشنطن ازداد مع رفض الأخيرة إعطاء الضوء الأخضر لشن عدوان تركي، بل ذهبت بالرفض أبعد من ذلك من خلال تحشيد القوات الأميركية المحتلة في مناطق سيطرة ميليشيات «قسد» في رسالة واضحة على الرفض المطلق.
لقد وجد النظام التركي نفسه في موضع الضعف والعزلة، وهو من ظن أنه القوي وصديق الجميع، لتشي الأيام القادمة بقرب حدوث انزياحات وتغيرات في خريطة انتشار الاحتلال التركي والميليشيات الإرهابية الموالية له في إدلب، وهو أمر اعتيادي وخاصة في ظل أجواء الانفتاح العربي والدولي إزاء دمشق، ودعوة الجميع وإصرارهم على إنهاء الأزمة السورية، والاحتلال التركي أس وأساس تلك الأزمة إضافة إلى الاحتلال الأميركي.